متى يتعظ الأمريكيون ويتوقفون عن استعباد العالم؟!
صحيفة الوفاق الإيرانية-
إبراهيم شعبان:
قبل حوالي عشرين عاما، غزت القوات الأمريكية أفغانستان والعراق في ردة فعل غبية وساذجة لمهاجمة برجي التجارة التوأم في نيويورك. وروج المحافظون الجدد لهذا الغزو بترويج دعاية مقيتة وقصص مزيفة بان العالم يكرههم ويحقد على نجاحهم، تارة بحجة حماية حركة طالبان لبن لادن في أفغانستان، وتارة أخرى بحجة حيازة اسلحة الدمار الشامل عند صدام في العراق.
وها هم الآن يغادرون أفغانستان مذلولين مهزومين مجبرين، وسيغادرون العراق مرغمين منسحبين في نهاية هذا العام ولا أستبعد ان يغادروا سوريا وشمالها في وقت قريب. فأين كانت عقولهم ومنطقهم التبريرية للغزو والإستعباد قبل عقدين من الزمان، واين كانت عيونهم المبصرة وعقولهم الإلكترونية في ظلام الغطرسة والظلم؟! ألم يقرأوا كتب التاريخ، ألم يقرأوا تاريخهم أنفسهم وكتبهم، الا يفيقوا من سباتهم ويتركوا الشعوب تقرر مصيرها بنفسها وتسيطر على أموالها وتنتخب حكامها. الا يوجد من يحاسب، كيف تورطت الإدارة الأمريكية بشن حروب عدوانية صرفت فيها الترليونات وآلاف الأرواح، وكأن شيئا لم يكن..!
ليس هذا فقط، بل سبقه إرث ورثه الأمريكيون من البريطانيين، الذين كانت الشمس لا تغيب عن أراضيهم بعد الحرب العالمية الثانية، وقبلوه مسرورين وطبقوه بكل رضى بصورة أو بأخرى، ورفضوا نصيحة الأجداد المؤسسين وقيمهم المتمثلة بالحريات والحقوق الفردية التي صاغوها في اول دستور في العالم ثم داسوها ومزقوها، وعدم التدخل في شؤون الآخرين، وحرب أمريكية أهلية انتهت بصلح بين الشمال والجنوب. ذهبوا لكوريا وانهزموا، غزوا فيتنام وخرجوا مطأطئي الرؤوس مذلولين ولم يتعلموا الدرس ويبدو أنهم سائرون في غيهم ولن يتعلموا درس التاريخ. اين الفلاسفة والمؤرخون والمحللون والعقلاء من كل هذه الجرائم الدولية سواء أكانت جرائم حرب أو ضد الإنسانية أو العدوان؟
متى يتعلم ويعي الأمريكيون أن الحوار والتفاهم وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى أساس العلاقات الدولية وأن الإستعمار بكل اشكاله وأنماطه قد أكل عليه الدهر وشرب وحظره ميثاق الأمم. متى يتعلم الأمريكيون ويعون أن احترام حركات التحرر الوطنية أساس الحق في تقرير المصير الملزم دوليا. متى يتعلم الأمريكيون ويعون أن حقوق الإنسان كما صيغت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 أساس احترام الفرد وليس تبعيته وعمالته للجيش الأمريكي أو السفارة الأمريكية. متى تتعلم الإدارة الأمريكية أن تتعامل مع الشعوب وممثليها، وليس مع الأنظمة الشمولية البوليسية الدكتاتورية. متى تتعلم الإدارة الأمريكية أن لا تصغي للحكومة البريطانية التي ما زالت تحن لدورها الإستعماري القديم. متى تتعلم الإدارة الأمريكية أن لا تستعمل المساعدات الإقتصادية لاستعباد دول العالم الثالث، ومتى تعي أن لا تؤيد الإنقلابات العسكرية. متى تتوقف الإدارة الأمريكية عن تأييد دور الشركات الإحتكارية الأمريكية التي تقوم على استغلال الإنسان الأمريكي والأممي.
الشعب الأمريكي شعب ساذج طيب سهل التعامل معه، لا يضمر حقدا للشعوب والأمم الأخرى بل هو خليط من شعوب كثيرة. فكيف تولدت عند إدارته فكرة التسلط والإستعباد للشعوب الأخرى وبخاصة دول العالم الثالث وهو يتمتع بقسط وافر من الحرية الشخصية. أفبعد هذه الهزائم المتكررة في كوريا وفيتنام والسودان وأفغانستان والعراق وسوريا، والإنسحاب المذل لقواته والمتعاونين معه والجواسيس والخونة، ألا يجدر بهم أن يتوقفوا ويفكروا في هذا البلاء ومعرفة اسبابه.
لقد صرف وبددّ الأمريكيون تريليونات الدولارات في حروبهم العقيمة سواء المعلنة في آسيا أو غير المعلنة في أمريكا الجنوبية. ولو أنهم صرفوا هذه التريليونات من الدولارات لصنعوا تنمية حقيقية في هذا العالم، ولصنعوا مزيدا من الأصدقاء بدل هذا الكم من الأعداء. لو صرفوا هذه التريليونات لوفروا جثامين كثيرة منهم ومن المعتدى عليهم، ولوفروا كثيرا من الإصابات والعاهات البشرية والعقد النفسية بل والإنتحار. لو صرفوا هذه التريليونات على تنمية الشعوب بدل المتاجرة بالسلاح لخرج جيل جديد يهتف للأسلوب الأمريكي وللنهج الأمريكي، بدل أن يقضي الأمريكي وقته في اسباب كره العالم للسياسة الأمريكية.
نحن لا نقبل السياسة الأمريكية التي تقوم على التبعية والإستعباد بدل المساواة والوقوف على قدم المساواة وإلا ما قيمة ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 ومعاهدات عدم التمييز لأي سبب كان. وكل من زار أو درس في أمريكا يعي هذه الحقيقة المرة غير القابلة للتفسير والتعليل.
لننظر إلى موقف الإدارة الأمريكية من القضية الفلسطينية على مر العصور إلى يومنا هذا. فماذا قدمت الإدارة الأمريكية سواء أكانت إدارة جمهورية أو ديموقراطية لحل القضية الفلسطينية. إدارات أمريكية متعاقبة ورؤساء أمريكيون من منابت مختلفة اكتفوا بإدارة الصراع دون تقديم حل جوهري للصراع، أي أن الإدارة الأمريكية اكتفت بحبة أسبرو أو أسبرين مؤقت لتخفيف وجع الرأس دون إزالة الوجع. سبعة عقود ونيف مر على بدء الصراع دون حل أمريكي بينما صراعات كثيرة في هذا العالم الرحب الفسيح حلت وانتهت. هي هكذا في تبنيها للسياسة البراغماتية العملية. وقطعا لا أبرئ الفلسطينيين وسلطتهم وفصائلهم من كل خطأ، لكنها الإدارة الأمريكية التي تقوم على الإستعباد والتبعية.
يجب على الإدارة الأمريكية أن تغير سياستها القائمة على التبعية والإستعباد للدول الصغيرة في العالم الثالث، وأن تسن سنة جديدة في سياستها الخارجية قائمة على المساواة بين الدول ومنع التمييز وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى واحترام سيادتها. يجب أن تجد الإدارة الأمريكية في انسحابها المذل من أفغانستان فرصة لتغيير نهجها السياسي فكفاها هزائم، بعد سلسلة من الهزائم المتتالية غير المبررة سوى التبعية والإستعباد.
يجب على الإدارة الأمريكية ان تنفض يديها من الأنظمة السياسية الشمولية الكولونيالية التي تقيم تفرقة عنصرية البوليسية الدكتاتورية وأن لا تؤازرها في سياساتها. حينها سيكثر اصدقاء أمريكا ولا يحقد عليهم أحد ويرغبون بتبني النهج الأمريكي والتبشير به. هل هذا كلام خيالي أخلاقي أم هو تمنٍ حقيقي وليس حلم ليلة صيف..!