محنة قادة أميركا: الشيخوخة نموذجاً
موقع قناة الميادين-
منذر سليمان:
مع اقتراب الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة والتوقعات بخسارة الحزب الديمقراطي الأغلبية في الكونغرس، يبرز صراع ثلاثي الأبعاد على قيادة الحزب، ولكن أطراف هذا الصراع كلهم من كبار السن.
قبل بدء سباق الانتخابات النصفية المقبلة، نهاية العام الحالي، يسود شبه إجماع على أن الحزب الديمقراطي سيُمنى بخسارة أغلبيته في مجلسي الكونغرس لصالح منافسه الحزب الجمهوري. إذن، ما العمل؟
بنية الحزب الديمقراطي الراهنة تنطوي على 3 تيارات متصارعة؛ التيار التقليدي الأول بزعامة الرئيس الأسبق باراك أوباما، وامتداداً الرئيس جو بايدن، والتيار المؤسّساتي المؤثر بزعامة هيلاري وبيل كلينتون، مقابل تيار ليبرالي ضئيل التمثيل، بزعامة المرشح الرئاسي الأسبق بيرني ساندرز.
التيار المؤسّساتي، “آل كلينتون”، يشحذ قواه للعودة بقوة إلى الواجهة “متسلحاً” ببيانات تدنّي شعبية كل من الرئيس بايدن ونائبته كمالا هاريس، إلى نسبة 33%، نتائج استطلاع أُجري في الـ 12 من الشهر الحالي، وما يعتبره وجود “فراغ قيادي” في قمة الحزب الديمقراطي، بسبب تعثّر الرئيس بايدن وبروز عوارض الشيخوخة في تصرفاته، ومن غير المرجّح أن تتوافر لديه القدرة على تحمّل تبعات حملة انتخابية قاسية، وقد دخل عتبة الثمانين من عمره، خصوصاً أمام تجدّد عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى حلبة السباق، كما يرجّح.
وهبّت صحيفة المال والأعمال “وول ستريت جورنال” للترويج العلني لعودة هيلاري كلينتون إلى السباق الرئاسي، في 2024، منوّهة بشدة بـ”خبرتها الطويلة كزعيمة وطنية، وهي أصغر من الرئيس بايدن وباستطاعتها طرح مسار وخيارات مختلفة عمّا نراه راهناً من الفوضى القيادية وتدنّي مستوى الأداء الذي يواجهه الحزب”، (11 كانون الثاني/يناير 2022).
الرئيس جو بايدن في وضع فريد لا يُحسد عليه راهناً، وخصوصاً لإقراره الشهر الماضي بأن توحيد الولايات المتحدة “هو أحد أصعب الأمور”. كما أنه “على وشك خسارة معركتين كبيرتين من اختياره؛ فمن النادر أن يكون رئيس على خلاف مع الجمهوريين والديمقراطيين المعتدلين والديموقراطيين الليبراليين في الوقت نفسه”، بشأن رفض المحكمة العليا لخطة الإدارة بإلزامية التلقيح لموظفي الشركات الكبرى، بحسب موقع “آكسيوس”، في الـ14 من كانون الثاني/يناير 2022.
كما أن الحالة الصحية والقدرة الذهنية للرئيس بايدن تعانيان من مظاهر الإعياء، وهو الأكبر سناً من كل من سبقه من رؤساء؛ فقد تعثر وسقط ثلاث مرات متتالية عند صعوده سلّم الطائرة الرئاسية، في آذار/مارس 2021، والارتباك المتتالي خلال ظهوره إعلامياً وهو ليس في كامل “لياقته الصحية والذهنية”.
وكذلك ما تناولته صحيفة “نيويورك بوست”، في كانون الأول/ديسمبر 2021، تحت عنوان “قصص بايدن المختلَقة”، تشير فيها إلى “تغييره لتفاصيل وشخوص سردياته بصورة تدعو إلى القلق”، خصوصاً زعمه لعب دور الوسيط بين “غولدا مائير والحكومة المصرية” خلال عدوان عام 1967، إذ كان طالباً في سنته الأخيرة في كلية الحقوق في تلك الأثناء. كما أشارت إلى “حالة النعاس” التي بدت عليه خلال لقائه في البيت الأبيض مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، كدليل آخر على تردّي حالته الصحية والذهنية.
من الجائز القول إن سلوك الرئيس بايدن يوازي في محطات عديدة “تقلبات” الرئيس السابق دونالد ترامب، في بُعد إدارة الملفات، وأبرزها الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، وما تلاه من إعلان “حلف أوكوس” الذي أثار غضب فرنسا، الحليف الرئيسي للسياسة الأميركية، وما رافقه من استدعاء باريس لسفيرها لدى واشنطن ومن ثمّ عودته لاحقاً بعد تدخّل مباشر من الرئيس بايدن.
لعل إدارة الملف النووي الإيراني كانت الأشد تعبيراً عن تخبّط الإدارة وبلبلتها، خصوصاً بعد توجيه وسائل الإعلام الأميركية التهم للبيت الأبيض بمفاجأة إيران رفع سقف مطالبها في مفاوضات فيينا، بعد تردّد إدارة الرئيس بايدن في العودة والالتزام ببنود الاتفاق. وتضيف تلك المصادر أن الرئيس بايدن “يجد نفسه في مأزق حقيقي مع مطلع 2022، وخصوصاً أن إيران اقتربت كثيراً من بلوغ العتبة النووية”.
خسارة الحزب الديمقراطي لأغلبيته في مجلسي الشيوخ والنواب، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” المحافظة، ستضع أجندة الرئيس بايدن في غرفة الإنعاش، وتفتح باب الصراع على قيادة الحزب، وستحفّز هيلاري كلينتون على الاستناد إلى تلك الخسارة كمنصة انطلاق لمنصب الرئاسة وتعزيز موقعها كـ”مرشح للتغيير”.
مهّدت السيدة كلينتون لمسعاها الراهن بجملة تصريحات وخطوات تؤشر على نيتها خوض السباق الرئاسي كمرشحة عن الحزب الديمقراطي، منها تحذيرها من خسارة حزبها للأغلبية الراهنة في الكونغرس نتيجة “عدم القدرة على تحقيق البرامج المطروحة، ولا نلمس نشاطاً في البيت البيض يمكننا التعويل عليه كصوت عاقل ورصين، مستقر ومنتج”، مقابلة مع شبكة “أم أس أن بي سي”، في الـ30 من كانون الأول/ديسمبر 2021.
سياسياً، لا تزال السيدة كلينتون وما تمثّله من قوى نافذة في هيكلية الحزب الديمقراطي تعامل التيار “الليبرالي” داخل الحزب باستخفاف وتسفيه، محذّرة من عواقب “استمرار الحزب الديمقراطي في تحالفه مع التيار التقدمي”، ومناشدة قياداته “رفض المواقف اليسارية المتشددة التي تعزل قطاعات أساسية من الناخبين”.
من بين الذرائع التي قد تساعد السيدة كلينتون على تجديد ترشيحها حالة التردّي والارتباك التي يعاني منها الرئيس بايدن، في أعقاب فشل مشروعه الطموح لترميم البنى التحتية وبرامج الرعاية الصحية والتعليمية، وفشله أيضاً في تمرير بنود مشروعه الأحدث لإصلاح قانون حق التصويت، والذي كان سيسهم في توسيع قاعدة الناخبين الديمقراطيين.
تقدّم السياسيين في العمر مسألة تقلق علماء الاجتماع الذين أعربوا عن خشيتهم من قدرة الفرد على التحكم في زمام الأمور بعد بلوغه عتبة الـ70 عاماً. فالدراسات المتوافرة تشير إلى تراجع قدرة “رؤساء الشركات” على استيعاب القدر الهائل من المعلومات طردياً مع تقدّم العمر.
فالرئيس بايدن دخل عامه الثمانين، ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي بلغت الـ81 عاماً، وهي تعدّ في المرتبة الثانية دستورياً لتولّي الرئاسة، وزعيم الأغلبية لدى الديمقراطيين في مجلس النواب، ستيني هوير، يبلغ من العمر 82 عاماً. أما في مجلس الشيوخ، فرئيس المجلس عن الحزب الديمقراطي، تشاك شومر، تعدّى 71 عاماً، والسيناتور بيرني ساندرز بلغ 80 عاماً. أما زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، فقد بلغ 79 عاماً.
في البعد الاستراتيجي وصراع القوى العالمية، تُعتبر السيدة كلينتون، 74 عاماً، من أخلص أنصار الحرب الباردة وأبرز المعادين لروسيا والصين، ما يُكسبها دعم وتأييد “مجمّع الكونغرس الصناعي المالي العسكري”، كما يُعرف حديثاً.
بيد أن طموح السيدة كلينتون وطريقها إلى الرئاسة ليسا معبّدين بالورود، كما تزعم مراكز القوى الرئيسية، خصوصاً لمحدودية شعبيتها وتردّي مستويات تأييدها داخل قواعد الحزب الديمقراطي نفسه.
وردّت يومية “بوسطن هيرالد” الليبرالية على طرح السيدة كلينتون كمرشحة للرئاسة، بأنها ليست الخيار الأفضل للحزب الديمقراطي، “كما أن (الرئيس) جو بايدن ونائبته كمالا هاريس ليسا من المفضّلين.” وختمت بالقول إن خيار كلينتون يُعدّ “حلماً مروّعاً”، (“بوسطن هيرالد”، الـ14 من كانون الثاني/يناير 2022).