معادلة «الدم بالدم» وأهمية تكريس توازن الردع والرعب في مواجهة الإجرام الصهيوني
جريدة البناء اللبنانية-
حسن حردان:
معادلة «الدماء بالدماء»، التي أعلنها قائد المقاومة سماحة السيد حسن نصر الله، رداً على المجزرة التي ارتكبها العدو ضدّ المدنيين في النبطية والصوانة، سرعان ما تركت أثرها السريع في داخل الكيان الصهيوني، وأحدثت تفاعلات وردود فعل تحذر من مخاطر التمادي في توسيع دائرة المعركة مع المقاومة في لبنان.. وكان لافتاً قول رؤساء المستوطنات لحكومة بنيامين نتنياهو، من انه يكفينا ما حصل من قتلى في غزة، ولا نريد المزيد.. أضافوا، الحكومة تعاني من التخبّط، ونحن سمعنا ما قاله نصر الله عن العين بالعين.. فيما حذر المعلقون الصهاينة من انّ الحرب سوف تدور من الشمال إلى الجنوب، وعلينا عدم التحمّس لها لأنها لن تكون مفيدة لنا.
أما الرئيس السابق لجهاز الموساد داني ياتون فقد نصح الحكومة الاسرائيلية بضرورة التعلم من الأخطاء وعدم جرّ الأمور على الجبهة الشمالية الى حربٍ حقيقيةٍ لأنّ الثمن سيكون صعباً..
فيما كان المراقبون والخبراء الصهاينة قد حذروا من أنّ حرباً كهذه بمثابة وضع الجيش الإسرائيلي نفسه في واحدة من أقدم الحيل الحربية، التي ما زالت ناجحة وهي «فخ الكماشة» الذي يعتبر واحداً من أفضل السيناريوات لأي قائد حربي، أن يضع عدوه بين فكي كماشة، فلماذا قد تضع إسرائيل نفسها طوعا في قلب مثل هذا الفخ»؟
أما القيادات الأمنية والعسكرية المعنية أكثر من غيرها في موضوع الحرب، فإنها لا تؤيد الذهاب إلى هذا الخيار خصوصاً في هذه المرحلة، لكلفته العالية على الكيان.. وفي السياق يرى مركز دراسات الأمن القومي الاسرائيلي «انّ من شأن هذه الحرب ان تفرض على إسرائيل تحديات جديدة وأصعب من تلك التي عرفتها في حربها الجارية على قطاع غزة، او في مواجهات سابقة مع حزب الله، الأمر الذي سيؤثر على طبيعة الحرب، اذا اندلعت…»
هذه عينات من التعليقات الإسرائيلية غير المتحمّسة للحرب مع المقاومة في لبنان، والتي تؤكد جملة من الدلالات الهامة، أبرزها:
الدلالة الأولى، انّ كلّ ما يقوله وينطق به سماحة السيد حسن نصر الله يلقى آذاناً صاغية في الكيان الصهيوني ويترك أثره السريع، لأنّ أغلب الصهاينة والمعلقين والمحللين يأخذون كلامه على محمل الجدّ ويصدقون ما يقوله…
الدلالة الثانية، إنّ الصهاينة باتوا يدركون جيداً ما ينتظرهم في حال ارتكب قادتهم حماقة شنّ الحرب ضدّ لبنان.. لأنّ ما سيحصل لهم لم يعرفوا مثيلاً له في ايّ حرب سابقة، فالكيان كله ستحوّله صواريخ المقاومة الدقيقة إلى ساحة حرب وجحيم، ليس فيه أيّ نقطة آمنة…
الدلالة الثالثة، إنّ خطابات ومواقف ورسائل سماحة السيد رداً على اعتداءات وتهديدات العدو، تحوّلت إلى أقوى سلاح في الحرب النفسية التي نجحت المقاومة في خوضها ضدّ كيان العدو وباتت تؤثر على نفسية الصهاينة وردود أفعالهم وتربك مواقف قياداتهم وخططهم الحربية…
الدلالة الرابعة، إنّ كلام قائد المقاومة وأثره إنما يستند إلى قوة حقيقية امتلكتها المقاومة، وهي القدرة على ترجمتها على أرض الواقع، ولهذا باتت أقوال السيد جزءاً لا يتجزأ من معادلة توازن الرعب والردع التي فرضتها المقاومة في الصراع الدامي مع كيان غاصب، ثبت انه لا يفهم سوى لغة القوة اسلوباً أوحد في المواجهة معه.. والدليل على ذلك هو تحسّبه هذه الأيام من الإقدام على توسعة الحرب مع المقاومة، لكونها قادرة على الردّ بالمثل وبقوة في ايّ نقطة في فلسطين المحتلة، كما قال، منذ أيام، قائد المقاومة، من انّ يد المقاومة قادرة ان تطال من كريات شمونة في الشمال إلى إيلات في الجنوب…
الدلالة الخامسة، ثبت انّ القدرات الصاروخية المتطورة التي نجحت المقاومة في امتلاكها، ومن مختلف الأنواع، هي التي حمت وتحمي لبنان من العدوانية الصهيونية منذ عام 2006، وهي التي لجمت عدوانية القادة الصهاينة وتمنعهم من الذهاب إلى شنّ الحرب الواسعة على لبنان، وهي التي ألزمتهم بقبول حصر المواجهة الحالية بحدودها الراهنة.
الدلالة السادسة، إنّ المقاومة نجحت في خوض حرب استنزاف مكلفة للعدو، وفي نفس الوقت حصر أضرارها على لبنان في بعض مناطق الجنوب، وقسم من أبنائه الذين يقدّمون اليوم التضحيات من أرواح أبناءهم وممتلكاتهم، فداء لكلّ لبنان، ودعماً ومساندة لأهل غزة ومقاومتها، وتأكيداً على انّ المعركة مع الكيان الصهيوني إنما معركة واحدة وليست فقط معركة الشعب الفلسطيني الذي يشكل رأس الحربة فيها ويدفع الثمن الأكبر، لأنّ كيان العدو يشكل وجوده الغاصب وعدوانه المستمر خطراً داهماً على كلّ الأمة العربية ودولها…
انطلاقاً مما تقدّم يمكن لنا ان نتلمّس أهمية سلاح المقاومة وتنامي قوتها الردعية في مواجهة العدو الصهيوني.. والذي جعل من لبنان قوة يحسب حسابها العدو، وتدفع الموفدين الأميركيين والأوروبيين للمجيء إلى لبنان طلباً لوقف النار في الجنوب، وذلك حماية لأمن الكيان الصهيوني، وبهدف إراحته وتمكينه من الاستفراد بقطاع غزة ومواصلة حربه عليه، من دون أن يلقى ايّ دعم او مساندة من ايّ طرف عربي، وذلك بغية تحقيق العدو لأهدافه ومشاريعه في القضاء على المقاومة وتصفية قضية فلسطين، وفرض هيمنته في المنطقة برعاية ودعم الولايات المتحدة الأميركية.. لكن موقف المقاومة كان ولا يزال حاسماً… لا وقف للنار على جبهة الجنوب قبل وقف الحرب على غزة، وضمان انتصار مقاومتها وإحباط أهداف العدوان.