مجموعة البريكس ودورها في العالم المعاصر
موقع العهد الإخباري ـ
صوفيا ـ جورج حداد:
تميزت السنوات العشر الاولى من القرن الواحد والعشرين بالنمو السريع لاقتصادات البلدان المتطورة، التي من جهتها حفزت المزيد من تنمية الاقتصاد العالمي والمجتمع الدولي.
وبين مختلف البلدان ذات الاقتصادات المتطورة، تميزت بلدان مجموعة البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب افريقيا) بنمو اقتصادي غير مسبوق، اتاح لهذه المجموعة ان تشغل موقعا قياديا في العالم. وفي هذا الصدد يصبح من الواضح اكثر فأكثر واقع التأثير المتزايد لبلدان البريكس على التطور اللاحق لإدارة مجريات المسارات العالمية.
ويصف السفير فوق العادة لروسيا الاتحادية في جمهورية الصين الشعبية س. رازوف مجموعة البريكس بما يلي: ” ان روسيا، التي كانت رائدة في تأسيس مجموعة بريكس، تنظر اليها ليس فقط كعامل هام في تشجيع توسيع الشراكة المتعددة الابعاد مع الصين، الهند، البرازيل وجنوب افريقيا، ولكن ايضا كأداة لدعم صيغ متعددة الاطراف في السياسة الدولية، وتسريع عملية تشكيل نظام أكثر توازنا لإدارة الاقتصاد العالمي… وأنا مقتنع ان التطوير اللاحق للحوار بين بلداننا الخمسة سوف يساعد على صياغة نهج مقاربات منسقة لبلداننا نحو القضايا الاكثر إلحاحا في العلاقات الدولية والتنمية العالمية، وكذلك توطيد دور الدول المشاركة في البريكس في تشكيل جدول اعمال للقضايا العالمية”.
اما سفير البرازيل ك. هوغوينيي فيصف البريكس كما يلي: “منذ لحظة تأسيسها تطورت بريكس بسرعة نحو عقد اجتماعات دورية بغرض تحقيق التعاون والتضامن بين اقتصادات البلدان المتطورة. وهذا الشكل من الاتصالات قدم للبلدان الخمسة امكانيات جديدة لتبادل الافكار ليس فقط حول دورها في النظام العالمي المعاصر، ولكن ايضا فيما يتعلق بخصائصها الوطنية والسياسة المتبعة من قبلها… وهكذا فإن تبادل الافكار بين ممثلي السلطات الرسمية، وأوساط العلماء والمجموعات المدنية للبرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب افريقيا، يمثل مساهمة لا تقدر بثمن من اجل التفهم المتبادل للدول الخمس، ما يسهل تبادل التجارب فيما بينها، واستخلاص الدروس التاريخية الصحيحة”.
اما سفير الهند س. جايشانكار فيصف موقفه من بريكس بما يلي: “منذ الاجتماع الاول لبلدان البريكس توسعت دائرة المسائل التي نوقشت، وهي تشمل الان ليس فقط الموضوعات الاقتصادية، ذات المصلحة المتبادلة، وانما ايضا القضايا العالمية الملحة: الارهاب الدولي، اسلحة الدمار الشامل، تبدلات المناخ، الامن الغذائي والطاقوي، وكذلك الوضع الدولي في حقل الاقتصاد والمالية… الى جانب ذلك، فإن بلدان البريكس تتشارك في المواقف من عدد من المسائل، المطروحة للبحث في “مجموعة العشرين”، بما في ذلك إصلاح مؤسسات بريتون وودز (اي الامم المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي)، والقضايا التجارية الحمائية، وسياسة ملتقى الدوحة وتطويرها”.
اما سفير جنوب افريقيا ب. لانغا فقال: “ان جنوب افريقيا تتصرف بوصفها دولة جديدة ـ عضوةً في البريكس، وبهذه الصفة فهي على استعداد تام للمشاركة الفعالة في بناء نظام عالمي عادل، ديمقراطي ومتعدد الاقطاب. وفي هذه العملية فإن تشكيل البريكس يظهر بوصفه احدى اهم نتائج التنمية المعاصرة المتعددة الجوانب، وهو يقدم بشكل اساسي للاقتصادات المتطورة لدوله امكانية تشكيل منتدى مشترك للتوصل الى اهداف موحدة… وبانتسابها الى البريكس، فإن جنوب افريقيا تهدف الى رفع التعاون القائم مع الصين، الهند، روسيا والبرازيل الى مستوى نوعي جديد واستراتيجي”.
وهذه الشهادات تؤكد وجود آمال كبيرة في تقوية دور البريكس كما على النطاق العالمي، كذلك على المستوى الاقليمي، ما يدل على القدرات الهامة لهذا المنتدى.
ونعود الى بداية تشكيل البريكس. من وجهة نظر فلسفية، فإن ظهور تسمية بريكس (BRICS) يبدو في الوقت ذاته ضرورة (حتمية) وصدفة. فقد تم اقتراح هذا الاسم لاول مرة منذ عشر سنوات من قبل جيم اونيل (Jim O’Neill) رئيس احد اكبر البنوك التجارية في العالم “غولدمان ساكس” (Goldman Sachs). ففي 20 تشرين الثاني 2001 اعطى تعريفا لهذه العبارة في تقرير عن نتائج دراسة حول الاقتصاد العالمي، نشره بنك “غولدمان ساكس”، وكان عنوانه “العالم يحتاج الى المزيد من “اطواب القرميد” (bricks) الاقتصادية” («The World Needs Better Economic BRICs»). وقد عمد المؤلف الى التلاعب بتعبير BRIC الشبيه بالتعبير الانكليزي brick ويعني “طوبة قرميد”. وبهذه الصورة، فلدى وصف التطور السريع المحتمل للنمو الاقتصادي، الذي يمكن ان تحققه في المستقبل البرازيل، روسيا، الهند والصين، فإن جيم اونيل هو اول من استعمل هذا التعبير.
ومن ثم علينا الملاحظة ان فكرة توحيد البلدان الاربعة (البرازيل، روسيا، الهند والصين) في عبارة واحدة كانت في حد ذاتها فكرة شجاعة وبعيدة النظر: فبالرغم من الاختلافات، التاريخية، الجغرافية، الثقافية، الدينية، اللغوية ووجهة النظر العالمية، لكل من البرازيل، روسيا، الهند والصين، فإنها ترتبط بكونها بلدانا ذات تطور اقتصادي سريع، وتمتلك تطلعا مشتركا نحو نظام عالمي اكثر عدالة. اما في اللغة الصينية فإن العبارة تعني “البلاد المبنية من سبائك الذهب”.
ومن المثير للاهتمام ان التقرير المذكور آنفا يقول ان البرازيل هي “قاعدة العالم للمواد الخام”، وإن روسيا هي ” محطة بنزين العالم”، وإن الهند هي “مكتب قرطاسية العالم”، وإن الصين هي “فبركة العالم”.
وجاء في تقرير “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية” لسنة 1997 انه في سنة 2020 ستبلغ حصة الدول المتقدمة في النظام الاقتصادي العالمي 3/1، في حين ان حصة الدول المتطورة ستبلغ 3/2. وفي الوقت ذاته فإن الناتج المحلي القائم للبرازيل، روسيا، الهند والصين سيبلغ 3/1 من الناتج المحلي القائم للعالم.
في سنة 2000 نشر “مجلس المخابرات القومي” (The National Intelligence Council) الاميركي تقريرا بعنوان ” التوجهات العالمية حتى سنة 2015: حوار حول المستقبل مع خبراء غير حكوميين” («Global Trends 2015: A Dialogue About the Future with Nongovernmental Experts») . ويؤكد التقرير انه، انطلاقا من مجموع القدرة الشرائية، فإن مؤشرات الناتج المحلي القائم للبلدان المتطورة الاربعة ستتضاعف مرتين، وستسجل نجاحا خاصا كل من الصين والهند.
وفي تشرين الاول 2003 اصدر جيم اونيل وفريقه بحثا علميا بعنوان “حلم البريك: الطريق نحو 2050” («Dreaming with BRICs: The Path to 2050») . ووردت في هذا البحث الفرضية الشجاعة انه حتى سنة 2050 فإن البرازيل، روسيا، الهند والصين سوف تتحول الى قاطرة للاقتصاد العالمي بأسره. وبناءً على هذه الدراسة يمكن التأكيد انه فيما يتعلق بحجم الناتج المحلي القائم فإن البرازيل سوف تتجاوز ايطاليا سنة 2025، وفرنسا في سنة 2031. وروسيا سوف تتجاوز بريطانيا سنة 2027 والمانيا في سنة 2028. والهند سوف تتجاوز اليابان سنة 2032. وفي الختام من المحتمل جدا ان الصين سوف تتجاوز الولايات المتحدة الاميركية في سنة 2041 وتصبح الدولة الاقتصادية الاعظم في العالم.
وتتضمن هذه الدراسة ايضا التوقع انه في سنة 2050 فإن هذه البلدان الاربعة سوف تضم 40% من سكان العالم ومن الناتج المحلي القائم، الذي سيبلغ 14 تريليون دولار.
وبالاضافة الى ذلك ففي سنة 2041 فإن مجموع مؤشرات الناتج المحلي القائم للدول الاربع سوف يتفوق على المؤشرات المطابقة لدى الدول الصناعية الاكبر، وهي: اميركا، بريطانيا، فرنسا، المانيا، اليابان وايطاليا (اي “السبعة الكبار” القائدة في العالم باستثناء كندا). وهذا يعني انه في سنة 2050 ستتم اعادة هيكلة الاقتصاد العالمي وتبديل مراكز النفوذ العالمي. وسيصبح ترتيب الدول العملاقة اقتصاديا كما يلي: الصين، اميركا، الهند، اليابان، البرازيل وروسيا (ومن اللافت للنظر هنا انه تدخل في هذا الترتيب جميع الدول الاعضاء في البريك). وينتج عن ذلك ان دول البريك لديها جميع الخلفيات الضرورية لتكوين كتلة اقتصادية ثابتة ومتينة، وبالتالي اخذ عَلَم الاولوية من الدول “السبعة الكبار” الحالية.
وفي سنة 2005 نشر بنك “غولدمان ساكس” تقريرا عالميا جديدا بعنوان “كم هي متينة دول البريك” BRICs») the («How Solidare.
وفي هذا التقرير يوجد مراجعة واعادة ترتيب للافكار المعروضة في تقرير سنة 2003. وجاء فيه ان الصين سوف تتجاوز الولايات المتحدة سنة 2040، اي قبل سنة من التوقع السابق. في حين ان الهند ستتجاوز اليابان ليس في 2032 بل في سنة 2033.
ولكن يبقى ان الاستنتاج الرئيسي في هذا التقرير هو، وبنتيجة التحليل الموسع والعميق، حول تنامي التأثير الاقتصادي للبلدان المتطورة الاربعة في السوق العالمي. ويحسب جيم اونيل وفريقه فإن دول البريك سوف تزيد نموها الاقتصادي من 20% في سنة 2003 الى 40% في سنة 2025. وخلال هذه المدة فإن حصة هذه البلدان في الهيكل الاقتصادي العالمي سوف ترتفع من 10% سنة 2004 الى 20% سنة 2025. وبالاضافة الى ذلك فإنه في الفترة بين 2005 حتى 2015 فإن اكثر من 800 مليون شخص في البرازيل، روسيا، الهند والصين سوف يتجاوز دخلهم الشهري عتبة 3000 دولار.
وحسب معطيات المؤسسة الاقتصادية لدى اكاديمية العلوم الاجتماعية في جمهورية الصين الشعبية فإنه، وحتى انضمام جمهورية جنوب افريقيا الى مجموعة البريك سنة 2011، فإن المساحة الاجمالية للدول المتطورة الاربع كانت تبلغ 26% من اجمالي مساحة الكرة الارضية، وكان اجمالي عدد سكانها 42% من سكان العالم. وهذه الارقام هي شهادة ساطعة على انه في خلال العقود القريبة القادمة فإن الدول المشاركة في مجموعة البريك سوف تمتلك قوى انتاجية هائلة، هي غير متاحة للدول المتقدمة في اوروبا واميركا. وبالرغم من انه سنة 2001 فإن الناتج المحلي القائم للبرازيل، روسيا، الهند والصين كان يمثل فقط نسبة 7.8% من اجمالي الناتج المحلي القائم العالمي، فإن وتيرة النمو الاقتصادي لهذه البلدان سمحت لها مؤخرا وفي وقت وجيز ان تتقدم على اوروبا واميركا وان تحتل مركز الطليعة في النمو الاقتصادي العالمي. وينطبق ذلك بوجه خاص على الصين التي حققت في السنوات الاخيرة معدلات مثيرة للاعجاب في النمو الاقتصادي.
وهكذا فإن عبار “بريك” (BRIC) التي اقترحها جيم اونيل سنة 2001، تبدو ليس فقط كمركب من الاحرف الاولى لاسماء البلدان الاربعة المعنية، بل ويتضمن في الوقت نفسه قاعدة بحثية علمية غنية، كما يمثل ايضا مؤشرا الى توجه محدد في النمو للامكانيات الاقتصادية الهائلة للبلدان الاربعة المعنية.
حتى سنة 2011 كانت المجموعة تحمل الاسم المركب “بريك” (BRIC)، (الذي يتضمن الاحرف الاولى لاسماء الدول الاربع باللغات الاوروبية، ولكن، بعد انضمام جمهورية جنوب افريقيا الى “البريك” في 18 شباط 2011 بدأت المجموعة تحمل اسم “بريكس” (باضافة الحرف الاول من اسم جنوب افريقيا).
وهذه العبارة تستخدم للاشارة الى مجموعة البلدان، التي سيؤمن نموها النهضة المستقبلية للاقتصاد العالمي وخاصة لاسواق الاسهم.
وحسب المعطيات الواردة في تقرير صندوق النقد الدولي بعنوان “آفاق نمو الاقتصاد العالمي” («World Economic Outlook») فإن معدلات نمو روسيا، الهند والصين سنة 2011 كانت على التوالي (4،1%، 7،4% و 9،2%). وهو ما يزيد على متوسط النمو الاقتصادي العالمي الذي بلغ 3،8% اما البرازيل وجنوب افريقيا، فإن معدل نموهما كان اقل بقليل من متوسط النمو العالمي. وهكذا فإن دول البريكس تحقق معدلات نمو متقدمة لا تستطيع ان تجاريها فيها مجموعات دولية اخرى (وبالاخص دول الاتحاد الاوروبي)، وهذا يدل على الاهمية الكبرى لدول البريكس بوصفها عاملا قياديا في النمو الاقتصادي العالمي.
وبصرف النظر عن الاختلافات الملموسة في المستويات الاقتصادية والتطور الاجتماعي، فإن دول البريكس يوحدها طموح جماعي نحو انشاء نظام عادل في العلاقات الدولية، يأخذ في الاعتبار على قدم المساواة المصالح التاريخية للبلدان المتقدمة والبلدان النامية، كبيرها وصغيرها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل