مكرمات” السعودية للدول العربية
موقع العهد الإخباري:
منذ تأسيسها تعتمد السياسة الخارجية السعودية على المال السياسي، لشراء الحلفاء والتأثير على الدول. تظن السعودية أن كل الدول العربية والإسلامية يمكن أن ترضخ لها بالمال. مع ذلك بدأت السياسة الخارجية للرياض تمنى بالفشل أكثر منذ وصول محمد بن سلمان لولاية العهد، ولم تعد هناك ملامح سياسة خارجية قائمة على أسس ومعايير سليمة تعتمدها الدولة، بل ازدادت هذه السياسة تعجرفًا عبر العنف من خلال القتل لكل من يرفضها كما حصل مع جمال خاشقجي أو عبر العدوان على الدول كما مع اليمن وسوريا والعراق، وتارة بقطع المساعدات لبعض المعتاشين على الفتات كما يحصل في لبنان.
يفتقر “الدب الداشر” كما يسميه الكثيرون، إلى الخبرة السياسية لإدارة الدولة، ويدفعه طموحه وحبه المتوحش للسلطة إلى افتعال المشاكل مع الدول والشعوب، ما يجعله ضعيفًا ومكروهًا ومنبوذًا، أما من أحبه فخاف على نفسه أو على فتات ماله.
هذه السياسةُ الفاشلة، افتتحت عهدَها بحرب اليمن، ثم بفرض حصار على قطر، ومشاكل كبيرة مع الدول، فخلال سنوات ولاية عهد محمد بن سلمان، ورغم قلتها؛ تدهورت علاقة السعودية مع دولٍ عديدة عربية وإقليمية وغربية، هذا فضلاً عن رهانها على إدارة ترامب وبيعها قضية فلسطين والذهاب نحو صفقة القرن، التي سقطت على أعتاب حي الشيخ جراح.
محمد بن سلمان الولد الذي وصل إلى ولاية عهد السعودية، لم يترك لها أصدقاء في الداخل والخارج، وذهب نحو تعقيد العلاقات الخارجية. لقد أنشأت السعودية خمسة تحالفات عربية وإقليمية لقتال العرب والاعتداء على دولهم، ابتدأتها بإنشاء “التحالف العربي في اليمن” الذي ضم عدداً من الدول العربية لتشن عدوانها على صنعاء، ثم بدأ في التآكل تدريجياً منذ اندلاع الأزمة مع قطر، بحيث إنه لم يبقَ من دول التحالف ذاك سوى السعودية والإمارات اللتين باتتا تتقاتلان بشكل غير معلن في اليمن، وهذا ما يظهر مدى التعجرف السعودي في إدارة العلاقات مع الدول العربية.
تاريخ من العلاقات السعودية ـ العربية
هذه السياسة السعودية، كانت ايضاً على مدار سنوات متوترة مع الدول العربية. معظم هذه العلاقات التي حصلت منذ تأسيس السعودية هي علاقات متزعزعة وغير مستقرة نتيجة التعامل الذي تنتهجه السعودية الساعية إلى فرض نفوذها وسلطتها على الدول العربية والإسلامية، فالسعودية تظن نفسها سيدة العالم الإسلامي والعربي دون منازع، وهذا ما يولد لها مشاكل كثيرة مع الدول العربية البعيدة عنها والقريبة منها، هكذا كانت علاقاتها مع قطر والعراق واليمن وحتى مع الكويت بخلافاتها الحدودية ومع البحرين التي تسيطر عليها سياسياً وكذلك علاقاتها مع سوريا التي تآمرت عليها إبان الحرب مع “داعش” و”جبهة النصرة” وكذلك علاقاتها مع لبنان.
بدأت مشكلات السعودية مع قطر منذ تولي حمد بن خليفة آل ثاني الحكم عام 1995، حيث أصبحت الدوحة دولة مُنافسة للمملكة. وفي العام نفسه، تم إحباط المحاولة الانقلابية ضد حمد بن خليفة، وأشارت المخابرات القطرية إلى أن من كان وراء هذه المحاولة هم مسؤولون حكوميون من المملكة العربية السعودية والبحرين ومصر والإمارات العربية المتحدة.
وبعد أن وقعت الولايات المتحدة اتفاقية عسكرية مع قطر تم من خلالها افتتاح قاعدة العديد الجوية، حيث كانت هذه مرحلة مهمة في خروج قطر عن النفوذ السعودي؛ قامت المملكة العربية السعودية بسحب سفيرها في الدوحة، في الفترة من 2002 إلى 2008، في محاولة للضغط على قطر للحد من قراراتها الفردية.
كذلك وبعد اجتماع لمجلس التعاون الخليجي (GCC) في اذار/ مارس 2014، أعلنت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين عن استدعاء سفرائهم في قطر؛ كان هذا إلى حد كبير رد فعل عن دعم قطر لجماعة الإخوان المسلمين.
هذا وفي 5 حزيران/ يونيو 2017؛ قطعت السعودية رسميا علاقاتها مع قطر. وقالت المملكة العربية السعودية إنها اتخذت قرارا بقطع العلاقات الدبلوماسية، ومن ناحية أخرى هددت السعودية قطر بتدخل عسكري فيها، بعد بدء قطر مفاوضات مع روسيا لشراء نظام دفاع جوي روسي الصنع.
أما مع العراق، فإن العلاقات بين البلدين لم تكن علاقات ودية منذ عهد صدام حسين وحتى سقوطه، كما أن هذه العلاقات لم تشهد إلا تحسناً ضعيفاً في السنوات الأخيرة بعد أن تآمرت السعودية على بغداد بدعم الإرهابيين في أعمالهم التخريبية ضد العراق، والعراقيون إلى الان لا ينسون تدخلات تآمر السبهان بشؤونهم الداخلية، وتصريحاته العدوانية ضد العراق وشعبه.
أما في اليمن فإن تاريخ السعودية قائم هناك على الدماء، فقد شنت حربها وتدخلت باليمن عام 1934، وكذلك حرب “الوديعة” عام 1969، فضلاً عما يعرف بحرب صعدة التي بدأت في حزيران/ يونيو عام 2004 ، وفي 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2009 شنت القوات السعودية هجوما على جبل الدخان في منطقة جازان جنوب غربي البلاد، ومن ثم شنت عدوانها منذ 7 سنوات على اليمن مخلفة آلاف الشهداء والجرحى، فضلاً عن الحصار الاقتصادي وتجويع الشعب اليمني.
كذلك دائماً ما كانت تعتمد أسلوبا متوترا في العلاقة مع سوريا، وقد بدأت العلاقات تتدهور ايضاً بعد عام 2005، ومن ثم قطعت العلاقات بعد أن تآمرت السعودية على سوريا إبان الحرب على الإرهاب وذلك بسبب إرسال السعودية أسلحة إلى الإرهابيين، ومن ثم تم قطع العلاقات السعودية السورية.
ومع الأردن دائما ما مرت وتمر هذه العلاقات بأزمات عدة، كما مع مصر، ومن ينسى أزمة المعتمرين المصريين، في ايلول/ سبتمبر 2011 حيث تظاهر مئات المصريين أمام سفارة المملكة العربية السعودية، احتجاجاً على الأزمة التي تعرض لها آلاف المعتمرين المصريين القادمين إلى القاهرة من مطار الملك عبد العزيز بجدة من خلال تكدسهم وتخلف حقائبهم وحدوث حالة زحام شديد؟
في نيسان/ أبريل 2012 توترت العلاقات المصرية السعودية بشكل مفاجئ بعد قرار السعودية غلق سفارتها بالقاهرة وقنصلياتها بالإسكندرية والسويس واستدعاء سفيرها أحمد عبد العزيز قطان للتشاور، على خلفية المظاهرات التي قام بها نشطاء أمام السفارة السعودية احتجاجًا على إلقاء الأمن السعودي القبض على المحامي أحمد الجيزاوي واتهامه بحيازة عقاقير مخدرة.
الأزمة المفتعلة مع لبنان
لم تكن علاقات السعودية مع الدولة اللبنانية قائمة على علاقات الندية والاحترام المتقابل، فهي منذ ما بعد اتفاق الطائف تسيطر على فئة من اللبنانيين، وتسعى لفرض نفوذها في لبنان، ومعاقبة من يرفض هذا النفوذ، ما يجعل الدولة اللبنانية على خوف دائم من هذه الدولة المارقة المتعجرفة التي لا تحترم السيادة.
للسعودية تاريخ سياسي عدواني في لبنان، منذ الحرب الأهلية وصولاً إلى ما بعدها، مروراً بأحداث عام 2005 ومن ثم الحرب على سوريا، هذه العدوانية التي توجتها السعودية في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، يوم قرر وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان خطف رئيس حكومة لبنان، سعد الحريري، وإجباره على الاستقالة، فيما تصاعدت حدة التوتر بالعلاقات بين البلدين، عندما شكك اللبنانيون في صحة الاستقالة واتهمت الحكومة السعودية باحتجاز الحريري وإجباره على الاستقالة. في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر أعلن وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان أن السعودية: “ستعامل حكومة لبنان كحكومة إعلان حرب”. وفي 9 تشرين الثاني دعت السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والكويت، مواطنيها إلى مغادرة لبنان وعدم السفر اليها.
هذه السياسة العدوانية التي تصادر الراي اللبناني والسيادة اللبنانية، عادت لتتكرر مع إجبار وزير الخارجية شربل وهبة على الاستقالة، والكل يعلم بما حصل من خلال خيمة وليد البخاري الذي ذهب إليها كل اللاهثين خلف المال السعودي بشكل مذل لهم ولصورة الدولة.
أما اليوم فإن الهجمة السعودية الشعواء هي ليست نتيجة فيديو مقابلة مع وزير الإعلام جورج قرداحي وصف فيها الحرب على اليمن بالعبثية، علمًا أنّه توصيف اعتُمد عالميًا وتكرّر في عدة مواقف دولية، فهذا الفيديو سرب من أجل افتعال هذه الأزمة.
الموقف السعودي الهستيري الذي بلغ حد سحب السفير البخاري والطلب إلى سفير لبنان في الرياض مغادرتها خلال ٤٨ ساعة، بالإضافة إلى سيل من التهديد والوعيد والتهويل ومنها التوجّه الخليجي لفرض عقوبات سياسية واقتصادية شاملة على لبنان في الأيام القليلة المقبلة، هو نتيجة أمور عدة على رأسها محاولة التغطية على جريمة الطيونة التي تقف السعودية وأداتها في لبنان سمير جعجع خلفها، ومحاولة سحب اسم جعجع من التداول الإعلامي والقضائي، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى هي نتيجة الخسائر التي تتلقاها السعودية في اليمن وفي مقدمتها الخسارة في مأرب، فضلاً عن مجمل الصورة الإقليمية الضعيفة للسعودية في الإقليم، ناهيك عن إمكانية عودة المفاوضات الأميركية الإيرانية ما يجعل السعودية الطرف الأضعف في هذه المعادلة.
هكذا تظهر مكرمات السعودية للدول العربية وشعوبها، وهذه هي سياسة السعودية التي تريد تصدر المشهد، وأن تتحول قبلة سياسية للشعوب العربية والإسلامية، سياسة اصبحت من التاريخ الغابر، الذي كان أيام الجاهلية.