مصر وتركيا تستأنفان مباحثاتهما.. ماذا اكتشف الطرفان؟
موقع قناة الميادين-
حسني محلي:
التحرُّك التركي من أجل المصالحة مع الإمارات والبحرين بعد المصالحة القطرية مع أبو ظبي، لن يحقّق قريباً المصالحة الأهم بين السيسي وإردوغان.
بعد أربعة أشهر من الجولة الأولى للمباحثات، التي سُمِّيت الاستكشافيةَ، بين مصر وتركيا، والتي انعقدت في القاهرة في 5-6 أيار/مايو الماضي، انتهت في أنقرة (الأربعاء) الجولة الثانية من هذه المباحثات، من دون أن يكون واضحاً ماذا اكتشف الطرفان خلالها؟
أكد الطرفان، في بيان مشترك، “رغبتهما في القيام بمزيد من الخطوات في طريق تحقيق مزيد من التقدُّم في المباحثات، من أجل تطبيع العلاقات بين البلدين”.
وقال البيان “إنهما بحثا في القضايا المشتركة، وفي مقدِّمتها الوضع في سوريا وليبيا وفلسطين والعراق وشرقي الأبيض المتوسط “. ويُقصَد بذلك قضايا ترسيم الحدود البحرية بين كل من ليبيا وتركيا، وبالتالي بين اليونان وكل من إيطاليا ومصر، التي أقامت بدورها علاقات استراتيجية بقبرص واليونان، وهو ما فعلته “إسرائيل” أيضاً. وعلّق وزير الخارجية المصري سامح شكري، في لقائه مع وكالة “بلومبرغ”، على نتائج المباحثات، وقال إن “هناك مزيداً من العمل الذي يتعيّن القيام به، حتى تشعر مصر بالرضا بشأن حل القضايا العالقة، وحينها، سيكون الباب مفتوحاً أمام مزيد من التقدم”.
البيان المشترك، وتعليق الوزير شكري، يعكسان بوضوح فشل الطرفين في التوصل إلى صيغة عملية تساهم في تحقيق نقلة نوعية في العلاقات، على الرغم من بيان الخارجية المصرية، التي عزّت، قبل ثلاثة أيام، تركيا بشأن ضحايا حادث اصطدام قطار بحافلة نقل صغيرة، والذي أدّى إلى مقتل 7 أشخاص. جاء ذلك في محاولة من القاهرة للتعبير عن “عُمق شعورها العاطفي الإنساني” تجاه الأشقّاء الأتراك، وهو الشعور الذي لم يتحرّك أبداً عندما لَقِي مئات الآلاف من السوريين مصرعهم على أيدي العصابات الإرهابية طوال السنوات العشر الماضية.
الجانب التركي، الذي بدأ إرسال إشارات تودُّد إلى الجانب المصري، منذ بدايات العام الماضي، بعد ثماني سنوات من العِداء العلني للرئيس السيسي الذي أطاح “الإخوانيَّ” محمد مرسي، يبدو واضحاً أنه بات يتحرّك وفق السيناريوهات الأميركية الجديدة في إطار الاتفاق الأميركي مع “طالبان”، في 29 شباط/فبراير 2020. ويفسّر ذلك إجبار واشنطن أنظمةَ دول الخليج على المصالحة في ما بينها في قمة العلا، في 5 كانون الثاني/يناير 2020، قبل شهر من مصالحتها مع “طالبان” بوساطة قطرية، كما يُقال!
تبعت ذلك تحرُّكات قطرية بضوء أخضر أميركي، أولاً للمصالحة مع القاهرة، ثمّ للوساطة بين إردوغان “وعدوّه اللدود” السيسي، الذي يبدو أنه لن يستعجل مثل هذه المصالحة مع استمرار التدخل التركي العسكري في ليبيا وسوريا والعراق. وبالتالي، تردَّدَ الرئيس التركي بشأن موضوع قطع العلاقات بإخوان مصر، وكل إسلاميي المنطقة، وخصوصاً ليبيا.
لا تُخفي القاهرة قلقها من التحركات التركية المتشابكة مع أطراف ليبية معادية لمصر، بما في ذلك دورها في إخلاء سبيل نجل القذافي الساعدي، ونقله إلى تركيا، بالتزامن مع المعلومات التي تتحدَّث عن اتصالات بسيف الإسلام القذافي من أجل كسبه إلى جانب المشروع التركي في ليبيا، استعداداً للمرحلة المقبلة، في حال إجراء الانتخابات المقرَّرة في 24 كانون الأول/ديسمبر المقبل، أو تأجيلها، وربما إلغائها.
وجاء استقبال إردوغان للانقلابي، رئيس مجلس السيادة السوداني، البرهان، المطبّع مع “إسرائيل”، في أنقرة في 12 آب/أغسطس الماضي، كمؤشّر جديد على استمرار الاهتمام التركي بدول الجوار المصري، وفي مقدمتها ليبيا، مع التذكير بأن البرهان أطاح حليف إردوغان العقائدي الإخواني، عمر البشير، كما أطاح السيسي الإخواني محمد مرسي، وكان سقوطه سبباً في عداء أنقرة لمصر التي تستعدّ لمصالحة قريبة مع “إسرائيل”.
جاءت قمة بغداد الأخيرة في إطار التحرّكات الإقليمية الجديدة تحت المظلة الأميركية، من أجل إعادة ترتيب أمور المنطقة، بعد لقاء أمير قطر تميم والرئيس السيسي، بمباركة أميركية- فرنسية، على الرغم من موقف الرئيس ماكرون الرافض سياسات إردوغان في ليبيا وقبرص واليونان وشرقي الفرات وشمالي العراق الكردي.
التحرُّك التركي من أجل المصالحة مع الإمارات والبحرين (المطبِّعتين مع “إسرائيل”)، وبعد المصالحة القطرية مع أبو ظبي، يبدو واضحاً أنه لن يحقّق قريباً المصالحة الأهم بين السيسي وإردوغان.
ومن دونها، لن تدخل المنطقة مساراً جديداً ما دامت أنقرة لا ولن تتراجع عن سياساتها في سوريا، وهو ما قد يدفع القاهرة إمّا إلى السكوت على هذه السياسات، بتعليمات أميركية، وإمّا إلى الاستمرار في التصدّي لها، عبر تحرّكات عربية ظهرت أُوْلى إشاراتها في اجتماع وزراء الطاقة من مصر وسوريا ولبنان والأردن، ولأول مرة منذ ما يُسَمى “الربيع العربي” الدموي.
يبقى الرهان على الموقف الأميركي المحتمَل حيال تركيا، والرئيس إردوغان شخصياً، إذ سبق للرئيس بايدن أن أكّد في 16 كانون الأول/ديسمبر 2019 “ضرورة التخلص منه، وتلقينه الدرس الذي يستحقّه ديمقراطياً، عبر دعم المعارضة في الانتخابات”.
ومن دون أن يكون واضحاً إذا كان بايدن ما زال عند رأيه هذا أم لا، بعد الاتفاق وإياه بشأن احتمالات الدور التركي في أفغانستان وآفاقه، بالتنسيق والتعاون مع قطر وباكستان، الحليف الاستراتيجي الآخر في منطقة آسيا الوسطى، حيث الجمهوريات الإسلامية ذات الأصل التركي.
تُرَشِّح كل هذه المعطيات العلاقاتِ التركية – المصرية لنوع جديد من الفتور، وانعكاسات ذلك على علاقات القاهرة بعواصم الخليج، على أن تبقى سوريا القُفْلَ والمِفتاح لمجمل حسابات الطرفين المختلفين التركي والمصري معاً. ويراهن كل منهما على كَسْب العواصم الخليجية ووقوفها إلى جانبه، وسوف تجد دمشق نفسها أمام مرحلة جديدة من الحلّ أو اللاحلّ لأزمتها.
سيكون القرار الأكثر تأثيراً في ذلك لإردوغان، وليس للسيسي، في غياب الموقف العربي الموحَّد، والانحياز الأميركي إلى إردوغان، الذي يرى في نفسه أكثر أهمية من “السيسي عدو الإسلاميين”، بينما إردوغان هو حاميهم، وضمنهم “طالبان”، الورقة الأكثر تداولاً في سوق الحسابات الإقليمية والدولية!