معركة القلمون: «لواء الإسلام» على سفوح لبنان الشرقية
صحيفة السفير اللبنانية ـ
محمد بلوط:
عودة لبنانية قريبة عبر القلمون السوري، إلى أجواء معركة القصير. الحملة الإعلامية والسياسية القاسية والتهديدات الأمنية التي رافقت مشاركة مقاتلي «حزب الله» في معركة القصير خلال شهري أيار وحزيران الماضيين تنذر بتكرار السيناريو الإعلامي والسياسي والأمني ذاته، مع تصاعد التوقعات بانفجار معركة القلمون.
وقد تكون تداعيات هذه المعركة، المؤجلة منذ أشهر، قد بدأت بفرض نفسها قبل انطلاق العمليات العسكرية على نطاق واسع. وبات مؤكداً أن قرى القلمون السوري، الواقعة عند سفوح جبال لبنان الشرقية، أصبحت مقر الجماعات «الجهادية» السورية التي قررت أن تشن حرباً استباقية على بيئة «حزب الله» والداخل اللبناني عبر إعداد سيارات مفخخة وإرسالها إلى الضاحية الجنوبية لبيروت.
وبحسب مصادر متقاطعة تقول معلومات أن سيارة قد جرى تفخيخها في يبرود من القلمون، وقد تعبر إلى البقاع عبر قارة أو فليطة السوريتين. وتقول مصادر أن البحث جار عن السيارة المفخخة قبل دخولها الأراضي اللبنانية.
وكانت القلمون احد أهداف العملية الواسعة التي أعد لها الجيش السوري في ريف دمشق والغوطة في آب الماضي، قبل أن تضطره تداعيات استخدام «الكيميائي» في معارك الغوطة إلى تأجيل تلك العملية.
وتحولت القلمون إلى ملجأ للألوية المقاتلة للمعارضة المسلحة، بعد اضطرار عدد كبير منها إلى الانسحاب نحوها من الغوطة الشرقية والغربية تحت ضغط تقدم وحدات الجيش السوري المتواصل منذ شهرين. وتهدد معركة القلمون بتداعيات على الداخل اللبناني، بسبب تحول «لواء الإسلام»، الذي يقوده زهران علوش، إلى القوة الأساسية في حشد المعارضة على سفوح لبنان الشرقية، في عسال الورد وسهل رنكوس وحوش عرب. ويمكن النظر بجدية إلى هذا التهديد، لأن علوش الذي اختار مركز عملياته في المنطقة عاد من زيارة قام بها الأسبوع الماضي إلى السعودية، والتقى خلالها مرجعيته المالية والعسكرية مدير الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان.
ويملك الأمير السعودي ورقة عسكرية كبيرة للضغط مجدداً على الداخل اللبناني، عبر انتشار «لواء الإسلام» على مشارف البقاع. وتتراوح التقديرات حول قوة «لواء الإسلام» بين 3 إلى 5 آلاف مقاتل، وكتيبة مدرعات تضم 23 دبابة من طراز «ت 72».
ويقول مصدر في «الجيش السوري الحر» إن التداعيات على لبنان لن تقتصر على التهديدات الأمنية المعتادة، بل إن مجموعات كبيرة من المقاتلين المنسحبين من الغوطة، والذين أعادوا تجميع وحداتهم في القلمون، قد يضطرون إلى الانسحاب نحو الأراضي اللبنانية بأعداد كبيرة، إذا ما بدأ الجيش السوري عملية واسعة في المنطقة. وقال المصدر أن هناك من يخطط لعمليات الانسحاب إذا لم تستطع هذه المجموعات الصمود في الشتاء الجبلي القاسي، والاحتماء بالتضاريس الجبلية الصعبة والحصينة.
وكانت ألوية، مثل «لواء الحق» الذي يُعدّ أكثر من ألف مقاتل والمتمركز في يبرود، قد بدأت بفتح خطوط دعم وإمداد مع جماعات سلفية في طرابلس، وأوفدت أحد قادتها إلى شمال لبنان لتنسيق عمليات الدفاع عن القلمون.
وتتفاوت التوقعات في مواعيد انطلاق العمليات العسكرية وخريطة الجبهات المنتظرة. لكن المبادر إلى القتال قد يكون الجيش السوري لمنع مقاتلي المعارضة من تحويل القلمون إلى بؤرة تهدّد شمال البقاع اللبناني وطريق حمص ــ دمشق الدولي، فيما تبحث الجماعات، التي تعيد انتشارها في المنطقة، عن إعادة تنظيم صفوفها بعد فشلها بالإمساك بالغوطة وشن عمليات على خطوط الجيش السوري، وقضاء شتاء آمن في جبال القلمون.
وكانت المنطقة قد عاشت هدنة غير معلنة بين الأطراف، إذ لم يقم الجيش السوري بعمليات واسعة ضد يبرود أو النبك، فيما امتنعت المعارضة عن التقدم منهما نحو الطريق الدولي بين حمص ــ دمشق وتهديد أمنه. وكان أعيان وأثرياء من يبرود قد ضمنوا اتفاقاً غير معلن بعدم التعرض للطريق الدولي لقاء هدنة مع المدينة.
وترجح نافذة مرتقبة للعمليات في الأسابيع، وربما الأيام المقبلة، أن تبدأ بعمليات واسعة ضد مدينة النبك فيما يستبعد مسؤول في «الجيش الحر» شن الجيش السوري، مدعوما بـ«حزب الله»، عمليات واسعة في المنطقة قبل الانتهاء من تمشيط بعض مناطق الغوطة والدخول إلى معضمية الشام. كما لا تزال المعارضة تسيطر على مناطق منيعة في قلب الغوطة، في عربين وزملكا وسقبا وحمورية والشيفونية وحزا ومسرابا، بفضل شبكات الأنفاق المعقدة والطويلة.
ويقول مسؤول أمني سوري أن الجيش يراقب منذ أشهر عمليات الانسحاب والانتشار في جبال القلمون، وتحولها إلى معقل كبير للمعارضة المسلحة، ويستعد لعملية عسكرية واسعة لم يحدد موعدها بعد.
ويقول مصدر في «الجيش الحر» أن «الهجرة» إلى القلمون تأتي في سياق ازدياد الخلافات بين الألوية التابعة لـ«الجيش الحر» و«جيش الإسلام»، واستعار حرب غير معلنة بينهما، تسببت بسلسلة الهزائم التي مُنيت بها المعارضة في الأسابيع الأخيرة في بلدات جنوب دمشق. وتعود الخلافات إلى ازدياد نفوذ الإسلاميين في الغوطة في العمل المسلح بشكل عام، واتجاه بعض الألوية من «الجيش الحر» إلى إجراء مفاوضات مع النظام السوري والخلافات حول مؤتمر جنيف.
وتتجه ألوية من «الجيش الحر»، مثل «ابو موسى الأشعري»، و«تحرير الشام»، و«البراء»، و«فتح الشام»، و«التوحيد»، لإخراج بعض مجموعاتها من الغوطة باتجاه القلمون لمنع سيطرة زهران علوش وحلفائه من الألوية الأخرى عليها، وبعد أن وجدت نفسها محاصرة بين سندان الإسلاميين ومطرقة النظام.
ويعتزم النقيب المنشق فراس بيطار، «قائد لواء ابو موسى الأشعري»، ارسال كتيبة مقاتلين إلى رنكوس لمنع زهران علوش من الاستفراد بالسيطرة على المنطقة مع حليفه «قائد لواء القادسية» اسد الخطيب. ويقول مصدر في «الجيش الحر» ان زهران علوش أخرج جزءاً كبيراً من قواته من الغوطة إلى حد لم يعد يتمتع معه بأي نفوذ، ما شجع خصومه في «مجلس الشورى في دوما» قلب الغوطة على الانقلاب عليه في معقله ومسقط رأسه، وتشكيل «مجلس مجاهدين» بقيادة خصمه ابو صبحي طه.
وتقف ألوية في المنطقة موقف عداء من وصول «لواء الإسلام» إلى القلمون. ففي حين تقف «جبهة النصرة» و«أحفاد الرسول» و«كتائب الفاروق» و«شهداء بابا عمرو» إلى جانبه، يقول مصدر في «الجيش الحر» أن «كتيبة الثأر الأموي» انشقت بين مؤيد ومعارض لزهران علوش، فيما تقف موقف عداء منه «ألوية صقور القلمون» التي يقودها مازن أبو عبدو، و«كتيبة الأمن الداخلي» و«أسود القلمون» و«لواء التوحيد» في القلمون.
ويقول المصدر أن هذه الكتائب والألوية لن تشارك في معركة القلمون، كما لم تشارك في معارك الغوطة خوفاً من أن ينتصر الخط الإسلامي المتشدد بسبب عمق الخلافات مع الجماعات الجهادية، ولكنه استبعد أن تتوصل هذه المجموعات لتحقيق انتصار وحدها على الجيش السوري.