مسارات الحل في سورية
صحيفة الوطن السورية-
محمد نادر العمري:
شهد الملف السوري خلال الأسابيع الماضية تسارعاً في دائرة التباحث به وإجراء لقاءات إقليمية بشأن تفعيل الحل السياسي في سورية لمعالجة الأزمة المتفاقمة منذ عام 2011، هذه الاجتماعات ليست الأولى من نوعها، إلا أنها، سواء على مستوى الرباعية التي استضافتها موسكو الروسية أم على مستوى الاجتماع العربي المصغر في عمان الأردنية، شكلت بوادر إيجابية ليس من إطار وضع حل لهذه الأزمة ولكن بالتعامل مع الحكومة السورية، إذ اتسمت الاجتماعات الخاصة حول سورية في معظم السنوات السابقة بتغيب الحضور الرسمي السوري في إطار الاجتماعات المباشرة وغير المباشرة.
هناك العديد من العوامل التي باتت اليوم تشكل بيئة ناضجة للانفتاح على سورية من المحيط الإقليمي، وخاصة أن العوامل الذاتية الداخلية التي أفرزتها البيئة السورية في محاربة الإرهاب وثبات مسار التسويات التي حصلت والقدرة على تحمل تبعات الحصار الاقتصادي، رغم مرارتها وثقلها على عاهل المواطن، شكلت الرافعة الأولى لتغيير السلوك الإقليمي، إذ إن الرهان الخارجي أثناء الحرب على سورية كان في إطار استهداف التماسك الداخلي سواء من خلال العمليات العسكرية ودعم الإرهاب أم من خلال توظيف الملفات الإنسانية والاقتصادية وغيرها.
من جهة أخرى فإن تسارع وتيرة الأحداث الإقليمية، وتغيير مزاج ومواقف وسلوكيات العديد من الدول نتيجة المصالح الجيو إستراتيجية أو التهديدات الأمنية أو بسبب التطورات الدولية، شكلت الرافعة الثانية نحو الحراك الحاصل باتجاه سورية.
إن الدورين الروسي والصيني ركزا خلال سعيهما، سواء عبر رعاية موسكو لمحادثات مباشرة بين أنقرة ودمشق، أم إنتاج الصين للمصالحة السعودية الإيرانية، على تعزيز الأمن الإقليمي في هذه المنطقة لأسباب عديدة، تتمثل أبرزها بالدرجة الأولى في تقليص النفوذ والدور الأميركي المخرب للإطار الأمني الإقليمي، وفي الدرجة الثانية على احتواء الإرهاب والحد من تناميه لعدم تهديد الأمن الداخلي والقومي لدول المنطقة، أما في الدرجة الثالثة فقد سعى كل من القطبين الصاعدين لتفعيل آلية التعاون والمصالح المشتركة لدول المنطقة عبر تبني مشاريع جيو اقتصادية من شأنها إحداث تنمية شاملة تقرب بين دول المنطقة وتدفعها نحو البحث عن آليات التقارب لتفادي المشاكل والاستحقاقات الداخلية التي تواجهها الدول، أو لتفادي التداعيات الناجمة عن الأزمات والصراعات الدولية من كورونا إلى الصراع الأوكراني والأزمات المالية التي أصبحت تهدد النظام الدولي.
بالعموم، وبالعودة لهذا الحراك الإقليمي تجاه سورية يمكن سرد مروحة من المتغيرات التي يمكن ملاحظتها خلال هذا الحراك:
أولاً- بالنسبة للاجتماع العربي الذي انعقد في العاصمة الأردنية عمان، فإن هذا الاجتماع الذي ضم كلاً من المملكة السعودية ومصر والعراق والأردن وبحضور رسمي سوري، يعد اجتماعاً عربياً مصغراً للتعامل مع الأزمة السورية، إذ إنه يمهد لإيجاد آليات متعددة بين سورية والدول العربية تتمثل في حل الخلافات البينية العربية مع سورية، والانتقال لمرحلة دعم المسار السياسي في سورية عبر إجراءات توافقية وصولاً لعودة سورية للعب دورها في المحيط العربي.
والحراك العربي هنا لم يكن نتيجة للمصالحة السعودية الإيرانية فقط، وإن أثرت في تسريع وتيرته، بل هو نتيجة الحاجة المشتركة بين الدول العربية وسورية، فذريعة العرب بابتعاد سورية عن إيران وقطع تحالفها الإستراتيجي معها أصبح خلف الظهر لأن هذه الدول هي اليوم في شهر عسل مع الجانب الإيراني وخاصة السعودية، ولكن المسعى العربي لأن يكون له دور في حل الأزمة السورية يكمن في عدم فسح المجال للقوى الإقليمية- من تركيا وإيران- أن يكون لها اليد العليا في حل الأزمة السورية بعيداً عن أي دور عربي، كما أن الحاجة لعودة سورية للعب دورها في المحيط العربي من شأنه أن يعيد التوازنات القديمة بحلة جديدة أن عبر التنسيق «س-س»، أو عبر تنسيق «سوري سعودي مصري»، لمعالجة ملفات المنطقة لإرساء الاستقرار الإقليمي، كما أن إعادة الإعمار والمشاركة بها تثير لعاب البعض من الدول الخليجية كما الدول الكبرى.
إن ما سبق يدفعنا لأن نكون أمام مسار مواز أو مكمل لمسار أستانا يتمثل في المسار العربي، الذي يبدو أنه لم يحسم أمره في الانفتاح الكامل مع سورية أو مازال ضمن الهوامش المرسومة أميركياً، وهو يحتاج إلى المزيد من الوقت لنضج خطواته المتبادلة بين سورية والعرب على قاعدة الخطوة مقابل مثيلتها.
ثانياً- تشكل المصالحة التركية- السورية هدفاً واضحاً للسياسة الخارجية الروسية، التي سعت من خلال استضافتها مؤخراً للاجتماع العسكري والأمني بين الجانبين وبحضور الضلع الرابع الإيراني، دفع مسار المصالحة بين أنقرة ودمشق، من خلال التوصل لصيغة عمل مشتركة بشكل تدريجي بين الجانبين، إذ على الرغم من أن التحضيرات كانت جارية لانعقاد اجتماع رباعي على مستوى الخارجية، تم الإعلان عن هذا الاجتماع العسكري بهدف استثمار موسكو للتطورات الإقليمية والداخلية التي تشهدها كل من سورية وتركيا لدفع هذا المسار، ولاسيما أن موسكو تتفق مع سورية على ألا يكون الاجتماع الوزاري لمجرد اجتماع صوري، بل أن يكون هناك توافق وتنفيذ فعلي ميداني قبل حصول أي اجتماع رفيع المستوى.
إذ من الممكن أن يشهد الميدان السوري بعض التطورات الجزئية وليست الكاملة في الخريطة الجغرافية الشمالية الغربية من سورية، ولاسيما الانسحاب التركي إلى أعلى الطريق الدولي «أم4»، وهو ما دفع متزعم «هيئة تحرير الشام» المدعو أبو محمد الجولاني للتصريح بأن جبهته تملك أدوات تأثير أي أزرار، لعرقلة أي مسار تصالحي بين سورية وأنقرة.
ثالثاً- غياب المعارضة السورية الخارجية عن الاجتماعات الحاصلة سواء في موسكو أم على المستوى العربي، يؤكد عدم استقلالية هذه المعارضة واحتمالية أن نشهد المزيد من التصدعات أو توليف بنى جديدة تتناسب مع متطلبات المرحلة.
رابعاً- يبقى العامل الاقتصادي وفك الحصار عن سورية هو الضرورة الأبرز في ظل ما يتكبده السوريون من معاناة حقيقية يومية على مستوى تحقيق الحد الأدنى من متطلبات حياتهم في كل المجالات الغذائية والسكنية والصحية والتعليمية.
البوادر الإيجابية في التطورات الأخيرة التي تشهدها الاستحقاقات الإقليمية باتجاه سورية تشكل انعطافة واضحة لا يمكن إنكارها، إلا أن ترجمتها بحل الأزمة في سورية يحتاج إلى وقت نتيجة تعدد الأطراف المؤثرة الإقليمية وتصادم مصالحها ما يجعل مسارات هذا الحل معقدة.