محاولات واشنطن لمنع محاكمتها على جرائمها
صحيفة الوطن السورية-
تحسين الحلبي:
كشفت المراسلة في موقع أخبار قناة «سي إن إن» الأميركية هاميتا كاور في 14 حزيران الجاري تحت عنوان: «كيف سلطت المكتبة الجديدة الأضواء على الحرب الأميركية السرية في لاوس، وجاء في مقالها: إن «الجيش الأميركي أسقط على لاوس منذ عام 1964 حتى عام 1973 بموجب وثائق أميركية أكثر من مليوني طن من القنابل والقذائف أثناء الحرب الأميركية على فيتنام بشكل زاد عما أسقطه من قنابل على ألمانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية فأصبحت لاوس لوحدها الأرض التاريخية التي تحملت كل هذا الحجم».
وتبين أن سبب القصف هو تدمير خطوط الإمداد التي تستخدمها القوات الفيتنامية الثورية بين لاوس وفيتنام التي كانت تقاتل الجيش الأميركي على الأرض الفيتنامية، واستشهدت كاور بالكاتبة الأميركية جيسيكا بيرس روتوندي التي جمعت حقائق كثيرة تثبت أن وكالة المخابرات الأميركية «سي إي إي» قادت حرب القصف هذه على أراضي لاوس ولم تعترف واشنطن بما دمره هذا القصف إلا في عام 2016 حين زار الرئيس الأميركي باراك أوباما لاوس وقرر منحها مبلغ 90 مليون دولار خلال ثلاثة أشهر لترميم نتائج هذا القصف ونزع ما خلفه من قنابل وألغام داخل حدود لاوس.
يبدو أن معظم دول العالم في القارات الأربع: أميركا اللاتينية وآسيا وأوروبا وإفريقيا، لم تنج من قصف أميركي منذ القرن الماضي بسبب التدخل العسكري والمشاركة بالحروب الاستعمارية الإمبريالية في العالم، والمستغرب أن الولايات المتحدة فرضت على من حاربتهم ودمرت بلادهم وقتلت الكثيرين من أفراد شعوبهم التحالف معها حتى بعد كل الجرائم التي ارتكبتها بشعوبهم فها هي اليابان وكوريا الجنوبية في آسيا بل لاوس نفسها ودول كثيرة تخضع لشروط التحالف مع واشنطن التي دمرت بلدانها وتستخدمها في تدخل عسكري ضد دول أخرى مناهضة لهيمنة الولايات المتحدة وسياساتها الإمبريالية فحين ضربت الولايات المتحدة اليابان بقنبلتين نوويتين عام 1945 فرضت عليها عدم التعاون أو التحالف مع أي دولة إلا بموافقتها وهو نفس ما فرضته على ألمانيا الغربية بعد عام 1945 فالإدارات الأميركية تدرك أن أي فراغ تتركه في مثل هذه الدول ستجري تعبئته إما بالمحافظة على الاستقلال والسيادة وإما بالتحالف مع دول مناهضة للهيمنة والسيطرة الأميركية ويكشف السجل التاريخي السياسي للتطورات منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية أن الولايات المتحدة ما تزال تنتهك سيادة واستقلال هذه الدول بل الدول الاستعمارية الأخرى التي وقفت إلى جانبها مثل فرنسا وبريطانيا في الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا ولم يستطع الوقوف في وجهها ويحافظ على استقلاله وسيادته ويتحدى سياساتها الامبريالية سوى دول مثل كوبا وفيتنام وفنزويلا وسورية وإيران وكوريا الشمالية والجزائر وجنوب إفريقيا والمكسيك والبرازيل في عصرنا هذا ودول كبرى مثل روسيا والصين والهند، ويرى معظم المحللين المناهضين للهيمنة الأميركية أن الولايات المتحدة تدرك أن تزايد قدرات القطب العالمي الذي يجابه الولايات المتحدة سيعرضها لمواجهة محاكمة عالمية على الجرائم البشرية التي ارتكبتها طوال القرن الماضي والقرن الواحد والعشرين فالولايات المتحدة لم تقدم أي اعتذار رسمي حتى لو بمستوى سفير أميركي في اليابان على استخدام أول قنبلتين نوويتين في تاريخ البشرية ضد اليابان وبالمقابل ترفض الولايات المتحدة الإقرار بأي تعويضات على ما ارتكبته من جرائم ومذابح في قتل المدنيين طوال حروبها الإمبريالية وهي تدرك أن سيطرتها على الأمم المتحدة بالقوة والإكراه هي التي تحول دون محاكمتها أمام العالم وبموجب القوانين نفسها التي تزعم أنها تلتزم بها ولذلك تحاول الإدارات الأميركية بشكل مستميت أن تتجنب أي عوامل ضعف تفرضها عليها أي هزيمة وتعمل دوماً على امتصاص الهزائم بالمزيد من الحروب كي لا تتمكن دول العالم من تقديمها لمحاكمة دولية وهي لهذا السبب أيضاً تحاول دوما الالتفاف على السياسات الدولية بإطلاق اتهامات وتهديدات ضد دول أخرى وتزعم أنها خرقت حقوق الإنسان أو ارتكبت جرائم حرب لإرهاب الجميع ومنع الدول المناهضة لسياساتها من حشد الدول الضحايا لجرائمها الملموسة والموصوفة ضدها أمام هذا العالم.
ومن المؤكد أن سجل جرائم الحرب الأميركية ضد معظم شعوب العالم خلال قرنين من الزمان لن تمحوه الشعوب من ذاكرتها وستظل تستند إلى هذه الذاكرة من أجل تحقيق العدالة التي دأبت الولايات المتحدة على انتهاكها.