مشروع ردم البحر: أصابع السنيورة تنخر في طرابلس
صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
عبد الكافي الصمد:
يدخل رئيس وأعضاء بلدية طرابلس غداً إلى مقرّهم وهم يقفون في مواجهة أهالي مدينتهم. فعلى وقع الصرخات واللافتات الرافضة لإقرار مشروع ردم البحر، يُنتظر أن تأخذ البلدية قرارها: إما الدفاع عن مصالح المواطنين أو ضمان مصالح طبقة السّياسيين ـ الريعيين.
خلال السنة الأولى من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المستقيلة، وصل الرئيس فؤاد السنيورة بشكل غير معلن إلى طرابلس، تلبية لدعوة على العشاء تلقاها من رجال أعمال طرابلسيين كان قد أعلن السنيورة رغبته في لقائهم.
في تلك الأمسية، طرح السنيورة على رجال الأعمال الطرابلسيين، ومنهم من يشترك معهم بمشاريع تجارية، فكرة تبرّع كل شخص منهم بمبلغ لا يقل عن 100 ألف دولار أميركي (كان الحضور قرابة 20 شخصاً)، لإنشاء صندوق استثماري يهدف إلى تنفيذ مشاريع يختلط فيها العامل الاستثماري بالعامل التنموي.
ظنّ البعض للوهلة الأولى أن فكرة السّنيورة تهدف إلى سحب البساط من تحت قدمي ميقاتي، والقول للطرابلسيين إن حكومة الأخير «لم تقدم على تنفيذ أي مشاريع تنموية في طرابلس، ولم تجلب استثمارات إليها»، بينما يفعل السنيورة ذلك.
في السنة الأخيرة من حكومة ميقاتي، وتحديداً في الأشهر القليلة التي سبقت استقالته، ظهر إلى العلن مشروع عقاري ـ تجاري، تقوم فكرته الرئيسية على ردم نحو مليون و200 ألف متر مربع من البحر عند المدخل الجنوبي لمدينتي طرابلس والميناء، بحجة إقامة مشاريع عليها، تتنوّع بين الفنادق والمنتجعات السياحية والمحال التجارية ومرفأ لليخوت.
لكن المفاجأة لم تكن هنا، بل في أنّ أغلب المساهمين في هذا المشروع كانوا حاضرين لقاء العشاء مع السنيورة، وانضم إليهم رجال أعمال آخرون، ليتضح لاحقاً أن الذين يشاركون في رأسمال المشروع ينتمون، سياسياً، إلى فريقي 8 و14 آذار وإلى «الوسطيين»، ما دلّ على أن الجشع لا يُصنّف في سوق السياسة. لكن مسيرة هذا المشروع قبل أن يبصر النور لم تكن مفروشة بالورود، بعدما تبين أن الغاية منه تحقيق أصحابه أرباحاً هائلة في «صفقة» مضاربات عقارية ضخمة، من خلال وضع اليد على قسم من الأملاك العامة على الواجهة البحرية لطرابلس والميناء، بعدما لقي اعتراضات عليه في البلديتين، إضافة إلى احتجاج ناشطين بيئيين ومن المجتمع المدني، إضافة إلى دخول رجال دين أخيراً على خط الاعتراض عليه، بعضهم مقرب من التيار السلفي، لأنّ مشروعاً كهذا بنظرهم «لا يتلاءم مع الشرع الإسلامي، وسيكون بؤرة للفساد والرذيلة».
في بلدية الميناء التي يقع ثلث المشروع السياحي في نطاقها الإداري، لم يصل المشروع إلى حدّ التصويت عليه وإقراره في البلدية، بسبب الإشكالات الداخلية في البلدية واستقالة 10 من أعضاء المجلس البلدي في حزيران الماضي، ما يُهدّد بفرط البلدية، لكن المشروع كان محل اعتراض واسع عليه.
وينبع اعتراض بلدية الميناء وأهاليها على المشروع، من أنه مخالف للقانون الذي يمنع ردم البحر كلياً في مدينتهم، وسيترك وراءه تلوثاً بيئياً كبيراً، سيمتد أثره إلى محمية جزر النخيل (الأرانب) القريبة من موقع المشروع. كذلك فإنه سيلحق ضرراً بكورنيش المدينة الشهير، وسيكون على حسابه، وسيحول دون تحقيق اقتراحات مشاريع تهدف إلى تطوير الكورنيش بما يخدم أبناء المدينتين ويسهم في تطوير عيشهم.
أما في بلدية طرابلس التي يقع ثلثا المشروع ضمن نطاقها الإداري، فقد عرض في آخر جلسة عقدتها قبل شهر رمضان، بعدما وضعه رئيس البلدية نادر غزال على جدول الأعمال، لكن الخلافات داخل البلدية حينذاك قبل أيام من جلسة طرح الثقة بغزال، وعدم تحقيق موافقة كافية من أعضاء البلدية له، جعل المشروع يبقى في الأدراج، قبل أن يضعه غزال مجدداً على جدول أعمال جلسة البلدية يوم غد الخميس.
أثار ذلك غضب ناشطين بيئيين ومعماريين ومنظمات المجتمع المدني، إلى جانب فاعليات وأعضاء في بلديتي طرابلس والميناء، الذين دعوا إلى «وقفة احتجاجية» أمام مقر بلدية طرابلس قبل نصف ساعة من موعد انعقاد جلستها المقررة عند الخامسة من عصر غد، لرفض إمرار قرار ردم البحر، و«دفاعاً عن حق أبناء المدينة جميعاً بشواطئ مدينتهم»، كما جاء في بيان الدعوة.
وبرّر البيان الوقفة الاحتجاجية بأن المشروع «سيأتي على كورنيش طرابلس والميناء اللذين هما ملك للدولة، وبالتالي لجميع المواطنين، وسيُحوَّلان إلى استثمارات خاصة تقضي على المتنفّس الوحيد لأبناء المنطقتين»، رافقه إعلان رئيس بلدية الميناء السابق وعضوها الحالي عبد القادر علم الدين، على صفحته على الفايسبوك، أن «كورنيش الميناء ليس للبيع».
جلسة غد سبقتها ضغوط كبيرة مورست على الأعضاء في بلدية طرابلس، وسط تأكيد أعضاء معارضين للمشروع في بلديتي طرابلس والميناء يقولون إن «إغراءات هائلة تقدّم للأعضاء من أجل الموافقة عليه وإمراره، وإن شيكات على بياض عُرضت على بعضهم، أو عرض عليهم الحصول مجاناً على شاليهات ضمن المشروع كي يوافقوا عليه».
وسط هذه الأجواء، يتوقع أن تكون جلسة الغد في بلدية طرابلس مفصلية، وأن تسهم في فرز الأعضاء على أساس نفعي وغير سياسي، مثلما حصل في الجلسة السابقة التي نوقش فيها هذا المشروع؛ إذ عارضه بشدّة رئيس لجنة الهندسة عبد الله الشهال، المقرب من تيار المستقبل، بينما وافق عليه بقية زملائه «الزرق» بعدما تسلح الشهال بآراء مهندسين استشارهم في الأمر، وكذلك برفض دائرة الهندسة في البلدية الموافقة على المشروع.
أهمية جلسة غد في بلدية طرابلس دفعت أعضاءً غابوا عن الجلسات السابقة بسبب انشغالهم إلى إعلانهم أنهم سيحضرون الجلسة بعد الضجّة الكبيرة التي أثارها المشروع، لكن من غير معرفة توجههم حياله، الذي لم يعارضه إلى الشهال في الجلسة السابقة سوى أربعة أعضاء مقربين من الوزير فيصل كرامي.
أحد هؤلاء الأعضاء، وهو رئيس لجنة الآثار والتراث في البلدية الدكتور خالد تدمري، أوضح لـ«الأخبار» أن المشروع «نفعي بامتياز، وأنه يطلب من البلدية أن توافق على إعطائه ترخيصاً بالتعدي على الأملاك البحرية، ورفع عامل الاستثمار أفقياً وعمودياً». وكشف تدمري أن «عملية احتيال تجري على البلدية لإمرار المشروع المقترح، وتصويره كأنه غير المشروع السابق، مع أن تفاصيل المشروعين في خطوطهما العريضة مشتركة»، فضلاً عن أن مقدّم اقتراح المشروع الثاني هو رجل الأعمال يوسف فتال، وهو أحد المساهمين البارزين في المشروع الأول!
لم يُوزع أي مستند عنه على الأعضاء لدرسه ومناقشته، ورفض مقدّموه إدخال أي تعديلات عليه، وهو يتعارض كليّاً مع المخطط التوجيهي للمدينة، ويناقض أبسط القواعد المعمارية من الناحيتين الاجتماعية والبيئية.