مخيمات سوريا….ظلم وجريمة!
صحيفة الوطن العمانية ـ
د. فايز رشيد* (كاتب فلسطيني):
تهجير نكبوي بامتياز. هذا الذي يحدث لأهلنا في مخيمات سوريا: اليرموك، خان الشيخ، وعلى الطريق: جرمانا، سبينه، والنيرب وغيرها. منذ بضعة أيام فقط تم اختطاف ميكروباصين بركابهما وعدد من سيارات السرفيس بحمولتها وقتل إمام المسجد واختطاف العديدين من مخيم الشيخ. شعبنا في مخيمات سوريا يستنجد بمنظمة التحرير الفلسطينية وبالفصائل وبخاصة الحكومتين في كل من رام الله وغزة، ولكن ما من مستجيب، سوى ارسال مئة وعشرين ألف دولار من قبل المنظمة لحركة فتح في سوريا لتقوم بتوزيعها من خلال شراء سلع للتوزيع. المبلغ لم يتم إرساله للجنة المسؤولة عن الأوضاع والمشكلة من كافة الفصائل.
المبلغ هو نقطة في بحر احتياجات أهالي مخيم اليرموك والمخيمات الأخرى، والمقدرة بشكل أولي، بخمسة ملايين دولار. الأطفال الفلسطينيون من المهجرين يعيشون تحت برد الشتاء ووحل الأمطار دون أغذية ودون ملابس شتوية) إلا ما استطاعوا التقاطه من بيوتهم قبل تهجيرهم (ودون امتلاك ما يتدفؤون به، ينتشرون في العراء، لا مساعدة لهم من أحد. اللاجئون الفلسطينيون لا يستطيعون الانتقال إلى الدول المجاورة (مثل اللاجئين السوريين)، فهم غير مرحب بهم! لا نريد التفريق بين لاجئ ولاجئ، لكن اللاجئين السوريين قادرون على التنقل خارج سوريا، وهناك جهات عربية ودولية تتولى أمورهم وشؤونهم. ما من أحد يقوم بالإشراف على لاجئي المخيمات الفلسطينية في سوريا سوى اللجان الفصائلية وهذه لا تمتلك أموالاً تساعدهم بها وتحل بعضا من مشكلاتهم.
الفلسطينيون في مخيمات سوريا، المحتلة من قبل المسلحين، الرافضين تماماً للخروج منها، كي يعود أهلها إليها، يكررون تجربة اللاجئين الفلسطينيين في العراق .. عندما جرى تهجيرهم وعاشوا في برد الصحراء ووسط رمالها وعواصفها الشديدة فترة طويلة، لم تقبل دولة عربية (لا من دول الجوار ولا من غيرها) واحدة باستقبالهم. هُجروا من بيوتهم عنوة بالتهديد المباشر، وبعد قتل العديدين منهم (وكأنهم السبب في دمار العراق وحروبه الأهلية)، مات منهم عديدون ودفنوا في الصحراء المترامية الأطراف وفي مواقع مجهولة. عديدات من النساء ولدن أطفالهن في تلك الظروف القاسية. في النهاية ماذا حصل؟ تقاسمتهم دول عديدة أوروبية وإفريقية وأميركية ـ لاتينية وغيرها. تقاسمتهم هذه الدول مثلما يجري تقاسم قطيع من الأغنام.
فلسطينيو سوريا يكررون تجربة ما حصل في ليبيا لإخوانهم، فقد غضب عليهم العقيد القذافي آنذاك وقام بترحيلهم إلى الحدود المصرية ـ الليبية، وعاشوا في الصحراء فترة طويلة. المهم أنه وبعد ما سمي بالثورة انصب عليهم الغضب باعتبارهم من مؤيدي نظام القذافي! تماماً مثلما اُتهم فلسطينيو العراق بأنهم عملاء لنظام صدام حسين!.
الفلسطيني متهم حتى إثبات براءته، والأخيرة صعبة المنال للفلسطيني، لذا فإن الاتهام يلاحق الفلسطيني أينما حل ورحل. قلناها مراراً: لو انفجرت اسطوانة غاز في أحد بيوت أوسلو فإن أول من تتوجه إليه الأنظار والتهم هو الفلسطيني ذو الملامح الشرقية، وإذا ما قام رجل بتطليق زوجته (حيث يباح الطلاق) فالسبب هو الفلسطيني! وصدقت الجملة: أنت فلسطيني إذن أنت متهم.
وبالعودة إلى أهلنا في مخيمات سوريا، فعدا عن الحاجة إلى تقديم المساعدات العاجلة لهم، المطلوب من سلطتي رام الله وغزة ومن حركتي فتح وحماس، رفع الغطاء التام عمن يدعون أنهم من الحركتين ويشاركون في احتلال مخيم اليرموك مع المسلحين من الجماعات الأصولية التكفيرية المتعددة. أهالي مخيم اليرموك يرفضون العودة إلى بيوتهم طالما بقي المسلحون فيها، هؤلاء يعتبرون: أن الفريضة على المسلم أن يقوم بالقتال لإسقاط النظام السوري. هؤلاء نسوا فلسطين والقدس والاحتلال الصهيوني والكفار الآخرين، وعدوهم الرئيسي الآن:النظام السوري!هؤلاء ينفذون أجندات آخرين بامتياز. جاءوا من كل البلدان الإسلامية (لينالوا شرف الشهادة في دمشق!) وليس على روابي فلسطين. هؤلاء يحرصون على زج الفلسطينيين في الصراع الداخلي السوري! منذ بدء الأزمة السورية، اختار الفلسطينيون النأي بأنفسهم عن الصراع الدائر، واحترمت هذه القضية من قبل كافة الأطراف فأصبحت المخيمات ملاذاً آمناً للمهجرين السوريين من المناطق المختلفة.
المطلوب من سلطتي رام الله وغزة الضغط على الدول المحركة للمسلحين الذين يحتلون مخيم اليرموك وبدأوا احتلال مخيم خان الشيخ، من أجل تحريك قطع الشطرنج التي يلعبون بها والتي عبثت ولا تزال في أمن وأحوال المخيمات لإخراجها بعيدا عن المعنى الفلسطيني. كذلك أين هي البيانات الصادرة عن السلطتين والتي تستنكر ما يجري في المخيمات الفلسطينية في سوريا؟ نعم هناك بعض البيانات النادرة التي صدرت على هذا الصعيد، لكن تلاحق الأحداث في المخيمات في سوريا كبير! نريد بيانات ذات لغة واضحة تدعو المسلحين إلى مغادرتها إلى غير رجعة.
قلناها أيضاً: إن ما يجري في المخيمات الفلسطينية في سوريا هو جزء من مؤامرة دولية كبيرة ترعاها الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاؤهما وبمشاركة أدوات محلية بهدف شطب المخيمات الفلسطينية من على الوجود، فهذه المخيمات هي الشاهد الأساسي على النكبة الفلسطينية وهي الرمز الحي للتمسك بحق العودة، لذلك المطلوب إزاحتها من طريق تمرير التسوية الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، وإلى تمزيق الوطن العربي إلى دويلات محتربة فيما بينها: دويلات طائفية، مذهبية، إثنية وغيرها.
بوادر المؤامرة بدأت مبكراً، منذ أرادت الأونروا تغيير اسمها، وتتالت بحصارها ماليًّا، وبإصرار الكونجرس الأميركي على تكليف وزارة الخارجية الأميركية بإنجاز دراسة عن عدد اللاجئين الفلسطينيين الحقيقيين، فاللاجئ من وجهة نظر واشنطن هو الذي غادر فلسطين في عام 1948، ولا ينطبق ذلك على أولاده وأحفاده ممن ولدوا خارج أرضهم ( هؤلاء في معظمهم توفوا ).
استمرت المؤامرة باختراع تعبير”اللاجئين اليهود من الدول العربية” واستمرت بفضل واقع اقتصادي حياتي بالغ السوء والتضييق على الفلسطينيين بمنعهم من العمل في أكثر من (70) مهنة، بهدف دفعهم إلى الهجرة في الوقت الذي افتتحت فيه سفارات الدول الغربية أبوابها أمامهم، وهذا ما حصل لعشرات الآلاف!على الطريق أيضاً أتت قضية اللاجئين الفلسطينيين في العراق ومن ثم في مخيم نهر البارد، والآن في مخيمات سوريا وأولها مخيم اليرموك وعلى الطريق:باقي المخيمات الأخرى، تستمر المؤامرة في الدعوات المتتالية لتوطين الفلسطينيين في أماكن مختلفة من الوطن العربي والعالم. آن الأوان لتحرك فاعل من منظمة التحرير الفلسطينية وحكومتي رام الله وغزة لرفع الظلم عن أبناء شعبنا فما يحصل لهم هو جريمة بحق شعبنا وامتنا.