مخطط إضعاف روسيا من الخاصرة الأوكرانية .. هل ينجح؟
ليست المرة الاولى التي تدخل فيها أوكرانيا مرحلة “الخيار الصعب”، فمنذ الاستقلال عن الاتحاد السوفياتي في العام 1991، مرّ هذا البلد الاوروبي بالعديد من الخضات والانقسامات الداخلية بين مؤيد للشراكة مع روسيا وراغب بالتوجه نحو أوروبا.
الانقسامات التي ظهرت كان أخطر مؤشراتها في العام 1997 بعد توقيع كييف اتفاقية صداقة مع موسكو اثار وقتها حفيظة اوروبا، استمرت في العام 2004 تحت عنوان “الثورة البرتقالية” التي اندلعت عقب فوز “فيكتور يانكوفيتش” بالانتخابات الرئاسية وهو ما لم تستغله اوروبا والولايات المتحدة الامريكية. ويجمع العالم اليوم بأن ما تعيشه اوكرانيا من تظاهرات وتظاهرات مضادة ليست ببعيدة عن الكباش الروسي – الغربي ، الممتد من اوروبا الى القارة الامريكية، وليس انتهاء بالشرق الاوسط.
الموقع والاهمية
وبالاضافة الى الكباش السياسي ، فان نظرة سريعة الى موقع اوكرانيا يمكن أن توضح أهم جوانب الصراع الدائر على اراضيها.
اوكرانيا هي ثاني اكبر دول اوروبا الشرقية، تحدها روسيا من الشرق وبين الدولتين حدود مشتركة تمتد على طول 1576 كيلومتر، وبيلاروسيا من الشمال، وبولندا وسلوفاكيا والمجر من الغرب، اضافة الى رومانيا ومولدوفيا الى الجنوب الغربي والبحر الاسود وبحر آزوف الى الجنوب.
يعيش في اوكرانيا 46 مليون نسمة، بينهم 77,8% من اصل اوكراني مع اقليات كبيرة من الروس والبيلاروس والرومانيين. والجدير بالذكر انه ومنذ انهيار الاتحاد السوفياتي تمتلك اوكرانيا ثاني أكبر جيش في اوروبا بعد روسيا.
ونظرا الى هذه الاهمية الجغرافية لاوكرانيا، اعتبر الدبلوماسي الروسي السابق والخبير بالشؤون الاستراتيجية فيتسلاف ماتوزوف في حديث لموقع المنار أنَّ الدول الغربية دائما تنظر الى منطقة اوروبا الشرقية كمنطقة توسع فيها قدراتها العسكرية لمواجهة روسيا الفدرالية، على اعتبار أن اوكرانيا من وجهة نظر الصراع بين الغرب وروسيا كانت أفضل مكان ومركز لقوى حلف شمال الاطلسي.
وبالاستناد الى الموقع الجغرافي المميز لاوكرانيا، فاننا نرى أيضا ان دول اوروبا الشرقية ومنها “المانيا ، بلغاريا ، تشيكيا ، بولونيا ، رومانيا ، وسلوفاكيا” تمتد على طول جبهة الالتماس بين اوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي سابقا، وهو ما يثير اطماع الولايات المتحدة الامركية، التي تقوم بنشر صواريخها وقواعدها العسكرية والرادارات والدرع الصاروخي بهدف التقدم الى الشرق أكثر فاكثر، وحشر روسيا في منطقة جغرافية ضيقة نسبيا”.
اللعب على الوتر الديني لضرب أوكرانيا
المحاولات الغربية بتشديد الضغط على روسيا عبر اوكرانيا، واثارة الانقسامات الداخلية ساهم فيها التنوع الديني والثقافي في اوكرانيا. ويقول ماتوزوف ان الغرب يستفيد من التنوع الديني الموجود في المناطق الاوكرانية القريبة من حدود اوروبا الشرقية ، فهي كلها مناطق مختلطة بالاديان “مسيحيين كاثوليك اقرب الى الدين المسيطر في بولونيا”، وهناك جزء من الاورثوذكس الموالين للفاتيكان، فمما لا شك فيه ان هذا التنوع والتشكيل الديني ملائم لاي عمل تقسيمي من الداخل، وهو الذي اعطى المفتاح للولايات المتحدة الامريكية لمواجهة روسيا عبر اوكرانيا وتأجيج الصراعات”.
وتبرز صحة هذه النظرية من حيث أن الغالبية الساحقة للمتظاهرين الموجودين في ميدان الاستقلال في كييف هم من الاقاليم والمدن الغربية التي كانت تابعة تاريخيا الى ما كان يُعرف بالمملكة البولندية وليس القيصرية الروسية وقتها.
الامن الاقتصادي .. وأمن الطاقة
اضافة الى أهميتها الجغرافية ، فان اوكرانيا تدرك جيدا اهميتها الاقتصادية في القارة الاوروبية. ويرى متابعون لهذا الملف أن رفض الرئيس الاوكراني لاتفاقية الشراكة مع الاتحاد الاوروبي لم تأتِ عن عبث ، لان الشراكة في الاتحاد بحسب المتابعين ستكون في البداية تحت صيغة “التعاون” على غرار علاقة الاتحاد الاوروبي مع المغرب او الجزائر ، وهذا سيعود بخسائر على الاقتصاد الاوكراني بحسب هؤلاء المتابعين بحوالي 160 مليار يورو، عدا عن سماح كييف للدول الاوروبية بالتدخل في شؤونها الداخلية.
وتعزو المصادر هذه الخسائر في حال الشراكة مع اوروبا الى خسارة اوكرانيا السوق الروسية وانقطاع العلاقات مع موسكو التي تعتبر أكبر سوق لتصريف المنتوج الزراعي الاوكراني على اعتبار أن اوروبا لديها زراعتها الخاصة وهي ليست بحاجة للمنتوج الاوكراني.
واذا ما نظرنا الى العلاقات بين روسيا واوكرانيا اليوم، نجد أنَّ الحدود مفتوحة بين البلدين ولا وجود للجمارك، كما أن هناك عدداً كبيراً من المصانع الروسية على الاراضي الاوكرانية وبالتالي فان الاقتصاد الاوكراني سيتأثر بشكل كبير جداً.
عدا عن ذلك فاننا نرى أن موسكو تزود الاتحاد الاوروبي بـ30% من حاجاته من الغاز عبر انابيب تمر باوكرانيا التي تستفيد من أموال نقل هذا الغاز.
وهنا نعود مرة اخرى الى الدبلوماسي الروسي فيتسلاف ماتوزوف الذي أكد أن هذا الترابط الاقتصادي بين موسكو وكييف يمنع قطع العلاقات بين الدولتين على الرغم من دفع الولايات المتحدة اموال ضخمة لدعم اي معارضة في اوكرانيا.
وقال ماتوزوف ان قنوات تلفزيونية روسية عرضت صورا للسيناتور في الكونغرس الامريكي جون ماكين بعد وصوله الى اوكرانيا قبل ايام هو وفريقه الدبلوماسي وهم ينقلون ثمانية حقائب محملة بالاموال.
واضاف ماتوزوف انه بعد ان نزل الفريق الدبلوماسي من الطائرة وضعوا حقيبة واحدة في السيارة الدبلوماسية فيما نقلت سبع حقائب عبر سيارة تحمل لوحة اوكرانية الى ميدان الاستقلال في كييف لتوزع على المتظاهرين الذين اتوا من المناطق الغربية.
الغرب يضغط على روسيا من بوابة اوكرانيا … والاخيرة تدرك أن أمنها القومي بالشراكة مع موسكو
الحراك الشعبي الذي تشهده اوكرانيا اليوم مدعوم اوروبيا وامريكيا، والوقائع والارقام لا تترك مكانا للشك كما يرى متابعون، فالمعركة معركة للسيطرة على ممرات الغاز والنفط والعالم.
فبعد خسارة واشنطن لحربها في سوريا ، وعجزها عن السيطرة على واحد من أهم ممرات النفط والغاز من الخليج الى البحر المتوسط ومنه الى اوروبا والمحيط الاطلسي، تسعى اليوم الى السيطرة على اوكرانيا وعلى طريق الغاز ونقل الطاقة الى اوروبا ، ومنها الى امريكا ، وذلك بهدف ضمان مصالحها وتعريض روسيا لخسائر كبيرة على الصعد السياسية والعسكرية ، وصولا الى اضعاف نفوذها.
وبالعودة الى اوكرانيا، فان هذا الهجوم اذا استمر عليها فانه من الممكن ان تنقسم “ثلث” تابع لاوروبا و”ثلثين” الى روسيا.
موقع قناة المنار – حسين سمّور