مرحلة جديدة في علاقات السعودية وأمريكا
صحيفة الوفاق الإيرانية-
دياكو حسيني:
نظرت الولايات المتحدة إلى قرار السعودية الانضمام إلى روسيا في ( أوبك +) لخفض إنتاج النفط على أنه تحرك إلى جانب موسكو وضد الغرب.
من المتوقع أن يؤدي هذا القرار إلى تعميق الأزمة حيث تتصارع أوروبا والولايات المتحدة مع ارتفاع أسعار الطاقة، و يمكن تفسيره بأنه مؤشر على تغيير في نهج السعودية تجاه تحالفها الطويل الأمد مع الولايات المتحدة. تغيير كانت هناك شكوك بشأنه من قبل مع تحسن مستوى العلاقات التجارية والتعاون العسكري بين بكين والرياض.
ردًا على هذا الإجراء السعودي، شن مسؤولو إدارة بايدن هجمات لفظية غير مسبوقة ضد هذا البلد. يذكر انه لم يكن من المتوقع أبدًا أن تكون لإدارة بايدن علاقات جيدة تمامًا مع السعودية. حيث أجبر دور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقتل جمال خاشقجي، منذ بداية الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020، جو بايدن على اتخاذ موقف واضح ضد الرياض.
هذا الموقف تم تهميشه في وقت لاحق في الممارسة وتغلبت الحاجة والمصلحة المتبادلة لأمريكا والسعودية على القضايا الجانبية. ويعتقد العديد من المراقبين أن السعودية لا تشعر بالراحة تجاه الحكومة الديمقراطية في واشنطن وتفضل الطريقة التي تنظر بها حكومات الجمهوريين إلى الشؤون العالمية. اذ يعتبر التركيز الواضح لحكومة بايدن على القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، في حين أنها تتبع نهجًا أكثر ليونة في المواجهات السياسية مع الدول المعادية، بما في ذلك إيران، أحد هذه الأسباب.
يذكر ان الأمير خالد بن سلمان قال إن هذا القرار السعودي جاء لأسباب اقتصادية فقط. و في ردود الفعل الأخيرة، أجّلت إدارة بايدن الإجراء المضاد حتى عودة أعضاء الكونجرس من الإجازة ووعدت بتقديم الرد المناسب وكان هناك مقترح بوقف بيع الأسلحة للسعودية لمدة عام واحد ما لم تعيد السعودية النظر في قرارها.
في غضون ذلك، أعرب ريتشارد بلومنتال، عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي، عن قلقه أيضًا بشأن إمكانية نقل أسلحة عالية التقنية قدمتها الولايات المتحدة إلى السعودية، إلى روسيا. حدث، إذا تحقق، يمكن أن يقود العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة إلى فترة من الظلام لم يسبق لها مثيل.
في نظرة أعمق، يمكن أن يكون قرار الرياض الأخير متجذرًا في محاولة محمد بن سلمان تقديم صورة مستقلة وقوية وطموحة عن نفسه، والتي، على عكس الصور النمطية التقليدية، ليست خاضعة لأمريكا. هذه الصورة جذابة ليس فقط للشباب القومي السعودي ولكن أيضًا للإسلاميين الوهابيين الذين ألقوا باللوم على الأسرة السعودية لسنوات بسبب مزاعم أنها تابعة لأمريكا. بالإضافة إلى ذلك، من الممكن أن يكون لهذه الرسالة جمهور بين دول المنطقة.
إن دخول السعودية تحت قيادة محمد بن سلمان كقوة إقليمية مستقلة عن الولايات المتحدة، قادرة حتى على مواجهة مطالبها، يمنح السعودية كرامة جديدة تجعل أدوارها الأكبر مفهومة. لكن هذا ليس السبب الوحيد.
فقد أدرك قادة السعودية، مثل العديد من البلدان الأخرى في المنطقة و في العالم العربي وما وراءه، أنه مع نهاية العالم أحادي القطب، ازداد تأثير الصين وروسيا لدرجة لا يمكن لأي أحد تجاهله.
و مع اقتراب إيران من محور الصين وروسيا، وفي حين أن أمريكا لديها قدرة وحافز أقل لتكرار دورها الحمائي في القرن العشرين، ربما فكرت السعودية في طرق لزيادة قيمتها الاستراتيجية لبكين وموسكو ومن خلال ذلك، تقليل أهمية إيران للقوتين العظميين.
وإذا نجحت السعودية بهذه الطريقة، فيمكنها أن تأمل في وساطة هذه الدول في حل خلافاتها مع إيران، وربما استبدال دعم الولايات المتحدة بجهات فاعلة أكثر جرأة وتحفيزًا. ومع ذلك، لا يبدو أن القادة السعوديين سيحققون هذا التحول الجريء بشكل كبير.
من المرجح أنه من خلال الاقتراب من الصين وروسيا، لن يؤدي ذلك فقط إلى الإبقاء على خيار التعاون الاستراتيجي الأعمق بينها وبين هذه الدول، ولكن أيضًا الاستفادة من الفرص التي أوجدها الخوف من انضمام السعودية إلى هذا المحور الناشئ.
في عالم يكون فيه عدم اليقين والسيولة في الترتيبات الدولية هو الجانب المهيمن للعلاقات بين الدول، كان اختيار سياسة خارجية مرنة مفيدًا للعديد من البلدان، وربما لا ترى السعودية اليوم سببًا يمنعها من أن تكون واحدة من هذه البلدان.
بشكل عام، كانت أمريكا والسعودية تعتمدان على بعضهما البعض بشكل كبير بحيث لم تكونا مستعدتين للانفصال المفاجئ، وما زالتا تحتاجان إلى بعضهما البعض كثيرًا حتى يلقي التعكر المؤقت بظلال دائمة على علاقتهما.
رغم كل هذا، لا يمكننا تجاهل حقيقة أن العلاقات بين الرياض وواشنطن، على غرار العديد من العلاقات التقليدية الأخرى التي عرفناها من قبل، قد بدأت حقبة ومرحلة جديدة ما زلنا لا نعرف الشكل الذي ستتخذه في المستقبل.