ملف الأسرى الفلسطينيين.. صاعق تفجير
موقع قناة الميادين-
أيمن الرفاتي:
استشهاد الأسير ناصر أبو حميد في سجون الاحتلال، يكمل مسيرة التنكيل والإجرام اللذين تقوم بهما دولة الاحتلال تجاه الفلسطينيين، ويكشف ازدواجية المعايير لدى المجتمع الدولي في التعامل مع الأسرى الفلسطينيين.
مع استشهاد الأسير الفلسطيني ناصر أبو حميد في سجون الاحتلال، بعد أعوام طويلة من المرض العضال ورفض الاحتلال الإفراج الصحي عنه، ومع تصاعد التهديدات للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال في ظل حكومة يمينية متطرفة، وقيادة إيتمار بن غفير لملف السجون، يبرز ملف الأسرى بصورة كبيرة كأبرز التحديات أمام الفلسطينيين، وتحديداً قيادة المقاومة الفلسطينية، التي أعلنت أن هذه الملف هو الملف الأهم على طاولتها خلال الفترة الحالية.
استشهاد الأسير ناصر أبو حميد في سجون الاحتلال، يكمل مسيرة التنكيل والإجرام اللذين تقوم بهما دولة الاحتلال تجاه الفلسطينيين، ويكشف ازدواجية المعايير لدى المجتمع الدولي في التعامل مع الأسرى الفلسطينيين. ففي الوقت الذي يطالب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بإنهاء ملف جنود الاحتلال الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، يتناسيان معاناة مئات الأسرى المرضى في سجون الاحتلال، وآخرهم الشهيد أبو حميد.
يُعَدّ ملف الأسرى الفلسطينيين أحد الملفات الأكثر حساسية لدى الشعب الفلسطيني، وخصوصاً المقاومة، التي ترى أن إنهاءه دين في رقبتها، وحمل ثقيل لا بد من إنجازه في أسرع وقت، وخصوصاً أن قيادة المقاومة على مدار العقود الماضية تنتمي إلى الحركة الفلسطينية الأسيرة. فقيادة كل من حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية خاضت تجربة الأسر في سجون الاحتلال، أعواماً طويلة، وتدرك حجم المعاناة التي يتجرعها الأسرى.
خلال أعوام النضال الفلسطيني، خاضت المقاومة الفلسطينية عدداً من العمليات الفدائية وعمليات أسر جنود الاحتلال من أجل إجراء صفقات تبادل أسرى، وهي ما زالت تصر على استمرار هذا الخيار خلال الفترة المقبلة، بل ربما، في ظل التهديد الكبير الذي يلوح أمام الأسرى في سجون الاحتلال، تجد المقاومة الفلسطينية نفسها أمام تحديات تدفعها إلى تفجير الأوضاع في كل مكان لتحريك هذا الملف.
ملف الأسرى، على مدار مسيرة حركة المقاومة وطوال أعوام المواجهة، يحمل أبعاداً أخلاقية ووطنية وقانونية وشعبية، تمثّل مبرّرات حقيقية تدفع إلى العمل المتواصل لإغلاقه. وكان ملف الأسرى عنواناً بارزاً لعمليات المقاومة، وخصوصاً حركة حماس التي نفّذت نحو 30 عملية بطولية لأسر الجنود ومبادلتهم بأسرى، ونجحت في صفقة وفاء الأحرار، وهي تستعد لصفقة مشرّفة أخرى خلال الفترة المقبلة.
يمكن تلخيص الأبعاد التي دفعت، وما زالت تدفع، قيادة المقاومة إلى تحريك ملف الأسرى، ومبادلتهم بجنود الاحتلال، في التالي:
البُعدان الإنساني والأخلاقي: يدرك الفلسطينيون وقيادة المقاومة حجم الثقل والبعد الإنسانيَّين والأخلاقيَّين، الموضوعين على عاتقهم، للإفراج عن الأسرى في سجون الاحتلال. فالأسرى هم فلذات الأكباد والأخوة والأشقاء، وكلّهم حصلوا على تعهدات فردية من قيادة المقاومة، وجماعية من أبناء الشعب الفلسطيني، تتعلق بالعمل على الإفراج عنهم بكل الطرائق والوسائل. وبناءً عليه، كانت، وما زالت، هذه الوعود تمثل دافعاً إنسانياً وأخلاقياً، يحتّم على الفلسطينيين التحرك على الدوام.
وفي الإطار ذاته، يرى الفلسطينيون أن ما يتعرض له الأسرى من تنكيل وإذلال وإهانة لإنسانيتهم، بصورة متعمدة من جانب الاحتلال، وخصوصاً الأسيرات الفلسطينيات، يشكل ألماً خطيراً لا يمكن التأخر عن الفكاك منه.
الدافع الوطني: من الناحية الوطنية، يُنظَر إلى الأسرى في سجون الاحتلال بكل تقدير وشرف. فهم قدّموا أعمارهم من أجل تحرير فلسطين، وبذلوا حريتهم في طريق مقاومة الاحتلال، ونالوا شرف مواجهة الغزاة. وبناءً عليه، فإن تحريرهم واجب وطني مقدَّس لا يستطيع أحد أن يتنازل عنه او يتجاهله. فالأسرى مكوّن أساسي من مكونات النضال ضد الاحتلال. وإن كان الشهداء أدوا دورهم ودُفنوا في باطن الأرض، فالأسرى غُيِّبوا قسراً في سجون الاحتلال، وفكاكهم منه يمثّل بعداً وطنياً أساسياً في وجدان الشعب الفلسطيني المقاوم.
ويُعَدّ ملف الأسرى، من الناحية الوطنية، دافعاً أساسياً لدى المقاومة وقيادتها، من أجل العمل لإخراجهم من سجون الاحتلال. وهذا الملف يحظى بإجماع جميع الفلسطينيين في مختلف توجهاتهم وبرامجهم، إذ لا يمكن لأي ملف آخر أن ينازعه في ظل استمرار المعاناة وتلذذ الاحتلال في جرائمه تجاه الأسرى.
التخاذل العالمي: يُعَدّ التخاذل العالمي وازدواجية المعايير لدى اللاعبين الدوليين، والإحباط من أن هناك جهات دولية أو إنسانية يمكنها أن تفرج عن الأسرى الفلسطينيين، لكنها تتقاعس عن ذلك، عاملاً أساسياً ودافعاً لدى المقاومة وقيادتها إلى التوجه إلى كل الطرائق الممكنة وغير الممكنة للإفراج عن الأسرى الفلسطينيين.
الدافع القانوني: يرى الفلسطينيون أن مبررهم القانوني لإنهاء هذا الملف أمر لا خلاف فيه، إذ إن أي خطوة يتخذونها لإنهاء هذا الملف مشروعة ومحمية قانوناً. فالقانون الإنساني والقانون الدولي يقولان إن من حق الإنسان في كل مكان، وفي أي زمانٍ، وأياً تكن جنسيته وجنسه، ومذهبه وعرقه، ولغته ولونه، أن يتمتع بالحرية، وهذا حقه، يولد معه، ويرافقه حتى وفاته. وحين يحاول الاحتلال انتزاع حقه الطبيعي هذا منه بالقوة، يمنحه القانون الدولي الحق في الدفاع عن أرضه وحريته.
فشل الخيارات الأخرى: بعد عدد من التجارب، بات الفلسطينيون يدركون أن لا خيار أمامهم للإفراج عن الأسرى الفلسطينيين سوى في صفقات التبادل. فاستجداء العالم، ومفاوضات السلام، كلها فشلت، ولم تُجْدِ نفعاً في ظل تعنت الاحتلال وتشدده في هذا الملف. وبناءً عليه، فإن المقاومة تجد نفسها دائماً أمام خيار وحيد لإنهاء معاناة الأسرى، هو عبر أسر جنود الاحتلال ومبادلتهم ضمن صفقات مشرّفة.
الحكومة المتطرفة: مؤخراً، برزت الحكومة المتطرفة في دولة الاحتلال، وقيادة إيتمار بن غفير لوزارة الأمن القومي في حكومة نتنياهو اليمينية، كأبرز المخاطر التي تواجه الأسرى الفلسطينيين. وتنفيذ وعوده بالتضييق على الأسرى سيكون وصفةً لتفجر الأوضاع في مختلف الساحات، بدءاً بالسجون، وصولاً إلى جميع الساحات.
في المجمل، يمكن القول إن ملف تحرير الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال، على مدار الأعوام الماضية، هو الملف الأهم والأبرز على طاولة الفصائل والمقاومة الفلسطينية، وتعزَّز مؤخراً في ظل تعنّت الاحتلال في تنفيذ صفقة تبادل في مقابل الإفراج عن جنوده الأربعة الذين تأسرهم حركة حماس في غزة. وهذا الأمر يفتح المجال أمام جميع السيناريوهات، بما في ذلك تنفيذ عمليات فدائية بهدف أسر جنود جدد لإجبار الاحتلال وإرغامه على تنفيذ صفقة تبادل أسرى، يتم من خلالها تبييض السجون.