محطات الإعلام.. سَكبُ الزيت على نار الشارع
لسنا في وارد تصنيف الشاشات التلفزيونية عبر اعتماد “الرايتنغ”، ولا تصنيف المُتابعين لها سياسياً، بل نحن نعتمد ما يراه كل لبناني مناسباً لدخول بيته عبر الشاشة، ومدى مواءمة إعلامها مع قناعاته، وحجم القدرة الذاتية لديه على تحمُّل نمطية الأخبار مع “بهارات”، وصياح المُراسلين من الشارع، وتلك الشراكة العلنية في صناعة الحدث وصياغة الخبر، ولعل أكثر من متظاهر فضح هذه الشراكة مع بعض المحطات عندما قال: “نزلتُ الآن بناء لطلبكم”، بما يعني، أن ماكينة تشغيل الشارع تعمل، ووسائل التواصل الإجتماعي كافة جاهزة لإستدعاء “الإحتياط” متى كان الإقبال ضعيفاً، بصرف النظر عن نوعية وقيمة “شوفة الخاطر”، للبعض ممَّن اعتلوا التحركات المطلبية العادلة بهدف تنفيذ المظالم بحق الناس، سواء عبر قطع الطرقات أو عبر تدمير وإحراق الممتلكات العامة والخاصة.
في بداية الحراك الشعبي، كانت بعض وسائل الإعلام تضبط أعصاب المتظاهرين المُنفعلين عن الكلام النابي من سُباب وشتائم، لكنها للأسف انغمست في الشارع وباتت الهواء المفتوح لكل الكلام، المناسب منه والغير مقبول بعض الأحيان، والشاشة التي تدخل عُقر بيوت الناس، باتت وسيلة النقل من عُقر الشوارع، للمُستحبّ من الكلام والمكروه منه، ولم تعُد ناقلة الخبر دون أن تسكُب الزيت على نار الفوضى التي لا تُنتِج سوى المزيد من الفلتان، وعلى الإطارات المشتعلة المزيد من ملوِّثات الدُّخان.
ما حصل خلال التحركات في اليومين الماضيين، نقتطف منه مشهديتين، الأولى لطالب مدرسة يشكو أمام الكاميرا أن جهازاً أمنياً ضبطه على محطة وقود يشتري كمية من البنزين ليستخدمها في إشعال الإطارات للمُطالبة بحقِّه في التعلُّم، والثانية لشابٍ يتوجَّه الى الناس القابعين في منازلهم بوجوب النزول الى الشارع، والمطالبة بإطلاق سراح شُبَّان معتقلين، ولم تخلُ دعوة هذا الشاب من ألفاظ جارحة بحقّ كل مَن لا ينزِل الى الشارع !
نحن لا ندعو الى قيام “المدينة الفاضلة”، والمواطن المُلتزِم منزله، أو الذي ما زال يعمل لإعالة أسرته، ليس أفضل حالاً على المستوى المعيشي من الذين يصرخون في الشارع ولكن، هذا المواطن يرفض أن يكون كما إطار سيارة جاهز للتشعيل، ما دامت التحركات مُخترقة، سواء عبر وسائل إعلام باعت نفسها للشيطان، أو عبر أشخاص يُنفِّذون احيانا عبر قطع الطرقات على الناس قرارات الغرف السوداء سواء كانت خارجية أو داخلية.
اذا كانت الشاشة هي الضيف الذي يفرض نفسه على الأسرة اللبنانية في المنزل، فحبذا في غياب القوة الردعية القانوية الرسمية، والعجز عن كبح جماح المحطات المُتهوِّرة، أن نردع أنفسنا عن مُتابعة ما هو غير مُفيد، وما هو خطير على مستوى إيذاء أدبياتنا، الإنسانية والدينية والمدنية، وأن نُتابع الخبر المنقول إلينا بنزاهة وصدق عبر الوسائل الإعلامية التي تحترم رسالتها وتحترم المُتلقِّي، وكفانا نكون الوقود لمحطات العمالة في سوق البازار السياسي والإعلامي…