معرکة تأميم النفط في إيران وقائدها
صحيفة الوفاق الإيرانية:
یصادف العشرین من آذار/مارس في المفكرة الايرانية يوم تأمیم صناعة النفط في البلاد عام 1951 م بعد عدة عقود من سیطرة الحكومة البریطانیة علیها، لیكون ذلك الحدث منعطفا في التاریخ السیاسي والإقتصادي والنضالي للشعب الإیراني في سبیل إنقاذ ثرواتهم الوطنیة من ید الأجانب.
وتزعم الدكتور محمد مصدق رئيس الوزراء آنذاك، حركة تأميم صناعة النفط الإيرانية بهدف تأميم هذه الصناعة التي كان يسيطر عليها آنذاك البريطانيون منذ عام 1913 من خلال شركة النفط الأنغلو-إيرانية.
وفي عام 1951، صوت مجلس النواب الإيراني على تأميم الصناعة النفطية إلا أن رئيس الوزراء إسماعيل رزم آرا رفض العمل بالقرار. فتم تنحيته واستبداله بمصدق. وبثت سياسة مصدق المعادية للرأسمالية الذعر في عموم المعسكر الغربي فنظمت وكالة الاستخبارات الأمريكية انقلاباً ضده وأعادت الشاه إلى الحكم.
وكانت قد تأسست شركة النفط البريطانية تحت اسم شركة النفط الأنغلو-فارسية منذ اكتشاف النفط في مدينة مسجدسليمان جنوب غرب إيران لأول مرة عام 1908، وبدأت بنهب نفط إيران بكميات كبيرة. وبعد فترة زمنية قليلة سيطر الإحتكار النفطي على نفط إيران سيطرة مطلقة نتيجه عقود الامتيازات الممنوحة من قبل شاه إيران. فتأميم صناعة النفط كان في الحقيقة تحرير نفط إيران وإلغاء نظام الامتيازات الأجنبية وعلى وجه الخصوص الامتيازات التالية: إمتياز رويتر وإمتياز دارسي وإتفاقية 1933و ملحق اتفاقية 1933 (غس-غولشائيان).
معرکة تأميم النفط في إيران وقائدها
وخلال الحرب العالمية الثانية تسابقت الدول الكبرى وعلى رأسها، المملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي للحصول على مزيد من الامتيازات النفطية والسيطرة على حقول النفط في إيران. إلا أن الحكومة الإيرانية أعلنت رفضها لجميع العروض التي تقدمت بها هذه الدول، وطالبت من الشركة البريطانية بإجراء تعديلات على الاتفاقية المبرمة بين البلدين. تقدمت الشركة البريطانية باتفاقية إضافية أو مكملة تضمن بنوداً لصالح إيران ولكن البرلمان الإيراني رفضها.
وكان غلام حسين رحيميان، أحد أعضاء المجلس الرابع عشر وهو مندوب مدينة قوجان، أول من اقترح تأميم صناعة النفط في البرلمان الإيراني. ولكن لم يناقش اقتراحه في تلك الفترة. إلى أن تأسست “الجبهة الوطنية” في يوم 23 أكتوبر 1949 في منزل محمد مصدق وبحضور 12 عضواً آخر من مختلف التيارات السياسية. وكانت تهدف هذه الجبهة حماية حقوق صناعة النفط الإيرانية.
وكان محمد مصدق (16 يونيو 1882 – 5 مارس 1967) برلماني إيراني بارز وزعيم حركة تأميم صناعة النفط الإيراني. تلقى تعليمه في أوروبا وعاد إلى إيران بعد أن حصل على درجة الدكتوراه في القانون من جامعة لوزان في سويسرا. وبدأت حياته السياسية مع الثورة الدستورية سنة 1905-1907.
شغل مصدق عدة مناصب، ففي عام 1906 انتخب نائباً عن أصفهان في البرلمان وشغل خلال تلك الفترة منصب نائب المرشد العام للجمعية الإنسانية بإدارة حسن مستوفي الممالك )رئيس الوزاراء في عدة دوارت.( ثم استلم دعوة من رئيس وزراء إيران الجديد، حسن مشير الدولة، كي يصبح وزيراً للعدل. ثم تولي منصب وزير المالية ووزير الخارجية ورئيس الوزراء. كما انتخب عضوا بمجلس النواب الرابع عشر سنة 1943م عن دائرة طهران. وفي هذه الفترة استلم قيادة الجبهة الوطنية. لعب محمد مصدق دورا مهماً في مشروع خطوط السكك الحديدية في إيران وإعادة تنظيم المحاكم ووزارة العدل و تأميم صناعة النفط الإيراني.
وفي يوم الحادي عشر من كانون الثاني 1951 اقترحت الأقلية في البرلمان برئاسة محمد مصدق تأميم صناعة النفط وقام علماء الدين بقيادة آية الله أبوالقاسم كاشاني بتأييد التأميم وطالبوا الشعب بتأييد هذه الخطوة. فتعززت خطوات أعضاء البرلمان من أجل تأميم النفط إلا أن رئيس الوزراء رزم آرا رفض العمل بالقرار. فقامت جماعة “فدائيو الإسلام” بقيادة مجتبى نواب صفوي بالتخطيط لاغتيال رئيس الوزراء بسبب معارضته لتأميم صناعة النفط ودفاعه عن المصالح النفطية البريطانية في إيران. وأطلق خليل طهماسبي عضو الجماعة يوم 7 مارس 1951 النار على رئيس الوزراء رزم آرا وأرداه قتيلا، وبذلك حال دون قيام الحكومة بمنع تأميم النفط الإيراني.
فاغتيال رزم آرا شدد من عزيمة الشعب وإصراره على تأميم النفط، وقد صادق البرلمان الإيراني يوم 15 مارس 1951 على تأميم صناعة النفط وبذلك تمكن الشعب الإيراني من السيطرة على صناعة النفط.
لم تقبل بريطانيا بقرار البرلمان الإيراني بتأميم صناعة النفط، وقامت بتشديد إجرائاتها المضادة لحكومة محمد مصدق واتخذت عدة اجراءات منها فرض مقاطعة اقتصادية على إيران. وقامت شركة النفط البريطانية بتحريض شقيقاتها الشركات النفطية الأخرى لتأييد عدم قبول شراء النفط من إيران ولذلك انخفض معدل إنتاج النفط نتيجة لعدم إمكانية تصريفه وتصديره إلى الخارج. وقد تم إغلاق مصفاة آبادان، التي كانت تعدّ من أكبر مصافي النفط في العالم.
واستمرت الحكومة البريطانية في تضييق الحصار على النفط الإيراني وساعدتها على ذلك سيطرة الشركة البريطانية في العراق و الكويت والسعودية وبذلك استطاعت الشركة البريطانية بزيادة إنتاجها في العراق والسعودية والكويت بما عوضها عن النفط الإيراني المؤمم. زاد إنتاج النفط في الشرق الأوسط بنحو 10٪ سنويا خلال سنوات 1951 و1952 و1953. وهذا ما تسبب في إضعاف الاقتصاد الإيراني. حيث هبط إنتاج النفط الإيراني من 242 مليون برميل عام 1950 إلى 10.6 مليون برميل عام 1952.
وفي أغسطس 1953 قامت وكالة المخابرات المركزية التابعة للولايات المتحدة وجهاز الاستخبارات البريطاني بتدبير انقلاب يطيح بحكومة محمد مصدق. فأسقطت الحكومة وسجن مصدق ثلاث سنوات ثم أطلق سراحه، إلا أنه أستمر رهن الإقامة الجبرية حتى وفاته سنة 1967 في قرية أحمدآباد.
وبعد الانقلاب انتهت أزمة النفط الإيرانية وأنشئت الشركة الوطنية الإيرانية للنفط كائتلاف دولي وأصبحت اللجنة عضوا في المنظمة. ولكن مع هذا استمر التدخل السياسي البريطاني والأميركي لسنوات بعد الانقلاب.