مبدأ “التفوّق” الإسرائيلي و”النووي” السعودي… قراءة في المخاوف والخيارات
موقع قناة الميادين-
أيمن الرفاتي:
قد يكون التطبيع بين دولة الاحتلال والسعودية أقرب مما نتصوّر، في ظل ضغوط أميركية تمارسها إدارة الرئيس بايدن على الطرفين، إلا أنّ الثابت أن دولة الاحتلال لن تسمح بكسر قواعد تفوّقها في المنطقة.
في الوقت الذي تتواصل فيه جهود الإدارة الأميركية للوصول إلى اتفاق تطبيع للعلاقات بين دولة الاحتلال الإسرائيلي والمملكة العربية السعودية، أثيرت قضية الملف النووي السعودي كعقبة في وجه الجهود الأميركية؛ في ظل اعتراض من الأولى بأن إعطاء السعوديين هذه الميزة سيكسر قواعد أساسية للأهداف القومية والاستراتيجية للكيان تتمثّل في استمرار تفوّقه على دول المنطقة، ولذلك طُرحت تصوّرات مختلفة تهدف إلى جعل هذا البرنامج السعودي أعرج ومنقوصاً بحيث لا يؤثّر على مبدأ “تفوّق إسرائيل العسكري”، فيما ظهرت مقاربة أخرى لدى نتنياهو تحاول تجاوز التفوّق.
فمنذ إقامة كيان الاحتلال على أرض فلسطين وضع “بن غوريون” عدداً من الأهداف القومية، وصاغ استراتيجيات يجب أن تسير عليها مختلف المستويات في دولة الاحتلال؛ لضمان البقاء والسير بين الأشواك والعقبات، وقد حدّد بن غوريون “مبدأ التفوّق”، وبخاصة على المستويين العسكري والاقتصادي، على رأس الأهداف القومية التي يجب الوصول إليها والحفاظ عليها.
وفي التصوّر الصهيوني لدولة الكيان الكبرى فإنها يجب أن تكون ذات هوية يهودية نقيّة، وتمثّل قوة إقليمية عظمى مهيمنة على منطقة الشرق الأوسط، ويتمّ تحقيق ذلك على عدة مراحل، تبدأ بإنهاء الحروب وتوقيع اتفاقيات سلام والتطبيع مع الدول العربية، وصولاً إلى ترسيم الحدود التي تمّ احتلالها وضمّها عسكرياً في السابق؛ بما يحقّق الأمن الجيوسياسي، عبر عمليات الضم والاستيطان والتهويد طويل الأمد.
وتعمل هذه الاستراتيجية على تحقيق قدرة إسرائيلية للتحكّم في المنطقة، سياسياً واقتصادياً وثقافياً، مع احتفاظ دولة الاحتلال على تفوّق عسكري كمّي ونوعي في المجالين التقليدي وفوق التقليدي على جميع الدول العربية، وبما يُمكّن “إسرائيل” من تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية، وتفعيل سياسة الردع ببعديها النفسي والمادي وفرض إرادتها على المنطقة.
في الملف النووي، لا يزال القلق الإسرائيلي كبيراً جداً من البرنامج النووي الإيراني، وقد شنّت دولة الاحتلال لأجل إفشاله وإحباطه وتدميره الكثير من المحاولات الأمنية والسياسية والضغط الاقتصادي واللعب في الساحة الداخلية لإيران، كما سبق لها وأن أحبطت وأفشلت مشاريع نووية في مهدها لدول عربية مثل العراق وسوريا وليبيا.
إن دولة الاحتلال تعتقد أنه حتى وإن كانت البرامج النووية في المنطقة سلمية إلا أنها ستضرّ بمبدأ تفوّقها الاستراتيجي، ولهذا نجدها ترفض قطعياً امتلاك أي دولة أخرى غيرها لهذا البرنامج الذي يمكن بسهولة أن يتحوّل إلى أداة عسكرية.
ومؤخراً، وُضع الملف النووي السعودي على الطاولة الإسرائيلية، وهو أمر ما كان ليُطرح لولا وجود أهداف استراتيجية أخرى ترى دولة الاحتلال أنه يمكن تحقيقها بما يضمن بقاءها واستمرارها لفترات طويلة في المنطقة، ففي المنظور الاستراتيجي ترى دولة الاحتلال أن التطبيع مع السعودية سيجر وراءه عشرات الدول العربية والإسلامية للتطبيع، وهو ما سيحقّق تغييراً جذرياً في النظرة إليها، ويضمن أن تتحوّل من كيان يُنظر إليه بأنه “سرطاني” إلى كيان طبيعي.
إنّ المقاربة التي يقدّمها نتنياهو، على الرغم من تضمّنها لدوافع شخصية لإظهار نفسه بأنه سيّد الأمن، والرجل الوحيد القادر على الحفاظ على مستقبل الكيان، وجعله قادراً على تجاوز لعنة العقد الثامن، وسعيه لاستخدامها كورقة لمواجهة محاكمته بتهم فساد، تدفع أطرافاً معارضة في المستويين السياسي والأمني للتحذير منها ومن أخطارها المستقبلية.
ولدى المعارضين العديد من المخاوف التي تقلقهم من البرنامج النووي لأي دولة في المنطقة، سواء كانت صديقة أم معادية، وكل هذا يرجع لمنطلقات استراتيجية تتعلق باستمرار تفوّق الكيان وقدرته على تحقيق مبادئ الردع من دون استخدامها، ويمكن ذكر هذه المخاوف كما يلي:
– تتخوّف دولة الاحتلال من تغيُّر أنظمة الحكم في الدول العربية كما حدث في فترة “الربيع العربي”، وتتحسّب لإمكانية سيطرة جهات وطنية معادية لها؛ ما سيجعل البرنامج النووي لهذه الدولة أو تلك ذا طابع عسكريّ يمثّل تهديداً لدولة الاحتلال.
– تتحسّب دولة الاحتلال من أن امتلاك بعض الدول في المنطقة لبرنامج نووي سلمي سيشجّع دولاً أخرى في المنطقة لامتلاك الأمر ذاته، وهو ما سيصعّب من مراقبة أي برنامج سري لتلك الدول للاستفادة منه واستخدامه عسكرياً، أو صنع تعادل عسكري أمام دولة الاحتلال، وهنا يرتكز التخوّف من دول أخرى مثل مصر والجزائر وتركيا التي تتطلّع إلى أن تصبح دولاً نووية خلال السنوات المقبلة.
– الخشية من أن تكون الرقابة على البرنامج النووي السعودي غير كافية، أو أن تكون مقيّدة وغير قادرة على منع تحوّل البرنامج المدني إلى عسكري، استناداً إلى تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي أعلن فيها أن السعودية ستمتلك قنبلة نووية بشكل فوري إذا ما امتلكتها إيران، وهو ما يعني أن فرص حدوث تغيير في الاستخدام أمر وارد وبدرجة كبيرة.
– التخوّف الإسرائيلي من أن الثمن الذي ستدفعه “تل أبيب” مقابل التطبيع سيكون كبيراً، ولن يكون ذا جدوى حقيقية في مقابل أن ما سيجنيه السعوديون أكبر مما يستحقون، ولهذا هناك تساؤل دائم هل حقاً ستلحق الدول الأخرى بركب السعودية في مسار التطبيع، أم أن الثمن الذي ستحصل عليه الرياض سيدفع بقية الدول إلى طلب أو فرض أثمان أخرى على الإدارة الأميركية.
في المحصّلة، قد يكون التطبيع بين دولة الاحتلال والسعودية أقرب مما نتصوّر، في ظل ضغوط أميركية تمارسها إدارة الرئيس بايدن على الطرفين، إلا أنّ الثابت أن دولة الاحتلال لن تسمح بكسر قواعد تفوّقها في المنطقة؛ ولذلك حتى وإن تمت الموافقة على البرنامج النووي السلمي للسعودية فسيكون أعرج، ولن يُسمح بأن تتم إدارته بخبرات سعودية كي لا يتحوّل في يوم من الأيام إلى برنامج عسكري.