محطة من طعم آخر
موقع إنباء الإخباري ـ
ماجدة ريا:
بينما أنا أقلّب محطّات التلفاز، لأتابع تغطية الوقفة التضامنية مع ضاحية الإباء، ومن اهتم بتلك الحشود الغفيرة من الناس التي حجّت إلى الضاحية من كل المناطق، من كل الأطياف، من كل المذاهب والطوائف، من انتماءات حزبية مختلفة ومتنوعة، وكان الجامع العلم اللبناني الذي التف حوله الجميع، تحت راية كلنا للوطن، والضاحية هي عنوان العزة في هذا الوطن… فجأة مرّت أمامي إحدى المحطّات، وهي من لون آخر، من طعم آخر، من كوكب آخر.
منذ زمن بعيد كنت قد حذفت اسمها وذكرها، لكي أبعد التّلوث عن أذني، ولكن لا أعرف لماذا قررت أن اتوقف عندها للحظات، وأستمع إلى بداية النشرة الإخبارية، بل ربما أعرف، أريد أن أتابع تغطيتها لما حدث ويحدث في الضاحية، خاصة بعد الخطاب الأخير لسماحة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في ذكرى انتصار 2006 وطريقة تعاطيها مع كل ما يجري.
الحدث ليس كأي حدث، فهو الثاني من نوعه خلال شهر، والأول من حيث الآثار، عشرات الشهداء والجرحى، دمار كبير.. الحدث مؤلم جداً، ولكن نحن شعب المقاومة ولدنا من رحم الألم فصنعنا من آلامنا عزة وانتصارات، وكلما نزف الدم كلما ارتفعت الرايات خفّاقة إلى أعلى، لأن دماءنا، هي دماء الطهر والنبل والشرف والعزة والكرامة…
ليس هذا تحزباً أو عنصرية، لأن الذين نزفت دماؤهم استشهاداً أو جراحات، والمتضررين، لا يجمعهم سوى هوية واحدة، هي أنهم ينتمون إلى شعب المقاومة، أنهم أعداء لإسرائيل، وهذا الذي يعطيهم كل ذلك الترف في العبارات، لا بل العبارات لا تكفي لمن وصفهم سيد المقاومة بأنّهم أشرف الناس.
ومن جرحنا النازف صنعنا نصراً جديداً على جبنهم، وانعدام الإنسانية فيهم، هؤلاء الذين يفجّرون الأبرياء، العريس ليلة زفافه، والطفل في حضن أمه، والطبيب في عيادته.. هؤلاء الذين يقتلون الآمنين في بيوتهم، ويروّعون المدنيين لأي سبب كان، وكيف إذا كان هذا السبب هو أنهم أهل المقاومة، نعم انتصرنا عليهم بالتفافنا حول الوطن، ونبذنا لهم لأنهم حثالة لا تستحق الحياة.
كنت أنظر إلى المذيعة وقد بدا لي أنّها خرجت لتوها من أحد المدافن، وهي تركز على أحد الأخبار المهمة بالنسبة لمحطتهم “المحترمة”، فالرعب يملأ قلوبهم وليس قلوبنا، رغم أن الإجرام ينبع من مسارهم، بينما نحن نتّقي الله في كل ما نفعل، وخبرها يقول “حزب الله يقوم مكان الدولة”، يقيم الحواجز، يفتش الناس، ويظهر تفوقاً في أدائه الأمني.
يا للعجب! لعلها تريد أن تقول حزب الله يخطىء بحماية الناس، يجب أن يتركهم لمصيرهم الذي يحدّده لهم هؤلاء المجرمين السفلة القتلة!.
في الحقيقة، لا أستطيع وصف الشعور الذي تملكني وأنا أراها تركز من بين كل تلك الأحداث على هذا الأمر، بل هو اللا شعور، وقد ارتسمت على شفاهي وفي عينيّ ابتسامة سخرية باردة، وقلبي يردّد: إنها الضاحية أيها الأغبياء، تلك التي هزمت إسرائيل بكبريائها وعنفوانها، وهي الآن تشمخ عالياً وتنظر إلى ضعفائكم بازدراء، لا يريدون أن يدركوا أن ما نواجههم به منذ بداية طعناتهم لنا، منذ حرب تموز وما قبل وما بعد، إنما هو الصبر الجميل.
ولكننا نقول: إحذروا الحليم إذا غضب، فغضبه ليس كأي غضب.