مكاسب سوريا الإقتصادية من الإنفتاح العربي: العقوبات وشبكة “الخوف” عقبة أولى
موقع قناة الميادين-
زياد غصن:
أخطر ما في العقوبات الأميركية على سوريا هو ما يمكن تسميته “شبكة الخوف” التي نسجت الإدارات الأميركية المتعاقبة خيوطها حيال التعامل والتعاون الاقتصادي مع سوريا.
في جلسة نقاشية جرت في دمشق في الآونة الأخيرة، رأى باحثون روس أن عدم توفر الضمانات الاستثمارية الكافية والمخاوف من التعرض للعقوبات الغربية شكَّلا سببين رئيسيين لضعف المشروعات الاستثمارية الروسية الخاصة في سوريا ومحدوديتها، إلا أنَّهم في الوقت نفسه بدوا متفائلين بالمرحلة المقبلة لجهة حدوث تحسن ملحوظ في واقع العلاقات الاقتصادية بين روسيا وسوريا.
العاملان المذكوران لهما التأثير نفسه أيضاً في الوجود الاستثماري لباقي الدول في سوريا، وسيكونان كذلك حاضرين بقوة على طاولة النقاشات الثنائية بين دمشق وبعض العواصم العربية التي قررت إعادة علاقاتها السياسية والدبلوماسية مع سوريا وفق مسارات معينة.
لكن إذا كانت معالجة العامل الأول من مسؤولية الحكومة السورية، وإذا كان ذلك من مصلحتها السياسية والاقتصادية، فإن العقبة الأساسية تكمن في كيفية الخروج من العامل الثاني المتمثل باستمرار مفاعيل العقوبات الغربية، وتالياً ضمان تحقيق انعكاس مباشر لتحسن العلاقات السياسية السورية العربية على الوضع الاقتصادي والمعيشي للسوريين.
احتمالات المقاربة الأميركية
أياً كان زخم العلاقات العربية الجديدة مع سوريا، فإنَّ الانفتاح الاقتصادي سيكون للأسف مرهوناً بالإجراءات الأميركية التي سوف تتخذ رداً على خطوات التطبيع مع دمشق من جهة، وبدرجة “الخوف” التي تمكنت العقوبات الغربية من نشرها في السوق العالمية من جهة ثانية. لذلك، من المبكر جداً الحديث عن منافع اقتصادية مباشرة للانفتاح العربي الحاصل حالياً على سوريا، كتلك التي يتمناها السوريون اليوم.
ومع أنّنا تناولنا سابقاً بالتفصيل أثر العقوبات الغربية في الوضع الاقتصادي السوري، وفي علاقة دمشق بمحيطها الخارجي، فإنَّنا هنا سوف نستعرض سريعاً، وقبل التعريف بما يمكن تسميته شبكة “الخوف”، سيناريوهات الموقف الأميركي من مسألة الانفتاح الاقتصادي العربي على سوريا، التي يمكن حصرها مبدئياً في 3 سيناريوهات هي:
– ترجمة الرفض المعلن للإدارة الأميركية حيال خطوات التطبيع مع دمشق بإجراءات اقتصادية تطال الشركات والمؤسسات العربية والأجنبية التي ينتهك تعاونها وعملها مع نظيراتها السورية عقوبات قانون “قيصر” الأميركي. وهناك تجارب سابقة في هذا السياق. غالباً، هذا ما سيكون الرد الأميركي. وبناءً عليه، فإن استفادة دمشق اقتصادياً من الانفتاح العربي ستكون محدودة، وستكون ضمن المجالات التي لم يقترب منها قانون “قيصر” بعد.
– حصول بعض الدول العربية، والخليجية منها تحديداً، على استثناءات أميركية لتعاون بعض شركاتها ومؤسساتها وعملها في سوريا، إلا أن هذه الاستثناءات، إن تمت، ستكون ضيقة ومحدودة في مجالات عملها وقيمة استثماراتها ودرجة تأثيرها في الوضع الاقتصادي السوري، فما عملت عليه واشنطن على مدار عدة سنوات لن تهدره بناء على رغبة دولة هنا أو هناك.
إن نتائج محاولات إحياء إعادة تشغيل خط الغاز العربي لإيصال الغاز المصري إلى لبنان وخط الربط الكهربائي العربي بغية إيصال الكهرباء الأردنية إلى لبنان لا تزال ماثلة أمام الجميع.
– السيناريو الثالث، وهو الأقل حظاً، يتمثل بأن الانفتاح العربي على دمشق جاء بعد موافقة أميركية غير معلنة، هدفها اختبار دمشق في المضي قدماً في إطار الجهود العربية الرامية إلى إيجاد حل سياسي لأزمة البلاد.
يدعم هذا السيناريو ما يجري تسريبه من معلومات عن وجود خطة عربية للتعامل مع الأزمة السورية. لهذا، ربما يكون هناك تساهل أميركي في تطبيق قانون “قيصر” حيال التعاون الاقتصادي العربي مع سوريا.
“شبكة الخوف”
أخطر ما في العقوبات الأميركية على سوريا هو ما يمكن تسميته “شبكة الخوف” التي نسجت الإدارات الأميركية المتعاقبة خيوطها حيال التعامل والتعاون الاقتصادي مع سوريا. وإلى جانب العقوبات المفروضة على قطاعات أساسية، كالطاقة والبناء وإعادة الإعمار والمصارف، والتعاون مع المؤسسات الحكومية السورية وما إلى ذلك، فإن الدبلوماسية الأميركية تمكنت من نشر ثقافة خوفٍ وحذرٍ من تداعيات أي تعاون اقتصادي مع السوريين، حتى إذا كان ذلك التعاون في قطاعات ليست مشمولة بالعقوبات الغربية والأميركية.
وبحسب ما تروي شركات ومؤسسات صحية وغذائية سورية، فإن العديد من الشركات الغربية إما كان يتهرب من توريد احتياجات الشركات السورية، وإما يشترط عليها أن يتم ذلك عبر وسيط ثالث مقره دولة ثالثة غير مشمولة بالعقوبات الأميركية، كأن يكون العقد باسم شركة تجارية مؤسسة في تلك الدولة أو أن يجري التوريد إلى مرفأ في دولة مجاورة أو إقليمية.
هذا الواقع أكّده وفد أردني زار دمشق العام الماضي. وقد أعلن أحد أفراده في دردشة شخصية أنَّ الملحق التجاري في السفارة الأميركية في عمان زاره قبل أيام من توجهه إلى دمشق لتذكيره بالعقوبات الأميركية المفروضة على سوريا وضرورة عدم خرقها.
أكثر من ذلك، فإن قرار وزارة الخزانة الأميركية المتضمن تعليقاً لبعض العقوبات لمدة 180 يوماً، على خلفية الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، تضمن بنداً يتيح للشركات والمؤسسات إمكانية الاستفسار عن مضمون القرار والجوانب التي شملها وتلك التي لم يشملها.
صحيح أنّ البند قد يبدو في ظاهره من باب خدمة الاستعلام والمساعدة، إلا أنه عملياً إجراء سوف يستلزم وقتاً طويلاً من شأنه عرقلة أو تأخير أي تعاون مع أي جانب سوري، فضلاً عن كونه يمثل رسالة غير مباشرة للسوق العالمي، مضمونها أن واشنطن لا تحبذ أي تعاون مع سوريا، فمن هي المؤسسة التي ستتفرغ لمخاطبة وزارة الخزانة الأميركية وانتظار ردها من أجل إتمام صفقة لسوق صغير مقارنة بالأسواق الأخرى؟
كل هذا يجعل من شبكة “الخوف” المنتشرة عالمياً، والتي وصلت أصداؤها إلى دول صديقة لدمشق، عقبة أخرى أمام أي انفتاح اقتصادي عربي فعلي على دمشق، فإذا كانت هناك شركات ومؤسسات عربية تمكنت من الانتصار على مخاوفها وقررت الاستثمار والعمل في السوق السورية ومعها، فهل تضمن أن يكون شركاؤها في الأسواق العالمية بالجرأة نفسها أو أن تتخلى عن مخاوفها لفترة ما؟
ليس ما سبق حديثاً محبطاً أو متشائماً، كما قد ينظر إليه، إنما هو محاولة لتوصيف الواقع الحالي وتحديد الصعوبات والعقبات التي سوف تواجه جهود الاستفادة الاقتصادية السورية من الانفتاح السياسي العربي وماهية الإجراءات والخطوات الواجب اتخاذها، فما الذي استفاده السوريون سابقاً من الانفتاح السياسي للأردن وسلطنة عمان والإمارات وعمان وغيرها؟