محمود الزهار: ثمة جهات كثيرة نقدم إليها الشكر وفي مقدمتها إيران التي قدمت الدعم العسكري والسياسي والمادي
صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
محمد فؤاد:
على أنقاض بيته المدمر في الحرب الأخيرة على غزة، جلسنا مع القيادي في حركة «حماس»، محمود الزهار، لفتح الملفات المتراكمة بعد الحرب. وجب الحديث عن قبول المفاوضات المباشرة مع الاحتلال، والموقف من المصالحة والمشاركة في الانتخابات المقبلة، وليس أخيراً محاور الإقليم المتنازعة وموقع «حماس» منها
■ ما موقفكم مما أثاره أحد أعضاء المكتب السياسي في الحركة بشأن المفاوضات المباشرة مع إسرائيل وإمكانية فعل «حماس» ذلك مستقبلاً؟
هذه خدعة كبيرة استخدمها الإعلام، وهي غير صحيحة. لا نفاوض إسرائيل مباشرة مع أنه لا يوجد مانع شرعي أو سياسي من ذلك، لكن سياستنا عكس ذلك. من كان يفعل ذلك هو أبو مازن (محمود عباس)، وهو أيضاً إن ساعدنا في التفاوض غير المباشر مع الاحتلال خلال مباحثات وقف النار في القاهرة، فإننا لم نخوله أن يفاوض إسرائيل على برنامج سياسي ولا على حدود عام 67، ولا على أي شيء آخر. عباس كان يفاوض لرفع الحصار وفي القضايا الإنسانية كإدخال المواد والبضائع إلى غزة.
حتى يكون الأمر واضحاً نحن قلنا لعباس اذهب فاوض كيفما تشاء حتى لا يتهمنا بأننا نضع العصا في دولاب مشروعه، لكنه لا يتحدث باسمنا ولم نوافق على مشروعه.
■ إذن، ماذا كان يعني موسى أبو مرزوق في حديثه عن المفاوضات المباشرة؟
هو عنى أنه إذا لم يؤدّ أبو مازن دوره على أكمل وجه في المفاوضات حول القضايا الإنسانية، فإننا سنبحث عن وسيط آخر يفاوض إسرائيل مباشرة. من الممكن الحديث مع جهة عربية أو دولية كالأمم المتحدة ليفاوضوا إسرائيل في القضايا الإنسانية، وليست السياسية.
الدليل على ذلك أنه في صفقة «جلعاد شاليط» فاوض الإيرلنديون إسرائيل مباشرة، كذلك تدخلت مصر وألمانيا، وكانوا أداة تفاوضنا المباشرة، أمّا نحن فلا نجلس مع إسرائيل، مع أننا نصر على اختيار جهات معينة للتفاوض أكثر من غيرها.
بشأن غضب قيادات «فتح» من حديث أبو مرزوق، هو يعود إلى مشكلة حركتهم التي ترى أنها الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين، برغم أنها فقدت شرعيتها الانتخابية والشعبية أيضاً.
■ كيف تردون على تحميل أبو مازن إياكم مسؤولية احتكار قراري الحرب والسلم، ووجود حكومة ظل في غزة؟
قرار السلم أخذته «فتح» عام 1992 ولم تستشر فيه أحداً. أخيراً، من أخذ قرار الحرب هو إسرائيل، فهل يعقل أن نشاوره في قرار الدفاع عن أنفسنا. من قبله كان أبو عمار (ياسر عرفات) وهو أيضاً لم يشاور أحداً في السلام، ما يعني أننا لا نملك قرار سلم وحرب لنتخذه.
بشأن حكومة الظل هو (عباس) يخترع المصطلحات ليغطي على إخفاق الحكومة الحالية، وإلا فعليه أن يقول لنا من هم وزراء «الظل» ومن رئيسها؟ أعطيناه حكومة التوافق، وأصرّ على أن يجعل أغلب أعضائها من «فتح»، فضلاً عن أنه يريد من «حماس» أن تدفع رواتب غزة، وهذه هي النتيجة.
■ الخيارات البديلة هي …
الخيارات البديلة في حال استمرار إخفاق الحكومة أنه لا بد من بديل، كأن تجلس الفصائل وتناقش الخيارات الأخرى. الجبهتان الشعبية والديموقراطية طلبتا تشكيل حكومة وحدة وطنية وأقرّتا بضعف هذه الحكومة، وإلى ذلك الوقت سندرس هذا الخيار.
■ لكنكم توافقتم على أن يكون عباس رئيساً توافقياً للشعب؟
محمود عباس ليس رئيساً توافقياً ولا شرعياً، وبقي رئيساً للأمر الواقع. تعاملنا معه على أنه رئيس انتخب قبلنا بعام، وقد أعطيناه نصف الحكومة في اتفاق مكة عام 2006، لكنه أراد أن ينقلب علينا وحرض على قلتنا، لذلك فقد شرعيته منذ 2005، وهو لا يمثلنا سياسياً. يكفي أنه صاحب برنامج فشل بعد 22 عاماً، و«دكانته السياسية» أفلست، فذهب إلى مهاجمة الآخرين. في المقابل، «حماس» نجحت في مواجهة العدوان خلال السنوات التي أعقبت انسحاب الاحتلال من غزة عام 2005، وحققت معادلات الانتصار في هذه المواجهات.
قد يقولون إننا (حماس) خسرنا شرعيتنا أيضاً، لذلك نحن جاهزون للانتخابات دائماً ولا نخافها. المفروض أن تجرى الانتخابات بعد ستة أشهر من تشكيل الحكومة، لكن عباس يرفض الانتخابات، ومعلوماتنا تؤكد أنه لا يريد إجراءها خوفاً من نتائجها.
■ في ظل أزمة الشرعية، لماذا لم تفعّل منظمة التحرير على أن تكون إطاراً مرجعياً لجميع القوى؟
برنامج المنظمة ليس برنامجنا، وإن كنا نريد أن نحافظ عليها كإطار سياسي، لكننا لو دخلنا سنغير هذا البرنامج. القصة بالنسبة إلينا ليست دخول المنظمة، بل تغيير برنامجها، لأن اتفاق أوسلو الذي تبنته المنظمة «خمّارة سياسية» حولتها «حماس» إلى برنامج مقاومة.
■ أين صارت اللجنة خماسية التي شكلتها «فتح» لمقابلتكم، وعلى ماذا ستتفقون؟
ليس لدي معلومات بشأن الموعد والمكان بعد، لكن المباحثات ستتطرق إلى الحديث عن كيفية تطبيق رفع الحصار عن غزة.
■ كنتم تتحدثون عن لجنة وطنية لمتابعة الإعمار…
لم نشكلها بعد لأننا لو فعلنا ذلك فسيقولون إن هذا التفاف على حكومة التوافق التي يجب أن تتحمل مسؤوليتها وأن تدفع الرواتب وتنفذ مشاريع الإعمار.
■ هل تخشى «حماس» مقايضة الإعمار بسلاحها؟
لا نخشى ذلك مطلقاً، وسلاح المقاومة غير قابل للمسّ، لا في الحديث ولا في الميدان، هذا موقف جميع الفلسطينيين، وكلهم يرفضون الحديث عن سحب سلاح المقاومة.
■ القيادي في «فتح» عزام الأحمد قال إنه لن يدخل «ملّيم» واحد ولن يفتح معبر رفح إلا بدخول السلطة الشرعية إلى غزة، ما موقفكم من هذا الشرط؟
المشكلة أن «فتح» تعتبر نفسها شرعية لأن الجهات الدولية، وفي مقدمتها أميركا وإسرائيل ترغب في منحها هذه الشرعية والمنصب المجاني بدلاً من الحكومة التي قاومت المشروع الإسرائيلي. عن معبر رفح، هناك قراران: عربي من جامعة الدول العربية، وإسلامي من منظمة المؤتمر الإسلامي، اتخذا عام 2006، ويدعوان إلى ضرورة رفع الحصار عن غزة وفتح المعابر، لكن التغيرات السياسية في مصر نهاية 2013 أدت إلى إغلاق المعبر بصورة تخالف الناحية القانونية.
كنا قد قلنا سابقاً إنه لا يوجد لدينا مانع من أن يأتي حرس الرئيس، لكن هناك «خربطة» سياسية، فحرس الرئيس عليه أن يحرس الرئيس، وحرس الحدود هو الموكل بالمعابر التي توجد فيها هيئات مدنية مثل الزراعة والصحة وغيرها. تقديري أن الهدف من ذلك أن يجنوا أموالاً كما كان الحال مع رجال الأمن الذين عملوا في المعابر إبّان عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، والمشكلة أيضاً أنهم ليسوا على دراية بما سيفعلون إزاء هذه المعابر، وأيضاً في ما يخص التعامل مع العاملين فيها.
■ ماذا حل بموعد استئناف المفاوضات غير المباشرة في القاهرة؟
لهذه اللحظة لم نبلغ بشيء، لكن الاتفاق نص على أن تكون العودة إلى القاهرة في غضون شهر بغرض تثبيت التهدئة والبحث في الأمور العالقة كالحدود والأميال البحرية والإعمار. بالمناسبة، إن وقف إطلاق النار مستمر، وليست مدته شهراً، لكن إن اعتدى الاحتلال فسنرد عليه. أما الميناء والمطار، ففي تصوري يجب ألا نأخذ إذن الاحتلال لبنائهما، لأنه وفقاً لاتفاق أوسلو، كان هناك مطار دمرته إسرائيل عام 2000. إن قررنا داخلياً أن نبني مطاراً واعتدت عليه إسرائيل، فسنضرب مطارها.
أيضاً كان هناك قرار لبناء ميناء، لكن الخلاف على مكان بنائه، لذلك يمكن أن يبنى في أي مكان في القطاع ضمن قرار فلسطيني، وكذلك فإن موافقة إسرائيل لن تعنينا هنا، لأننا دفعنا ثمنهما (المطار والميناء) في اتفاق أوسلو باعتراف المنظمة بإسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني.
■ ما أهمية دور الجمهورية الإيرانية في دعم المقاومة في غزة، ولماذا كان شكر حماس لها على استحياء؟
لم نقل لأحد شكراً، ولم نوزع جوائز على أحد بعد الحرب. الناس يعرفون من وقف معنا ومن كان في برنامجنا. البعض شكر قطر وتركيا لموقفهما من الأزمة الأخيرة أثناء العدوان. لكن إن أردنا الحديث عن برنامج المقاومة، فثمة جهات كثيرة نقدم إليها الشكر، وفي مقدمتها إيران التي قدمت الدعم العسكري والسياسي والمادي طوال المرحلة الماضية. لن أرد على الحديث عن وقف التمويل الإيراني لـ«حماس» بعد أزمة سوريا، لأن المستفيد هو إسرائيل. صحيح أن هناك افتراقاً خفيفاً بعد أحداث سوريا التي حافظنا فيها على الوقوف بحياد، لكن كان علينا بعد الخروج من دمشق أن نتوجه إلى بيروت، فهناك شعب فلسطيني يمكن أن تعيش وسطه وأن تؤطر لبرنامج حقيقي بالتنسيق مع الجهات الموجودة هناك. أما لماذا لم نذهب إلى بيروت؟، فيجب سؤال الذين ذهبوا إلى الدوحة ولم يذهبوا إلى لبنان.
رغم ذلك، من يعتقد أن التوجه إلى قطر يعني أن «حماس» ضد إيران، فهذا ليس صحيحاً. اللعب في محاور الدول مدمر، لذلك يجب أن تكون علاقتنا بسوريا وإيران وكل الدول طيبة.
■ هل نفهم أنكم مع إعادة العلاقات مع دمشق؟
لا يوجد بيننا وبين مكونات سوريا خصومة، فلقد كنا ضيوفاً هناك ضمن برنامج مقاومة ترعاه الدولة المضيفة. غادرنا لأنه زجّ بنا في هذه الإشكالات. أؤكد أننا ضد أي نشاط للفلسطينيين في مخيم اليرموك أو غيره، لأن معركتنا ضد إسرائيل فقط.
■ وعن العلاقة مع القاهرة…
لسنا معنيين في دخول عراك سياسي أو عسكري مع مصر، وكل ما ادعي علينا كان كذباً، ولا يوجد دليل واحد على المزاعم بشأن قتل الجنود في رفح. كل التهم كانت لربطنا مع إخوان مصر ووصفهم على أنهم إرهابيون، لهذا نرحب بإعادة العلاقة مع مصر.
محمود الزهار اسم لمع جيداً في سماء «حماس»، رغم أنه خرج في الانتخابات الداخلية الأخيرة من المكتب السياسي للحركة. قدّم نجله حسام شهيداً خلال الانتفاضة الثانية، ويصفه المقربون منه بأنه رأس تيار الصقور وصمام الأمان لبقاء الحركة على النهج العسكري. كان قد شارك في حكومة إسماعيل هنية عام 2006 وزيراً للخارجية.