ممّ تتألف خيوط بيت العنكبوت؟ قراءة في مضامين التوراة
موقع إنباء الإخباري ـ
بتول زين الدين:
“إسرائيل هذه هي، إسرائيل التي هزمناها في 2000 والتي هزمها أهل غزة مرات عديدة، وإسرائيل التي هزمناها في 2006 وإسرائيل التي هزمناها بالأمس هي أوهن من بيت العنكبوت ولن تكون غير ذلك!”.
كرر الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في كلمته خلال الاحتفال التكريمي لشهداء القنيطرة الذي نظمه “حزب الله” في مجمع سيد الشهداء في الضاحية الجنوبية لبيروت، عبارته التي أطلقها في ذكرى التحرير منذ 15 عام وخاطب فيها من بنت جبيل شعب فلسطين: “إنّ إسرائيل هذه التي تملك أسلحة نووية وأقوى سلاح جو في المنطقة، واللهِ هي أوهن من بيت العنكبوت! “.
فما هي أبعاد هذا التشبيه؟ وما هي حقيقة بيت العنكبوت و مواصفاته؟ ومما تتألف خيوطه؟
مواصفات بيت العنكبوت
“أوهن من بيت العنكبوت” نعت إستخرجه سماحته من الآية القرآنية الكريمة “مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ” .
تحت وطأة نوعين من الوهن يرزح بيت العنكبوت: الأول معنوي: تقضي بعض الإناث على ذكرها بقتله وافتراس جسده لأنها أكبر حجما وأكثر شراسة منه، وفي بعض الحالات تلتهم صغارها، وفي بعض الأنواع تموت بعد إتمام إخصاب بيضها الذي عادة ما تحتضنه في كيس من الحرير.
وعندما يفقس البيض، تخرج فتجد نفسها في مكان شديد الازدحام بالأفراد داخل كيس البيض، فيبدأ الإخوة الأشقاء في الاقتتال من أجل الطعام، أو من أجل المكان، أو من أجلهما معاً، فيقتل الأخ أخاه وأخته، حتي تنتهي المعركة ببقاء عدد قليل من العنيكبات التي تمزق جدار كيس البيض لتخرج الواحدة تلو الأخرى، بذكريات تعيسه، ويكرر من ينجو منها نفس المأساة التي تجعل من بيت العنكبوت أكثر البيوت شراسة ووحشية، وانعداما لأواصر القربى!
بيت محروم من معاني المودة والرحمة التي يقوم على أساسها كل بيت سعيد.
هذا على صعيد الوهن المعنوي، أما الوهن المادي، فلا داعي ربما للإشارة إلى أن هذا البيت المكون من مجموعة خيوط حريرية غاية في الدقة والتي تتشابك مع بعضها البعض تاركة مسافات بينية كبيرة فلا تقي حرارة شمس، ولا زمهرير برد، ولا تحدث ظلاً كافياً، لا تقي من مطر هاطل، ولا من رياح عاصفة، ولا من أخطار المهاجمين، على الرغم من الإعجاز في بنائها، هو أضعف بيت على الإطلاق!
لكن، بعيداً عن هندسة المستوطنات العنكبوتية، ننتقل للحديث عن معالم البيت العنكبوتي في المجتمع الصهيوني. فكيف تتجلى؟ وما هي خيوط ذاك البيت؟
خلال تعداد السيد نصر الله الفارق بين اغتيال شهداء القنيطرة والإنجاز الذي حققته المقاومة الإسلامية في شبعا ، كشف عن الخيط الأول لهذه الخيوط حين أشار إلى أن الفارق الأول هو الجبن قائلاً: “لأنهم جبناء، وليسوا رجالا، ولأنهم لا يقاتلونكم إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر، هم غدرونا. أما رجال المقاومة، لأنهم رجال ولا يهابون الموت جاؤوهم من الأمام، وجهاً لوجه”.
الجبن إذاً هو أول الخيوط !
ـ الخيط الأول: الجبن
قبل مئات السنين أخبر الله عز وجل رسوله الكريم محمداً صلى الله عليه وآله وسلم عن فكر وأيديولوجية وطريقة قتال اليهود للمسلمين بقوله: “لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ” (الحشر: من الآية14).
وتبرز من صور جبنهم وتفضيلهم للذل والعبودية صورة موقفهم يوم الخروج من مصر مع موسى، وعندما وصلوا إلى أرض فلسطين وعرفوا الكنعانيين والحثيين واليبوسيين وسائر الشعوب المقيمة في فلسطين وما حولها، أصابهم الوهن أكثر، ووجدوا أن هؤلاء الأقوام عمالقة وأنهم معرضون للهلاك على أيديهم فعبّروا عن خوفهم وجبنهم بطريقة أكثر خزياً من تعبيرهم عندما كانوا في البرية بعد الخروج من مصر: “فرفع كل الجماعة أصواتهم وصرخوا، وبكى الشعب في تلك الليلة وتذمر على موسى وهارون جميع بني إسرائيل وقال لهما كل الجماعة : يا ليتنا متنا في أرض مصر، يا ليتنا متنا في هذه البرية، لماذا أتى الرب بنا إلى هذه الأرض حتى نسقط تحت السيف وتصير نساؤنا وأطفالنا غنيمة، أليس خيراً لنا أن نرجع إلى مصر”.
ولعل أوضح مثال يضرب الآن، جدار الفصل العنصري الذي يمتد لأكثر من 730 كم ضمن الأراضي الفلسطينية المحتلة، ليضم مستوطنات إسرائيلية محصّنة بشكل يجعلها أشبه بثكنات عسكرية، محاطة بجدر وقوات أمن وحراسة.
إذا كان الخيط الأول هو الجبن فماذا عن الخيوط الأخرى؟
إن دراسة تحليلية لبعض النصوص والمفاهيم عند اليهود، تفيد كثيراً في كشف بقيّة خيوط ذاك البيت.
ـ الخيط الثاني: العدوانية
لم تترك التوراة الموجودة صفة سيئة إلا وألصقتها باليهود، مع أنها من عمل أيديهم . . . كتبوا في توراتهم لعنتهم ومذلاتهم وخزيهم . . . الكذب والسرقة والقتل والكفر والزنا والرجسات مجتمعة، تلذذ بذكرها مزورو التوراة، وغدت عرفاً صهيونياً مارسه الأنبياء كما يزعمون والملوك والقادة والشعب والمدن والقرى . جاء في سفر العدد عن أدب الحرب عند اليهود: “هوذا شعب كلبوءة يقوم وكشبل ينهض لا يربض حتى يأكل الفريسة ويشرب دم الصرعى”. (الإصحاح 23، فقرة 24).
إن المفاهيم الدينية المزعومة عند اليهود تظهر وكأن غاية تشريعهم تنظيم الشعب اليهودي تنظيماً قتالياً، والشريعة تركز تركيزاً خاصاً على الحقد الأبدي الذي يجب على اليهود تربيته في نفوسهم ضد أعدائهم التقليديين. (التوراة تاريخها وغاياتها ترجمة سهيل ديب، ص33).
وفي هذا الصدد يقول المؤرخ اليهودي يوسيفوس لليهود عندما حاصر تيطس أورشليم:”يجب أن تعلموا أن اللَّه هو الذي سلط هذه الأمة عليكم لسوء أعمالكم ورداءة أفعالكم، وكثرة ذنوبكم، لأنكم ارتكبتم المحارم واستجزتم المآثم والجرائم واستسهلتم الكبائر العظائم، وسفكتم الدماء وأغضبتم إله الأرض والسماء وغششتم الناس وأهلكتم النفوس، ونجستم هيكل اللَّه القدوس وقتلتم كهنته وصلحاء أمته ظلماً وعدواناً”.
إن تواريخ الشعوب تتحدث عن حضارات، وعمران، وثقافات، وعلماء، أما تاريخ اليهود، فلا يروي لك إلا أخبار المعارك، وعدد القتلى، والدسائس والفتن، وعمليات الغدر والنفي والتشريد والقهر .
ـ الخيط الثالث : الغدر
إن صفة الجبن تدفع للغدر لأن الجبان يهرب دوماً من ساحة المواجهة، ويعتمد المكر ليغدر في الوقت الذي يمكنه أن يفعل ذلك. ومن صور هذا الغدر ما جاء في الاصحاح 24 الفقرات :21-25-26-27-29: إن هؤلاء القوم مسالمون لنا فيقيمون بالبلد ويتجرون فيه والأرض واسعة الأطراف أمامهم فتتخذ بناتهم أزواجاً ونعطيهم بناتنا… وكان في اليوم الثالث وهم متألمون أن ابني يعقوب شمعون ولاوي أخوي دينة أخذا كل واحد سيفه ودخلا المدينة آمنين فقتلا كل ذكر . وحمور وشكيم ابنه قتلاهما بحد السيف، وأخذا دينة من بيت شكيم وخرجا . ثم دخل بنو يعقوب على القتلى وغنموا ما في المدينة من أجل تدنيس أختهم . . . وسبوا وغنموا ثروتهم وكل أطفالهم ونسائهم وسائر ما في البيوت . هذه صورة من صور أخلاق الغدر عند اليهود تضمنتها نصوصهم التي يقدسونها، ومارسها أسلافهم، وهي بلا شك تشكل، بالنسبة لهم في كل عصر، منهجاً تربوياً يرون من خلاله مسوغات للغدر والجريمة والخيانة .
فكيف يمكن أن يشعر أفراد هكذا مجتمع بالسكينة والإطمئنان؟
ـ الخيط الرابع: الجاسوسية
من الغدر ننتقل إلى الجاسوسية التي تعتبر إحدى مرتكزات ومكونات الشخصية اليهودية، وطابعاً عاماً وملازماً لها. والسبب في ذلك اعتبارات تاريخية نشأت من خلال نظرتهم العدوانية للناس والأمم كافة، وولدت عندهم حالة شك وريبة تجاه الجميع، يضاف إلى ذلك حالة الطمع بما في أيدي الناس، وحتى يكون لهم ذلك يعملون، من خلال التجسس، على الوقوف على حقيقة مواطن القوة عند كل شعب يريدون النيل منه كي يضربوها، ويحاولون التعرف على مواقع الضعف لينفذوا منها .
ورد في سفر العدد: “هذه أسماء الرجال الذين بعثهم موسى ليجسوا الأرض وسمى موسى هوشع بن نون يوشع . وأرسلهم موسى ليجسوا أرض كنعان وقال لهم اطلعوا من هناك من الجنوب واصعدوا الجبل… فصعدوا واجتسوا الأرض من برية حين إلى رحوب عند مدخل حماة . . . ورجعوا من تجسس الأرض بعد أربعين يوماً… وشنعوا، عند بني إسرائيل، على الأرض التي تجسسوها وقالوا: الأرض التي مررنا فيها لنتجسسها هي أرض تأكل أهلها وجميع الشعب الذين رأيناهم فيها أناس طوال القامات”. خمس آيات في إصحاح واحد وردت فيها كلمة تجسس ست مرات، وهذا قدر كافٍ من الكلام لإعداد قراء العهد القديم، والذين ينظرون لنصوصه على أنها مقدسة، إعداداً يقوم على روح الجاسوسية، وعلى اعتبار الجاسوسية أحد أبرز وسائل تحقيق الأهداف التي يعملون لتحقيقها .
ـ الخيط الخامس: الجشع
جشع اليهود وحبهم للمال وسعيهم لجمعه بشتى الوسائل والطرق أمر لا يحتاج إلى شواهد كثيرة، قد أباحوا الربا إذا كان إقراض المال لغير يهودي :” لا تقرض أخاك بربا في فضة أو طعام أو شيء آخر مما يقرض بالربا . بل الأجنبي إياه تقرض بالربا، وأخاك لا تقرضه بالربا لكي يبارك الرب إلهك جميع أعمال يديك في الأرض التي أنت داخل لتمتلكها”.
“منطقتنا هذه، بالحد الادنى، منذ العام 1948 حكوماتها شعوبها كلها تعاني من وجود سرطاني اسمه الكيان الغاصب اسمه اسرائيل غدة سرطانية ودولة ارهابية وكيان عدواني وجرثومة فساد وعنوان للعلو والاستكبار والعنجهية”. يتابع الأمين العام لحزب الله.
الجبن، العداونية،الغدر، الجاسوسية والجشع خيوط حاكت انسجة ثلاثية الأبعاد: الإستكبار، الإفساد وسفك الدماء. بالمقابل، تشكلت ادمغة تصدّه عن تلك ” الأرض التي أنت داخل لتمتلكها!” فمما تتألف تلك الأدمغة؟ وما الذي يقابل هذه الخيوط على الضفّة الأخرى؟ نترك الإجابة لمقال ونختم بكلام للسيد نصر الله: ” أقول انت تريد ان تنسى اسرائيل فلتنسَها، نحن لا نستطيع أن ننساها. أنت تريد أن تنسى الشعب الفلسطيني فلتنسَه نحن لا نستطيع أن ننساه!”
ملاحظة:”بتصرف” مقالة قدّمت لمسابقة الأدب المقاوم “نواة ” 2014 ونالت الجائزة الثالثة.