مفاوضات فيينا: الممكن والصعب والمستحيل
موقع قناة الميادين-
ليلى نقولا:
لا يبدو الطريق معبداً أمام اتفاق سريع، لأنَّ الهوة بين ما يطلبه الأميركيون والغرب بشكل عام، وما يمكن أن يقبل به الإيرانيون، تبدو كبيرة.
استُؤنفت في فيينا، يوم الإثنين 29 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، المفاوضات بين إيران ودول (4+1)، بعدما كانت قد توقّفت في الصيف الماضي من دون التوصل إلى اتفاق يرفع جميع العقوبات الأميركية عن إيران، كما يطالب الإيرانيون، أو عودة إيران إلى الاتفاق النووي الموقع في العام 2015، وتنفيذ خطوة مقابل خطوة، كما يريد الأميركيون.
وعلى الرغم من التفاؤل الحذر الَّذي يسود الأجواء في فيينا، ومحاولة بث الإيجابية حول الجدية التي يبديها جميع الأطراف للتوصل إلى اتفاق، لا يبدو الطريق معبداً أمام اتفاق سريع، لأنَّ الهوة بين ما يطلبه الأميركيون والغرب بشكل عام، وما يمكن أن يقبل به الإيرانيون، تبدو كبيرة.
وفي كلِّ الأحوال، لا يمكن أن يتوقّع أكثر المتفائلين التوصّل إلى حلول للمشاكل والتعقيدات العديدة التي تحيط بالملف في الجولة الأولى من الحوار، وبالتالي يحتاج الأطراف إلى جولات عدّة لتذليل العقبات والتوصل إلى اتفاق، شرط توافر الظروف المؤاتية، والتي يجب أن تبدأ عبر الممهدات التالية:
أولاً: من ناحية الطرف الأميركي
– اعتراف أميركي بأنَّ سياسة الضغوط القصوى التي مارسها ترامب وقيامه بإعادة فرض عقوبات شاملة وقاسية على الإيرانيين – والتي لم توفّر الأماكن المقدسة – لم تؤدِ إلى النتائج التي ينتظرها الأميركيون أو يدفع إيران إلى طاولة المفاوضات، كما كان يدعوها ترامب. على العكس، قامت إيران خلال هذه الفترة بزيادة مخزونها من اليورانيوم، وباتت أقرب إلى القدرة على تصنيع سلاح نووي خلال أشهر (في ما لو أرادت ذلك).
– اقتناع أميركيّ بعدم القدرة على إعادة إحياء الاتفاق الأصلي الذي تخطّته الظروف والتطورات التي حصلت، فإيران لن تقبل بالعودة إلى الوراء، كما أنَّ مطالب الوفود الغربية بالسير في الاتفاق الأصلي، وكأن فترة السنوات الستّ التي مرّت منذ توقيع الاتفاق لم تكن، لن تكون شرطاً مقبولاً عند الإيرانيين لاستمرار المفاوضات.
في المقابل، لا يبدو أنّ إمكانية تراجع إيران عن برنامجها النووي أو تفكيكه من أجل رفع العقوبات مطروحة لدى الإيرانيين، وخصوصاً بعدما استطاع الاقتصاد الإيراني استيعاب العقوبات القصوى، وسجّل نمواً مقبولاً بعد سنوات من التراجع، وتحوّل الإيرانيون شرقاً عبر توقيع اتفاق استراتيجي مع الصين.
– ركَّزت الصحافة الإسرائيلية على إمكانية الذهاب إلى مواجهة عسكرية، ونقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن مصادر في الوفد الأميركي إلى فيينا أنَّ واشنطن “لن تسمح لإيران بالحصول على سلاح نووي. هذا الأمر مفروغ منه، ولو اضطررنا إلى استخدام القوة العسكرية”. تعكس هذه المقاربة قلقاً إسرائيلياً أكثر مما تعكس إرادة أميركية حقيقية بالعودة إلى الانخراط في نزاعات الشرق الأوسط أو فتح جبهات جديدة يدرك الجميع استحالة الانتصار فيها.
إنَّ رضوخ إدارة بايدن للضغوط الداخليّة، سواء من الحزب الجمهوري أو من اللوبيات المختلفة، للاستمرار في سياسة العقوبات على إيران، لن يؤدي إلا إلى مزيد من القدرة النووية الإيرانية، وسيعقّد الحل.
كما أنَّ التهديدات الإسرائيلية بمواجهة عسكرية وقصف المفاعلات النووية في حال التوصل إلى اتفاق، لجرّ الأميركيين إلى مواجهة شاملة في منطقة، يبدو نوعاً من الجنون الإسرائيلي، في ظل عدم قدرة أي طرف على تحمّل كلفة حرب شاملة في المنطقة، وفي ظلِّ تأكيد إدارة بايدن على أولوية التوجه نحو آسيا لاحتواء توسع النفوذ الصيني العالمي.
– يحتاج الأميركيون إلى كلام صريح وواضح مع الحلفاء في المنطقة حول أهداف السياسة الأميركية واستراتيجياتها في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً في ظلِّ مشاهد الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، والَّذي أظهر الولايات المتحدة بمظهر العاجز عن تأمين انسحاب جنوده، ناهيك بتأمين مظلة لحماية حلفائه.
إن “تطمين الحلفاء” في المنطقة حول أمنهم وتعميق الشراكات الاستراتيجية بينهم وبين الولايات المتحدة بعد التوصل إلى اتفاق جديد مع إيران، يبدو شرطاً أساسيًا لإدارة بايدن للتخلص من العراقيل والإشكاليات التي واجهت إدارة أوباما في المنطقة بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران في العام 2015.
ثانياً: من الناحية الإيرانية
من الطبيعي أنَّ إيران هي الطرف الأكثر تضرراً من استمرار سياسة العقوبات وعدم التوصل إلى حل أو اتفاق جديد. لذا، إن المفاوض الإيراني الذي وضع سقفاً أعلى لمفاوضاته يملك هامشاً من الحركة بين ما هو ممكن وما هو مستحيل قبوله.
تبدو بعض الشروط الإيرانية صعبة التحقّق. إنَّ جزءًا كبيراً من العقوبات المفروضة على إيران يمكن إزالته، وخصوصاً تلك التي فرضها ترامب عبر أوامر تنفيذية (هي من صلاحيات الرئيس الأميركي)، وبالتالي باستطاعة بايدن إلغاؤها بأوامر تنفيذية أخرى، لكن في ظلِّ الظروف الحالية التي تتّسم بالانقسام العمودي، وفي ظل نظرة ثابتة معادية لإيران تتخطى الانقسام الحزبي في الولايات المتحدة الأميركية، وفي ظل رغبة جمهورية وديمقراطية في خطب ودّ الناخبين الأميركيين على أبواب الانتخابات النصفية، من الصَّعب على الإدارة الأميركية الحالية إلغاء العقوبات المفروضة على إيران من قبل الكونغرس الأميركي.
كما أنَّ من الصّعب على الإدارة الأميركية الحاليّة أن تكفل عدم قيام الإدارات اللاحقة بالتراجع أو الانسحاب من الاتفاق. إنَّ قدرة أيّ قرار أو اتفاق على تخطّي صلاحيات الرئيس الأميركي ورغباته في التنصّل من أي اتفاق جديد، مرهونة بعرضه على الكونغرس للمصادقة عليه، كما يحتاج أي قرار للحصول على موافقة أغلبية ثلثي مجلسي النواب والشيوخ لكي يصبح ملزماً للرئيس الأميركي، ويتخطّى قدرته على وضع الفيتو عليه.
في المحصّلة، وعلى الرغم من أنَّ إدارة الرئيس رئيسي لا تبدو مهرولة نحو اتفاق جديد، فإن المصلحة الإيرانية المؤكدة تتمثل برفع العقوبات لتحفيز نمو الاقتصاد الإيراني وجذب الاستثمار الأجنبي. لذا، إن التوصّل إلى اتفاق مرحلي جزئي يتم بموجبه إلغاء العقوبات التي فرضها ترامب مقابل تجميد عمليات تخصيب اليورانيوم، قد يكون مفيداً لجميع الأطراف، باستثناء “إسرائيل” طبعاً.