مماطلة غربية بإرسال الدبابات القتالية.. ويأس أوكراني
موقع العهد الإخباري-
د. علي دربج:
مع دخول المواجهة الاطلسية ــ الروسية عامها الثاني، تعهدت إدارة الرئيس جو بايدن بدعم كييف “للمدة التي تستغرقها”، وكان سبق ذلك إطلاقها بمشاركة غالبية الدول الغربية لا سيما الاوروبية منها، سيلًا من الوعود بإرسال كتائب من الدبابات والعربات القتالية لدعم الجيش الأوكراني، وتمكينه بالتالي من مواجهة التقدم الروسي الحاصل في الميدان هذه الأيام. لكن كييف لم تنتظر طويلًا، لتكتشف أن بعض الدول الأوروبية تحاول التملص أو تملصت فعلًا من تعهداتها، وكلام حكوماتها ذات ليلة عن مدّ كييف بما تحتاجه من مدرعات، كانت الأيام كفيلة إما بمحوه أو وضعه في ثلاجة الانتظار.
المفارقة هنا أن حلف “الناتو” بدأ برنامج تدريب القوات الأوكرانية على كيفية استخدام دبابات من طراز Leopard 2A6، وكذلك عربات المشاة القتالية التي وعد بها، في قاعدة عسكرية ألمانية ـــ كانت برلين تأمل بتجميع كتيبتين (أي حوالي 70 دبابة) قبل الهجوم الروسي المتوقع هذا الربيع ـــ لكن المشكلة تكمن في أن الغرب ما زال يفتقر إلى المساهمات المطلوبة من دوله لتجميع العدد الكافي من الدبابات. زد على ذلك، ان العديد من هذه الدول، يتعمّد المماطلة والتسويف والتضارب في المواعيد، وهو ما فاقم مخاوف القادة الأوكران وزاد هواجسهم، خصوصًا أن الوقت لا يعمل لصالحهم على أرض المعركة.
هل وفى الغرب بوعوده وسلّم دبابات ليوبارد إلى اوكرانيا؟
هناك أكثر من 2000 دبابة ليوبارد 2 ألمانية الصنع، موجودة في الترسانات العسكرية في جميع أنحاء أوروبا. تمتلك اليونان أكبر عدد من هذه الدبابات بعد ألمانيا، لكن أثينا رفضت المشاركة في الجهود الأوروبية لدعم أوكرانيا، حيث برر رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس موقف بلاده قائلا “إنها ضرورية للغاية لموقفنا الدفاعي”.
علاوة على ذلك، كان من المقرر أن يتم تسليم 14 دبابة من أحدث طراز Leopard 2A6 تعهدت بها ألمانيا وثلاث من البرتغال، في الوقت المحدد، أي ما يعادل حوالي نصف كتيبة، لكن وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس خيب آمال أوكرانيا، وأصاب قادتها بالاحباط بعدما أشار إلى أنه لا يزال يتعين إجراء إصلاحات وفحوصات على تلك المركبات، التي تم بناؤها في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات.
عوضًا عن ذلك، ستقوم ألمانيا بإرسال 40 مركبة قتال مشاة من طراز Marder قديمة يتجاوز عمرها الـ 50 عامًا، لكن مسؤولي الدفاع الألمان يدّعون أنها أكثر موثوقية وفاعلية، تتمتع بميزات وقدرات حربية كبيرة، بحيث تجعلها تبدو وكأنها تعمل مثل الدبابات الخفيفة.
وفي هذا السياق قال بيستوريوس أثناء زيارته للقوات الاوكرانية في معسكرات التدريب الاثنين الماضي “إذا قامت دول أخرى بتسليم دبابات ليوبارد 2 سأرحب كثيرًا بذلك، خاصة طراز A6”.
من هنا، أبدي القادة الأوكران خيشتهم من أن يتم ايضا تأجيل الدفعة الثانية “في نهاية شهر اذار المقبل” من دبابات ليوبارد 2A4 أو أن يجري استبدالها في آخر لحظة بطرازات اخرى والتي تشمل: 14 من بولندا، وثمانيا من النرويج، وستا من إسبانيا، وأربعا من كندا وثلاث دبابات لإزالة الألغام من فنلندا.
بالمقابل، اقتصر موقف السويد على اعلان نيتها تسليم أوكرانيا نحو 10 دبابات “ليوبارد-2” (من اصل 120 دبابة) وأنظمة مضادة للطيران، وتبعا لذلك، قال وزير الدفاع السويدي بال جونسون “إننا منفتحون على ذلك ونحن في حوار وثيق مع ألمانيا قبل كل شيء حول هذا الموضوع”.
اما هولندا التي كانت أعلنت انها تدرس شراء وإرسال 18 دبابة ليوبارد 2A6 إلى أوكرانيا كجزء من لواء ألماني هولندي، ما لبثت أن تراجعت وكشفت أن الجيشين الهولندي والألماني ألغيا تلك الخطة. وتعليقًا على ذلك قال وزير الدفاع الألماني على هامش اجتماع لوزراء دفاع الناتو في بروكسل الأسبوع الماضي إن ارسال هذه الدبابات إلى أوكرانيا سيعني “زيادة إضعاف جاهزية” القوات المسلحة الألمانية.
وبالمثل فعلت الدنمارك التي أحجمت حتى الآن، عن التبرع بأي من دباباتها البالغ عددها 44 دبابة ليوبارد 2A7 – أحدث طراز. وبدلاً من ذلك، أعلنت ألمانيا والدنمارك وهولندا بشكل جماعي أنها ستقوم بتجديد 100 دبابة ليوبارد 1 قديمة لأوكرانيا، رغم أن عمرها يزيد عن الـ 40 عامًا، لكنهم يزعمون أنها لا تزال مفيدة في ساحة المعركة. والأكثر أهمية أن بيستوريوس قال إن أول دفعة لن تصل قبل الصيف.
ماذا عن الدبابات الامريكية؟
في الحقيقة، لم تكن وعود الولايات المتحدة أسرع من نظرائها الاوروبيين، فالجدول الزمني الذي وضعته واشنطن لتسليم أوكرانيا دبابات M1 Abrams الموعودة من الولايات المتحدة كان أطول، والأنكى أنه -وفقًا لوزيرة الجيش كريستين ورموت- لم يتم بعد تحديد ما إذا كان يمكن تسليم أي منها بحلول نهاية هذا العام. فجميع الخيارات الممكنة ستستغرق شهورًا، وقد يصل البعض الآخر بعد عام أو عامين. وبالنتيجة قد لا يحصل الجيش الأوكراني على كل المعدات الموعودة لدعم هجوم مضاد في الأشهر المقبلة.
كيف يقرأ القادة الأوكران رسائل بايدن؟
يرى المسؤولون الأوكران أن رسائل بايدن تشير إلى أن الغرب يستعد نفسيًا وسياسيًا لحرب طويلة. وهذا برأيهم يقود الى تقليص فرص الفوز لديهم، نظرًا لان هجمات روسيا على البنية التحتية الأوكرانية وإنتاج الطاقة والمنشآت الاخرى، الحقت أضرارا بالغة بالاقتصاد، وكبّدت الجيش الأوكراني خسائر فادحة باعترافهم.
وعليه، يعني هذا التدمير العميق أن أوكرانيا وفق رؤيتهم، ستصبح أكثر اعتمادًا على الغرب في المستقبل، وستكون إعادة الإعمار باهظة التكلفة وصعبة. وبالتالي كلما طالت الحرب قل عدد اللاجئين الأوكرانيين الذين سيعودون إليها.
أكثر من ذلك، ينظر العديد من الأوكرانيين إلى نهج بايدن على أنه استراتيجية مقصودة لدفع أوكرانيا نحو المفاوضات، فيما يؤكد المسؤولون الأوكرانيون أن المحادثات ممكنة فقط عندما يشعر بوتين بمزيد من الضغط، وهذا الوضع مستبعد حاليًا بنظرهم.
في المحصّلة، تلخص احدى أعضاء البرلمان الأوكراني حال الناس والساسة في هذا البلد بالقول “أول شيء ستسمعه من أي أوكراني هو “شكرا”. الأوكرانيون ليسوا ناكرين للجميل أو جشعين، إنهم يحاولون البقاء على قيد الحياة. لكن يأسهم آخذ في الازدياد، فجملة بايدن الشهيرة “طالما استغرق الأمر” يجب ألا تصبح ذريعة لعدم الاستعجال”. وبحلول الذكرى السنوية في العام المقبل، قد لا تكون هناك أوكرانيا لإنقاذها.