مقاومة الشعب الذي لن يهزم
صحيفة الوطن السورية-
محمد نادر العمري:
لعل رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وطاقم فريقه الائتلافي من اليمين المتطرف والمتدينين، لم يكونوا يضعون في أسوأ توقعاتهم أن يواجهوا هذا الكم المتراكم من الضغوط والتحديات الداخلية والخارجية، إذ واجهت حكومة نتنياهو الوليدة التي لم تتجاوز الشهر من عمرها، ثلاثة تطورات بارزة، كان أولها رفض المستوطنين الصهاينة من العلمانيين هذه الحكومة المتدينة والخشية من تبني سياسات وقوانين من شأنها أن تغيب أي معالم للعلمانية لذلك في كل يوم كان هناك اتساع لحجم التظاهرات داخل الأراضي المحتلة، أما الضغط الثاني الذي يصنف على مستوى الصفعة، تمثل في اتخاذ المحكمة الدستورية العليا قراراً أجبرت من خلاله نتنياهو على إقالة رئيس حزب شاس أرييه درعي من وزارتي الداخلية والصحة بسبب إدانته في قضية تهرب ضريبي، أما الحلقة الثالثة من الضغوط التي ألقت بثقلها على التوازن الحكومي والأمني والعسكري الإسرائيلي تمثلت في الرد المقاوم على مجزرة جنين نهاية الأسبوع الفائت التي راح ضحيتها 10 شهداء من الفلسطينيين.
وعلى الرغم من الجريمة البشعة والمروعة التي ارتكبتها هذه الحكومة عبر مؤسساتها الأمنية والعسكرية في اعتقاد منها أنها تستطيع تصدير أزمتها الداخلية أو ترجمة التصريحات الانتخابية لأركانها المتطرفين ميدانياً، إلا أن نتائجها جاءت عكسية بالكامل من حيث التداعيات المتمثلة بردة الفعل المقاوم على الصعيدين الشعبي والمنظم، وكذلك من حيث التوقيت، لتحكم الخناق وتزيد من تكبيل هذه الحكومة بحقل من الألغام.
إذ في القراءة الاستراتيجية للرد المقاوم سواء من حيث إطلاق الصواريخ من قطاع غزة المحاصر باتجاه عسقلان، أو من خلال العمليتين الفدائيتين التي شهدتهما كل من القدس وسلوان، وما تلا ذلك من عمليات إطلاق نار مختلفة، كل ذلك رسخ مجموعة من الحقائق والثوابت الاستراتيجية التي يسعى الشعب الفلسطيني بالدرجة الأولى قبل الفصائل والسلطة إلى تكرسها:
1- أي حكومة إسرائيلية مهما وصلت لدرجة التطرف والعنصرية وتبنت توجهات فاشية، فستواجه بالمقاومة بمختلف أشكالها، وهي قناعة تتبلور يوماً بعد يوم ومع تزايد تطرف الحكومات وأركانها العنصريين.
2- الثابت الثاني يتجلى في أن ما تحقق بمعركة «سيف القدس» من قواعد الاشتباك لا تراجع عنه تحت أي ظرف وأي ضغط وأي مساومة وأي تهديد، والرد بالنار على النار، هو ضروري لتكبيل الحكومات الصهيونية ووضعها بين خيارين: إما المواجهة المفتوحة وتحمل التبعات والتداعيات، وإما ضبط التطرف.
3- الثابت الثالث يتمثل في أن الحصار الممارس على الشعب الفلسطيني ومقاومته، يدفعهم للبحث عن ابتكار وسائل مقاومة وإن كانت بأدوات بسيطة، ولكن من شأنها أن تحدث آثاراً مؤلمة إن تم اختيار التوقيت والمكان الصحيحين بعناية.
4- الثابت الرابع يتعلق بالشعب الفلسطيني ولاسيما الفئة الشابة التي تعد من الجيل ما بعد الثالث للنكبة، إذ إن هذه الفئة وبغض النظر عن وجود خلفيات حزبية أو أيديولوجية لها، فإنها تقدم على عمليات فدائية واستشهادية بطولية بعيداً عن الحسابات السياسية الداخلية أو المناكفات أو تأثير المرجعيات الإقليمية لبعض الفصائل المقاومة للأسف.
5- الحقيقة الخامسة تتمثل في وجود بنك أهداف كبير للمقاومين الذين يسعون لعمليات فدائية فردية أو للمقاومة التي تركز جهدها على أوجاع العدو، والمتابع لسلسلة العمليات المقاومة التي حصلت في مستوطنة «نيفيه يعقوب» في القدس المحتلة وبعد ذلك في سلوان، يصل لنتيجة أنها ليست فقط ضربة موجعة لحكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة، بل لمؤسسات الكيان الغاصب واستخباراته الأمنية والعسكرية، فضلاً عن أن العمليات الفدائية الفردية أكدت أكثر من مفارقة، أبرزها يدور في مجالين: الأول أن دموع الأمهات في جنين تحولت لزغاريد في اليوم التالي بعد عملية القدس، وأن تفاخر حكومة الاحتلال بمجزرة جنين تحولت لضغط استيطاني عبرت عنه مظاهر الخوف والرعب التي انتشرت في صفوف هؤلاء المستوطنين.
هذه الحقائق وغيرها قد تدفع نتنياهو وحكومته التي تغرق في مستنقع الأزمات، للمحاولة في الاستعانة بإجراءات داخلية تمس الأسرى وذويهم أو أهالي الاستشهاديين، لتخفيف حجم الضغوط عليها عبر اتخاذ قرارات تتمثل في حرمان الأسرى من لقاء أسرهم أو سحب الإقامة منهم أو تهجيرهم واتباع الإعدامات الميدانية من الجهات الأمنية أو المستوطنين بذريعة حماية النفس بعد دعوة هذه الحكومة للمستوطنين بحمل السلاح، وكذلك تكثيف الاستيطان مقابل هدم المنازل وسرقة الحقوق من دون إغفال تشكيل التنظيمات المتطرفة وتسليحها وتقديم الحصانة لها، إلى جانب الضغط على السلطة الفلسطينية وبعض الدول العربية للمساهمة في تخفيف حجم الكوارث الهاطلة على هذه الحكومة.
بالعموم ما زالت الساحة الفلسطينية مفتوحة على جميع الخيارات بما في ذلك خيار المواجهة الشاملة والمفتوحة، ليس فقط مع قطاع غزة بل حتى داخل الأراضي المحتلة في القدس والضفة الغربية، وهذه المواجهة قد تتدحرج لتشمل النظام الإقليمي ولاسيما بعد العبث الصهيوني في الأمن القومي الإيراني عبر استهداف منشآت عسكرية بمحافظة أصفهان، تلاها استهداف ثلاث قوافل محملة بالغذاء في منطقة البوكمال السورية، إذ يعد هذا الخيار متوقفاً على الفعل ورد الفعل ومدى قدرة حكومة نتنياهو على تلقي الصفعة وسكوتها عنها عبر نزولها من أعلى الشجرة أو تفضيلها للمواجهة.
إلا أن الوجع الفلسطيني يتوقف على ثلاث نقاط أساسية:
أولها غياب الاصطفاف الوطني واستمرار الخلافات ما بين السلطة والفصائل الفلسطينية وعدم وصول جميع القوى السياسية لمرتبة التقدير السياسي والوطني المقاوم لتضحيات الشعب الفلسطيني.
ثانيها ضرورة توحد الجبهات ليس على مستوى الخريطة الجغرافية الفلسطينية بل ضمن الفصائل أيضاً وعدم ترك الشعب الفلسطيني أو فصيل مقاوم وحده في دائرة المواجهة كما حصل مؤخراً نهاية العام الفائت.
ثالثها حجم الإدانة العربية المؤسفة ليس لجريمة مخيم جنين بل لعملية القدس المقاومة، وهو ما من شأنه أن يبعث رسالة دعم لهذه الحكومة المتطرفة وأركانها الفاشية من التوغل في العمليات العدوانية واعتبار هذه الإدانات بمنزلة الفتوى العربية للسياسات الصهيونية لذبح الشعب الفلسطيني.