مشروع أردوغان في خواتيمه
صحيفة الخليج الإماراتية ـ
عصام نعمان:
ليس مشروع إلغاء منتزه “غازي” في ميدان تقسيم باسطنبول سببَ غضبِ شباب تركيا العارم على رجب طيب أردوغان . ثمة سبب آخر بالتأكيد . إنه مشروع أسلمة تركيا، بمعنى تقليص طابعها العلماني الذي أثار ويثير نقمة الشباب على أردوغان .
الشباب اليساري كان البادئ بتفجير النقمة ضد من أسماه “السلطان العثماني الجديد” . لكن امتداد الانتفاضة إلى نحو 40 مدينة تركية دليل ناطق على أن السخط ليس لسان حال اليساريين وحدهم، بل هو لغة أكثر من نصف عدد الأتراك .
هل نصف عدد الأتراك فعلاً ضد سياسات أردوغان؟
نعم، هم كذلك بدليل أنه هدد، خلال زيارته إلى المغرب، بأن يستنفر نصف تركيا الموالي له للنزول إلى الشارع بغية الرد على النصف الآخر المعارض .
لا شك في أن أردوغان مازال قوياً، ولا يستبعد مراقبو المشهد التركي أن يكون نصف البلاد موالياً له، لكن النصف الآخر الأوسع حيويةً وحركة يبدو أكثر قابلية للنمو والتزايد . فمن ميدان تقسيم في اسطنبول سرعان ما امتدت الانتفاضة إلى كل أنحاء تركيا لتشمل العاصمة أنقرة في الوسط وإزمير في الغرب وأنطاليا في الجنوب .
لعل التطور الأبرز انضمامُ اتحاد عمال القطاع العام إلى جبهة المحتجين والمعارضين . هذا الاتحاد اليساري يضم نحو 240 ألف عضو في 11 نقابة، وسبب سخطه على حكومة أردوغان أن “إرهاب الدولة ضد الاحتجاجات الحاشدة في شتى أنحاء البلاد، أوضح من جديد عداء حكومة حزب العدالة والتنمية للديمقراطية” .
ليس اليساريون قوام الانتفاضة ضد أردوغان بل العلمانيون بصورة عامة . لهذا السبب حرص أردوغان على اتهام حزب الشعب الجمهوري، حزب أتاتورك العريق، بأنه وراء “المؤامرة” التي يجري تنفيذها في البلاد . غير أن اتهاماته لم تلقَ صدى حتى في صفوف حزبه . فقد حرص رئيس الجمهورية عبدالله غول على التحدث بلغة هادئة ومغايرة . قال، مخاطباً المتظاهرين، “إن الديمقراطية لا تعني فقط الانتخابات”، مضيفاً “أن الرسائل التي وُجهت بنيات حسنة قد وصلت” .
لغة غول لم تَرُقْ لأردوغان الذي تمتم في المغرب بضع كلمات تنمّ عن عدم رضاه . غير أن نائب رئيس الوزراء بولنت أرينش انضم إلى غول في السعي إلى تهدئة عشرات آلاف المتظاهرين المناهضين للحكومة، وذلك بالاعتداز عن الحملة العنيفة التي شنتها الشرطة عليهم : “إن العنف المفرط الذي استخدم ضد أولئك الذين كانوا يتصرفون باحترام كان خطأ وظالماً . إنني أعتذر لأولئك المواطنين . . . الذين كانت لديهم في الأساس مطالب مشروعة” .
اعتذار أرينش لم يُفلح في تنفيس الغضب المتصاعد، ولعله أفضى إلى العكس تماماً، ذلك أن المتظاهرين سارعوا إلى رفع شعار “عدم العودة إلى الوراء” الأمر الذي فسره المراقبون أنه يعادل شعار “الشعب يريد إسقاط النظام” الذي كان المتظاهرون قد رفعوه في ميادين تونس ومصر وساحاتهما وثابروا على المناداة به إلى أن أجبروا زين العابدين بن علي وبعده حسني مبارك على الاستقالة .
غير أن ابن علي ومبارك شيء وأردوغان شيء آخر . الرئيسان السابقان التونسي والمصري كانا حاكمين مستبدين وما كانا منتخبين بطريقة ديمقراطية، في حين أن أردوغان رئيس وزراء تسلّم منصبه نتيجةَ انتخابات ديمقراطية فاز فيها حزبه بأغلبية مقاعد البرلمان، فهل يجوز إسقاطه في الميدان؟
قد لا يجوز دستورياً إسقاطه إلاّ في البرلمان، لكن المسألة الدستورية تصبح ثانوية في ظروف انتفاضة شعبية متصاعدة يتجاوز فيها المحتجون والمتظاهرون، غالباً، نص الدستور للتشديد، في المقابل، على روحه ومبادئه .
إلى ذلك، ثمة عوامل ثلاثة لها دورها في تقرير وجهة التطورات السياسية:
الأول، هو الوضع داخل الحزب الحاكم ومدى قدرة أردوغان على التحكم به أو إخفاقه في ذلك . في هذا السياق يشير المراقبون إلى موقفيْ غول وأرينش المتميزين عنه . ربما لهذين الركنين الرئيسين في حزب العدالة والتنمية أنصار كثيرون بين النواب، وقد يكون لهم تالياً موقف سلبي من أردوغان يؤدي إلى واحد من اثنين : تغيير سياسته إزاء بعض القضايا والمشاريع، أو حمله على الاستقالة .
الثاني، موقف المجتمع الكردي (الذي لا يقل عدد أفراده عن 15 مليوناً)، من الانتفاضة الشعبية ضد أردوغان . ذلك أن زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان كان وقّع اتفاقاً مع أردوغان، وقد يشتّم خطراً من إسقاطه لمصلحة قوى سياسية يبدو بعضها أكثر تصلباً إزاء حقوق الأكراد من زعيم حزب العدالة والتنمية .
الثالث، موقف الجيش التركي من أردوغان الذي تسبّب في محاكمة أو طرد مجموعة من كبار ضباطه، ما أضعف نفوذ الجيش في مؤسسات الدولة والحياة العامة، كما موقعه من الاتفاق الذي عقده أردوغان مع أوجلان وانعكاسه على الوضع الداخلي في تركيا .
فوق ذلك، ثمة موقف حزب الشعب الجمهوري من سياسة أردوغان المعادية لسوريا . ومن المعلوم أن الجمهوريين، وهم حزب المعارضة الرئيس، يشاطرون اليساريين عموماً معارضتهم لسياسة أردوغان تجاه سوريا .
كل هذه العوامل والاعتبارات تنعكس بدورها على موقف تركيا من مؤتمر “جنيف – 2”، فهل تراها تحمل أردوغان على تليين موقفه من مسألة انعقاد المؤتمر في ظل ميزان القوى الحالي على الأرض، وخصوصاً بعد انتهاء معركة مدينة القصير الاستراتيجية لمصلحة الجيش السوري، أو أن ذلك سيدفع أردوغان إلى الضغط لتأجيل المؤتمر كسباً لمزيد من الوقت الذي تتطلبه محاولة جديدة لدعم المعارضة السورية المسلحة من أجل إيجاد ميزان قوى أكثر تكافؤاً بين الأطراف المتصارعين؟
أياً ما كانت الوقائع والتوقعات، فإن تطورات المشهد التركي تشير إلى أن الأزمة الإقليمية قد اكتسبت بُعداً جديداً إلى جانب أبعادها الفلسطينية والسورية والعراقية واللبنانية والمصرية والليبية .
. . . ترى، هل أصبح مشروع أردوغان في خواتيمه؟