مناورة “اللكمة الساحقة”… الهدوء أقرب من الحرب
موقع قناة الميادين-
حسن لافي:
كل الجهود التي بذلتها “إسرائيل” منذ حرب تموز/يوليو 2006، حتى الآن في تمتين الجبهة الداخلية باءت بالفشل، بل في ظل الأزمات الداخلية السياسية والاجتماعية العميقة داخل المجتمع الإسرائيلي، باتت القضية أكثر تعقيداً بشكل كبير جداً.
مناورة “اللكمة القاضية أو الضربة الساحقة” في القيادة الشمالية الإسرائيلية، ستكون عبارة عن تدريب واسع النطاق، من رأس القيادة في “الجيش” وحتى آخر مقاتل في الميدان، ورغم كل ما تبع المناورة من تهديدات إسرائيلية تجاه حزب الله ومحور المقاومة، وقدرة “إسرائيل” على خوض معركة متعددة الجبهات في آن واحد، فإن الظروف الموضوعية للحالة القتالية الإسرائيلية منذ عام 2006 تؤكد أن “إسرائيل” غير قادرة على خوض حرب واسعة، بل إنهم أطلقوا لقب سيناريو “يوم القيامة” على احتمالية الحرب متعددة الجبهات، والتي سعت وتسعى “إسرائيل” لتفاديها.
وهنا، يمكن الإشارة إلى ما صرح به قائد المنطقة الشمالية، في “الجيش” الإسرائيلي اللواء أوري جوردين بأن مناورة “اللكمة الساحقة” تهدف إلى “شيئين أساسيين بالنسبة لنا: الدفاع والنصر في الحرب.”. بمعنى آخر، جعل جوردين قدرة “إسرائيل” على الدفاع وامتصاص الضربات التي بالتأكيد ستتلقاها الجبهة الداخلية الإسرائيلية، بإمكانية تحقيق النصر. تكمن أهم معضلات “إسرائيل” في تفعيل قدراتها العسكرية، إذ لا يكفي أن تمتلك القوة العسكرية الأكثر شراسة وتطوراً في الشرق الأوسط، بل يجب أن تملك القدرة على تفعيل هذه القوة العسكرية، وهنا توجد الخاصرة الرخوة في الأمن الإسرائيلي القومي، الجبهة الداخلية، التي باتت أكثر حساسية تجاه الخسائر المادية والبشرية والنفسية.
ومن الواضح أن كل الجهود التي بذلتها “إسرائيل” منذ حرب تموز/يوليو 2006، حتى الآن في تمتين الجبهة الداخلية باءت بالفشل، بل في ظل الأزمات الداخلية السياسية والاجتماعية العميقة داخل المجتمع الإسرائيلي، باتت القضية أكثر تعقيداً بشكل كبير جداً.
ورغم محاولات “الجيش” الإسرائيلي تطوير منظومة دفاعاته الجوية ضد الصواريخ، وامتلاكه منظومة متعددة المستويات ضد أنواع الصواريخ كافة، بدءاً من “القبة الحديدية” للصواريخ قصيرة المدى، ومنظومة “العصا السحرية” أو “مقلاع داوود” للصواريخ المتوسطة المدى، ومنظومات “السهم” لمواجهة الصواريخ البالستية، فإن تجارب الحروب والتصعيدات العسكرية الإسرائيلية مع المقاومة في غزة، تؤكد أن منظومة “القبة الحديدية” وحتى منظومة “مقلاع داوود” التي استخدمت ضد صواريخ “سرايا القدس” الجناح العسكري لحركة “الجهاد” في معركة “ثأر الأحرار” لا يمكنها توفير حماية كاملة للجبهة الداخلية.
فحسب المعلومات الإعلامية الإسرائيلية المبالغ فيها تجاه نسب الإسقاط التي سجلتها “القبة الحديدية” فإنها لم تتعد الـ 90%، بمعنى هناك 10% من الصواريخ ستصل إلى أهدافها. في حالة استخدام حزب الله ومحور المقاومة تكتيك الإغراق الصاروخي تجاه الجبهة الداخلية الإسرائيلية، فستزيد نسبة وصول الصواريخ إلى العمق الإسرائيلي وتقل نسب نجاح تلك المنظومات الدفاعية، وحسب تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان”، فإن لدى حزب الله مخزوناً صاروخياً يقدر بـ 150 ألفاً، وقدرة إطلاق تصل إلى 3000 صاروخ في اليوم الواحد، وفي عملية حسابية بسيطة، نجد أن 300 صاروخ، على أقل تقدير، من حزب الله ستصل إلى هدفها، فهل يمكن للجبهة الداخلية التي تعاني من أزمة نقصان التحصين والملاجئ أن تتحمل هذا الحجم من الصواريخ، ومن جبهة واحدة فقط؟ بالتأكيد لا.
أضف إلى ما سبق، أن “إسرائيل” تدرك التحوّلات العسكرية لدى حزب الله من العقيدة الدفاعية الاستنزافية للعدو إلى العقيدة الهجومية الساعية للنصر، وليس فقط للصمود كما كان في السابق. منذ معركة تحرير حلب، أدركت “إسرائيل” خطورة كتيبة “الرضوان” وقدرتها على قتال المدن في الليل والنهار مع التنسيق الواسع مع المدفعية والطيران.
والأخطر على “إسرائيل” كان الثقة الكبيرة التي نالها حزب الله بعد نجاحه في منع انزلاق الفوضى والتكفيريين إلى داخل لبنان من جهة، ونجاح الحزب في حماية الدولة السورية من جهة أخرى. ولذلك، فإن عودة كتيبة “الرضوان” وانتشارها في مواقع متقدمة على جبهة الجنوب اللبنانية، والحديث عن خطة تحرير الجليل، واكتشاف بعض الأنفاق الهجومية للحزب، باتت هناك قناعة إسرائيلية أن حزب الله لديه توجه هجومي استراتيجي وليس مجرد تهديدات كلامية، وخاصة بعد عملية “مجدو” المحاطة بسرية إسرائيلية كبيرة حتى الآن.
لذلك، فإن مناورة “اللكمة الساحقة” العسكرية في هذه الظروف عبارة عن محاولة إسرائيلية لإرسال رسائل لتثبيت قواعد اشتباك مع حزب الله خاصة، ومع محور المقاومة عامة، بأنها لن تسمح بفرض معادلات هجومية جديدة على “إسرائيل”، وليس التحضير لضربة عسكرية كما تهدد الأوساط السياسية الإسرائيلية، خاصة في ضوء قناعة حزب الله أن الظروف مواتية لتحسين قواعد الاشتباك لصالحه، وهذا ما تستشعره “إسرائيل”، خاصة بعد إطلاق الصواريخ في رمضان الماضي من جنوب لبنان، وبالتالي تحاول “إسرائيل” أن ترسل رسائل ردعية لكي لا يواصل الحزب تثبيت قواعد هجومية جديدة أكثر راحة له.
القراءة الشاملة لمناورة “اللكمة الساحقة” تتطلب عدم إهمال الرسائل الداخلية من قبل “الجيش” الإسرائيلي الذي، ولأول مرة، يحصل على موازنة مالية بهذا الحجم، مع رئيس أركان غير كارزماتي، ولكنه عملياتي جداً، يسعى لتنفيذ خطة متعددة السنوات على غرار سابقه، ناهيك بالإشكالات التي ارتبط بها “الجيش” بخصوص التظاهرات الاحتجاجية، ناهيك بمحاولة المستوى السياسي بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يعاني أزمة حقيقية مع الإدارة الأميركية والتي لم تستضفه حتى الآن في البيت الأبيض بعد عودته إلى رئاسة الوزراء، وعدم وجود تنسيق سياسي بينه وبين الرئيس جو بايدن بخصوص كيفية مواجهة الملف النووي الإيراني، وهنا تبرز أهمية المناورة لفتح قنوات الحوار مجدداً وتعزيزها مع الأميركيين.
من الضروري للولايات المتحدة كدولة عظمى في العالم، معرفة النيات الإسرائيلية الحقيقية، وخاصة أن السلوك الإسرائيلي السياسي والعسكري يوتر أجواء الشرق الأوسط، الأمر الذي لا يصب في مصلحة الاستراتيجية الأميركية العليا.
في حقيقة الأمر، لا تسمح الظروف الدولية والإقليمية لـ”إسرائيل” بفتح حرب شاملة متعددة الجبهات، إذ تدرك أن مهاجمتها لحزب الله في لبنان، البوابة الأكبر لاندلاع تلك الحرب، لذلك عوامل الكبح أكبر بكثير من عوامل الانفجار، ولكن يبقى الخوف من سوء التقديرات الإسرائيلية الناتجة من خلل في قراءة النيات في الميدان، الأمر الذي حذر منه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.