متى يحرر الثوار الجولان ؟
فيصل الأشمر:
منذ منتصف الأربعينات حتى أوائل التسعينات من القرن الماضي، تواجهت القوتان العظميان، وقتها، الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي – السابق – في حرب غير معلنة، استمرت حتى نهاية الاتحاد السوفياتي في العام 1991، لتنفرد الولايات المتحدة بكونها القوة العظمى الوحيدة.
أغنت الحرب الباردة القوتين العظميين عن الدخول في مواجهة ساخنة بينهما، تكلفهما خسائر عظمى في الأرواح والممتلكات فيما لو نشبت بينهما حرب “كلاسيكية” تدفعهما إلى استعمال مخزونهما من السلاح النووي أو غيره من السلاح الفتاك.
فالحرب الباردة وسيلة من وسائل المواجهة بين دولتين، أو أكثر، لتفادي المواجهة المباشرة حين لا تسمح الظروف والوقائع بمثل هذه المواجهة.
وعلى الرغم من أن هذا الصراع بين الدولتين لم يكن صراعاً عقائدياً في الدرجة الأولى، ولا صراعاً حول أراضٍ متنازع عليها، فإنه يمكن تشبيه الحرب الباردة بينهما بالوضع القائم بين سوريا والكيان الصهيوني منذ نهاية حرب تشرين 1973 من بعض النواحي.
فبعد انتهاء الحرب بين العدو الإسرائيلي من جهة ومصر وسوريا من جهة أخرى، وقعت سوريا والعدو اتفاقية فك الاشتباك في 31 أيار 1974 في جنيف بحضور ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية. ومنذ ذلك التاريخ لم تقع أية معركة حدودية بين البلدين ولم تحاول سوريا القيام بأية عملية عسكرية لاستعادة أراضيها المحتلة في الجولان.
وقد دفع وقف العمليات العسكرية السورية على جبهة الجولان الكثير من أنصار ومؤيدي السلام مع العدو، لا مؤيدي تحرير فلسطين والأراضي العربية المحتلة، إلى انتقاد سوريا، بمناسبة أو من دونها، على إبقائها جبهة الجولان هادئة، وعلى عدم قيامها بالعمل العسكري الذي يحرر هذه المنطقة المحتلة من العدو.
ربما لو جاء الانتقاد أو اللوم من شخصيات مناضلة معادية للعدو الإسرائيلي لكان لما يقولونه مبرراً، ولقلنا إن انتقادهم يأتي من باب الغيرة على فلسطين والأمة. لكن أن يأتي من أناس في نية كل واحد منهم ما شاء وما شاء مشغلوه من نيات سيئة فهذا مما يثير العجب.
يعلم هؤلاء أن الأعمال العسكرية تحتاج، للحصول على النتيجة المرجوة منها، إلى مقدمات لا تشمل فقط العتاد والسلاح، وإنما تشمل، في زماننا هذا، بالإضافة إلى العتاد والسلاح، الظروف الدولية والوقائع الإقليمية.
لكن سوريا، المحتلة أرضها من العدو الإسرائيلي، لم ترضَ يوماً بهذا الاحتلال، ولم يذهب من بال مسؤوليها ومواطنيها همّ التحرير، ولم تجنح للسلم مع العدو كما فعل غيرها من الدول العربية، التي وقعت على اتفاقات سلام مهينة لها، وما تزال تنتظر الظروف المناسبة لتحرير الجولان وربما أكثر.
يمكن للدولة السورية أن توافق على قطع علاقاتها لا نقول بإيران، إنما فقط بحزب الله وحركات المقاومة الفلسطينية لتتحقق لها استعادة أراضيها المحتلة وفوقها حبة مسك. مع ضمان أميركي بوقف الاعمال العدوانية عليها من قبل الإرهابيين المرتزقة ومن قبل من خلفهم من الدول. وأكثر من ذلك، مع وعد عالمي بإعادة بناء كل ما تهدم من مبانٍ ومنشآت وبنى تحتية سورية خسرتها الدولة بسبب هذا العدوان.
ثم، لنفترض أن الدولة السورية نسيت الجولان المحتل، أو تركت التفكير في تحريره، فماذا فعل “ثوار سوريا” الذين سيطروا على المناطق الحدودية بين سوريا والجولان المحتل، لتحرير هذه المنطقة من العدو؟ أوليسوا سوريين أحراراً، وطنيين، عرباً مسلمين، أهل جهاد ونضال؟ أولم يكن أحد شعارات ثورتهم تحرير الجولان منددين بالنظام الذي هادن إسرائيل وتخلى عن الأرض والعرض؟ أم أنهم يخجلون من محاربة من يدعمهم بطائراته عند الضرورة ويعالجهم في مستشفياته عند الضرورة، ويزودهم بالسلاح عند الضرورة؟
إن تبدل مواقف “الثورة” بهذا الشكل الهائل يبرر ضرورة استعادة نظرية المؤامرة في كل ما حصل ويحصل وسيحصل من حراك “ثوري” على الأرض السورية.