مصر والسعودية: حرب إعلامية بالوكالة والسيسي يعتذر!
موقع الخنادق-
زينب عقيل:
مضت فترة بدت الأطول في تاريخها من الغزل المتبادل بين محمد بن سلمان وعبد الفتاح السيسي، حيث كانت الأجواء الإعلامية حول التعاون والارتباط بين البلدين والشعبين المصري والسعودي بما فيهم الجيوش الإلكترونية واليوتيوبرز في حالة سلام وهناء، وصلت حدّ تنفيذ الرئيس المصري لقرار رئاسي سابق أصدره مبارك عام 1990، منح بموجبه مملكة آل سعود جزيرتي تيران وصنافير، ولم يعرف حتى الآن ما هي المبررات القانونية التي دفعت مبارك لهذه المنحة نتيجة إجراءات عدم الشفافية بحجة حماية الأمن القومي. إلا أن السعودية لم تتسلم الجزيرتين حتى أعاد السيسي إحياء المنحة، مقابل المنح الخليجية والمساعدات الدائمة في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر.
لم يكن معلومًا ما الذي يجري في الكواليس بين الدولتين حتى اليوم الذي كشف فيه موقع إكسيوس الاستخباري، مؤخراً، ما نقله عن مسؤول إسرائيلي أن مصر جمّدت إجراءات تسليم الجزيرتين، وقال إنّ ذلك بهدف الضغط على الولايات المتحدة في ملف الإجراءات الاقتصادية أو ما يسمى العقوبات، في ملف حقوق الانسان. باعتبار أن الولايات المتحدة تريد أن تعاقب مصر، الواقعة في أزمة اقتصادية كبيرة، من خلال حرمانها من 10% من المنح العسكرية التي تبلغ مليار و300 مليون دولار، وفي كل سنة، تضطرّ مصر للجوء إلى دفع الأموال لجماعات الضغط واللوبيات في الولايات المتحدة حتى تتم الصفقة.
حتى ذلك الإعلان، لم يكن معلومًا لماذا لم يحضر أمير الكويت والملك السعودي وولي عهده، قمة أبو ظبي، إلى أن بدأت الحرب الإعلامية بالوكالة عن الحرب الدبلوماسية، وذلك بعد إعلان وزير المالية السعودية عن تغيّر في طريقة المساعدات حيث كانت المملكة تقدّم منحًا بلا شروط. وهو التصريح الذي قُرِئ على أنه تلميح للدولة المصرية التي لم تسلّم الجزر حتى الآن.
كيف تضغط مصر من خلال الجزيرتين
كانت هاتان الجزيرتان سببًا في حرب 1967 بين الكيان الإسرائيلي المؤقت ومصر، تقعان في البحر الأحمر وتتحكمان بمضيق تيران الذي يسمح بالوصول إلى ميناءي إيلات في فلسطين المحتلة والعقبة في الأردن. كانت الجزيرتان على جدول أعمال الرئيس الاميركي جو بايدن عندما زار المنطقة في العام الماضي. حمل فيه تعديلًا على اتفاقية كامب دايفيد من أجل تمكين السعودية من بسط سيادتها عليهما مقابل فتح الأجواء السعودية للملاحة الإسرائيلية التي تصل الكيان مع الهند والصين، وأيضًا مقابل التطبيع مع السعودية.
ظنّ السيسي أن بايدن المهتم بترتيب أمور “إسرائيل” كأبرز إنجازاته، يمكن أن يتمّ الضغط عليه من خلال تجميد الاتفاقية التي ستؤخر إجراءات فتح الأجواء، حتى ولو كان عالقًا مسألة عدم موافقة سلطنة عمان لفتح أجوائها باعتبارها ممرًا إجباريًا بعد السعودية. لكن هل فات الرئيس المصري أن المملكة السعودية أيضًا تستخدم استراتيجية الضغط على الولايات المتحدة لتعيد التمركز حولها؟ وهل المسألة فقط هي مسألة المعونات العسكرية، أم تدخل قضية الحدود البحرية مع ليبيا، وسدّ النهضة إلى أبواب الضغط؟
الحرب الإعلامية بالوكالة
بعد إعلان وزارة المالية السعودية شروطًا لمنح المساعدات، بادر الًصحفي السعودي المشهور تركي الحمد، وهو شخص مقرّب من ولي العهد السعودي، إلى نشر تغريدة يقول فيها: “هيمنة الجيش المتصاعدة على الدولة وخاصة الاقتصاد بحيث لا يمر شيء في الدولة المصرية إلا عن طريق الجيش، وبإشراف الجيش، ومن خلال مؤسسات خاضعة للجيش، ولصالح متنفذين في الجيش، كما يرى بعض المراقبين مكامن الأزمة وجذورها، وكل ذلك على حساب مؤسسات المجتمع”.
وبعدها غرّد خالد الدخيل، وهو صحافي سعودي معروف أيضًا: ” ما يحصل لمصر في السنوات الأخيرة يعود في جذره الأول إلى أنها لم تغادر عباءة العسكر منذ 1952. انكسرت في يونيو 67، وتبخر وهج 23 يوليو كما عرفه المصريون والعرب. لكن سيطرة الجيش على السلطة وعلى اقتصاد مصر لم يسمح ببديل سياسي اقتصادي مختلف”.
في مصر أيضًا بدأ بعض الكتاب والإعلاميين والناشطين بالتلميح على السعودية، إلى أن قام عمرو أديب، وهو إعلامي شهير يعمل في قناة MBC مصر المملوكة سعوديًا، بانتقاد الحكومة المصرية وهو الأمر الذي اعتبر حملة إعلامية ممنهجة من السعودية ووُصِف أديب بأنه رجل أجندة سعودية، ومن ثم تحوّلت إلى حرب إعلامية حادة، إذ نشر رئيس تحرير صحيفة الجمهورية عبد الرزاق توفيق، وهو صحفي محسوب على السيسي، مقالًا وصف فيه السعوديين بـ”الحفاة العراة”، و”اللئام والأنذال محدَثي النعمة” إلى آخر المقال من الذم والشتيمة.
بعدها حذف الصحفيان السعوديان التغريدتين، وحذف عبد الرزاق توفيق المقال، واستبدله بمقال آخر يمدح فيه العلاقة الوطيدة بين البلدين!
السيسي يعتذر أخيرًا!
منذ أن تراجع السيسي أمام الموقف السعودي المشروط بالإصلاحات للحصول على المنح، وأنه لا مساعدات بلا شروط، فتح الإعلام والشارع المصري لحرب الشتائم مع السعودية. إلا أننا لم ندرِ بعد ما الذي حصل، ولماذا خرج أمس ونفى وجود أزمة بين السعودية ومصر، ودعى إلى التهدئة الإعلامية وتبرأ من الإعلام تحت الحجة المضحكة التي تقول إنه لا يمكن التحكم في الإعلام، مع العلم أن صحيفة “الجمهورية” مملوكة للحكومة المصرية، ولكن مهما كان من حال، الواقع أن السيسي، حليف واشنطن الاستراتيجي كما يسمي نفسه، مثله مثل نظرائه من “الحلفاء الاستراتيجيين” الذين باعوا مصالح شعوبهم للولايات المتحدة، مقابل بقائهم في السلطة. قبل أشهر، كان السيسي مستعدًا للتخلي عن سيادة مصر على قناة السويس، من خلال مشروع قانون صندوق استثماري، تتمكن من خلاله شركات متعددة الجنسيات التحكم بالقناة. إلا أن جدالات حصلت في مجلس النواب واشتعلت مواقع التواصل، أعاد هذا الموضوع إلى الخلفية، الخلاصة أن هؤلاء الحكام مستعدون للتضحية حتى بدماء أجدادهم التي حفرت قناة السويس.