منبت قرار تنازل حمد ودلالته
موقع إنباء الإخباري ـ
الدكتور شاكر شبير:
لا شك أن هناك صراعاً بين الولايات المتحدة المنتصرة في الحرب العالمية الثانية وبين انجلترا التي تستعمر الشرق، فالولايات المتحدة تسعى لأن تجني ثمار انتصارها وإنقاذ الحلفاء من هزيمة محتملة رغم هزيمة الجيش الألماني في روسيا. فقيادة الحلفاء كانت مهترئة. في المقابل تقاوم بريطانيا هذا التوجه لأنه يستهدفها!
صحيح أن هذا الصراع مبطن أي مكتوم، وليس ظاهراً على السطح، لكنه ليس صراعا ميتافيزيقيا أي غيبيا. فلا بد إن كان موجودا بالفعل، أن يكون له نقاط حقلية يرتكز عليها، بمعنى لا بد أن تكون هناك أنشطة حقلية تعبر عن هذا الصراع.
ربما خارج الوطن العربي كانت حرب الفوكلاند مثالاً على هذا الصراع الأمريكي البريطاني. فلا يمكن للطغمة العسكرية الآرجنتينية القيام باجتياح الجزر في أبريل 1982 دون أمر من واشنطن. فالطغمة العسكرية الأرجنتينية هي صناعة أمريكية. وكان في تفكير واشنطن أن تتوسط إذا حصل نزاع، ويتم إبقاءالإنجليز لفترة، بعدها يتم الجلاء. لكن بريطانيا أبدت رد فعل قوي غير متوقع، وحركت أسطولها. ولما رأت الولايات المتحدة ذلك حمّلت الطغمة العسكرية المسؤولية، بل وساعدت بريطانيا لوجيستيكيا!
اليوم في الوطن العربي ما إن ذاع خبر تنازل حمد بن خليفة لابنه تميم، حتى قامت التحليلات تقول إن وشنطن أمرت، واشنطن أرسلت موفدا عسكريا طلب منه التنازل لابنه، وقصص إنقلاب. وكلها قصص خيالية تذكرنا بأيام انتهاء الاستعمار العسكري والقول إنه انتهى إلى غير رجعة، وأن الاستعمار أصبح اقتصاديا فقط. وهي مقولة أمريكية للتخلص من الاستعمار الانجليزي الذي كان عسكريا في طبيعته.
فالمنطقة موزعة بين الولاءات للاستعمار القديم والحديث. فقطر والإمارات وعمان ما زالت ولاءاتها إنجليزية، بينما السعودية والكويت تحولت إلى الولاء الأمريكي. هذه الحقائق لا بد من اعتبارها عند تحليل أي حدث.
منبت القرار بريطاني وليس أمريكياً؛ فبريطانيا رأت أن الوضع القادم في سوريا محفوف بالمخاطر، ورأت أن تخرج قطر من هذا الوحل، فكان أن أعطته الحل للخروج من المأزق السوري. تماما كما أعطت قابوس مشورة عمل انتخابات على مستوى البلديات في عمان مع بداية ما يسمى الربيع العربي. وبالفعل أجريت ولأول مرة انتخابات في عمان.
انسحاب قطر من المستنقع السوري يضع كل المسؤولية على حمد بن جاسم، الذي سيخرج من الخارجية. نفس تميم المتنازل له عن الإمارة هو تربية بريطانية، فلا يتغير شيء. كما أنه يضع العبء على المملكة العربية السعودية، فهي التي ستبقى في الميدان، وسيتم توريط مصر من خلال الإخوان الذين أصبحوا أمريكيي الولاء بالرغم من الرعاية البريطانية لهم في مرحلة التاسيس، مستغلة جهلهم السياسي وانغلاقهم. ـ
أما الدلالة فإنه يدل على أن بريطانيا باتت مقتنعة بأن اللعبة في سوريا انتهت، وأن ما هو موجود الآن ما هو إلا مجرد هزات ارتدادية للهزة الرئيس.