مبادرة “الإدارة الذاتية” للحل في سوريا: التوقيت يضرب المصداقية
موقع العهد الإخباري-
محمد عيد:
كعادتها وعند كل مفترق سياسي هام تتحسس فيه رأسها، أطلقت ما تسمى بـ “الإدارة الذاتية” لشمال وشرق سوريا مبادرة قالت إنها تهدف إلى وضع حل سلمي وديمقراطي للأزمة التي تعيشها البلاد. وتشدد المبادرة في بنودها التسعة على وحدة الأراضي السورية والاستعداد للقاء الحكومة السورية والحوار معها ومع جميع الأطراف من أجل التشاور والتباحث لتقديم مبادرات وإيجاد حلول للأزمة.
محللون سياسيون سوريون وجدوا في المبادرة مناسبة لتذكير “الإدارة الذاتية” بأن طروحاتها هذه غالبًا ما كانت تكتيكية وانتهازية ومرتبطة بأزمات أصحاب المشروع الانفصالي مثل الغزو التركي للأراضي السورية التي تسيطر عليها هذه الميليشيات الانفصالية وتهديدات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب غير مرّة بالانسحاب من سوريا فيما يبدو الانفتاح العربي على دمشق اليوم سببًا لإعادة طرح هذه المبادرات مجددًا حتى تتغير الظروف السياسية وتسمح بالخروج منها كما في كل مرة.
سم في الدسم
يرى المحلل السياسي د. علاء الأصفري أن المبادرة التي أطلقتها ما تسمى بـ “الإدارة الذاتية” تحمل في طياتها الكثير من السم المدسوس، وهي تأتي دائمًا عندما يرتجف الانفصاليون من موضوع استعادة سوريا لدورها الإقليمي والعربي بشكل كامل.
وفي حديث خاص بموقع “العهد” الإخباري أشار الأصفري إلى أن “هذه المبادرة تقدم اليوم على ما يبدو بدعم أمريكي لمحاولة الحفاظ على ماء الوجه والانفصاليون يستهلكون نفس التعابير التي يستخدمونها منذ بداية الاحتلال الأمريكي لشرق الفرات عبر عملائهم في “قسد” وغيرها من الانفصاليين، ويكررون نفس الديباجة كل عام لكي يقال عنهم أنهم يقدمون مبادرات”.
وأضاف المحلل السياسي إن “دمشق لا يمكن أن تقبل بحكم ذاتي ولا بانفصال كما حصل في العراق حيث كردستان العراق هي عبارة عن واقع انفصالي تحت مسمى حكم ذاتي”، مشيرًا إلى أن هؤلاء يريدون إضفاء نفس العملية على شرق الفرات، لذلك فإن سوريا لن تسمح بذلك نهائيًا لأسباب عديدة أهمها:
أولًا: وجود الكثير من الاثنيات والأعراق في سوريا ولا يمكن السماح لكل عرق أو مشروع انفصالي أن يحقق ما يسمى حكمًا ذاتيًا تمهيدًا لانفصال كونفيدرالي.
ثانيًا: إن سوريا تريد أن تطرد المحتل الأمريكي والتركي من شمال شرق وشمال غرب البلاد لذلك فإن هذه المبادرات هي عبارة عن مضيعة للوقت.
ثالثًا: لكي يتم احراج دمشق وإخراجها بصورة التصلب وعدم القبول بنقاش مثل هذه المبادرات وهنا يكمن دس السم.
ولفت الأصفري إلى أنه عندما يتم قراءة كل هذه المبادرة، يكتشف المراقبون أنها عبارة عن مصالح انفصالية تحت مظلة الإحتلال الأمريكي لتسويق سرقة محاصيل سوريا الغنية سواء من القمح والقطن ومن الطاقة والنفط الذي يسرق يوميًا بإشراف ورعاية الجيش الأمريكي المحتل.
وشدد على أن دمشق سوف ترفض هذه المبادرة مشيراً إلى أن “غالبية الانفصاليين يأتون من العراق والبشمرغة وغيرها وهم لا يمثلون السوريين بشيء، وهذا واقع مؤقت ويجب أن تطهر تلك الأرض حتى لو تطلب الأمر استعمال القوة لدفن مثل هذه المبادرات التي لا تسمن ولا تغني من جوع والتي تدل على إفلاس انفصاليي قسد وغيرهم في شرق الفرات لأنهم يرتجفون خوفاً من استعادة سوريا تدريجياً مكانتها العربية والإقليمية”.
وختم د. الأصفري حديثه لموقعنا بالتأكيد أن سوريا سوف تكون لاعبًا كبيرًا في الإقليم وعلى مستوى التوازنات السياسية الدولية وهو أمر بات الانفصاليون في شمال شرق البلاد يعونه بشكل جيد.
مبادرة في ظل الاحتلال الأمريكي
من جهته، يرى المحلل السياسي عدي حداوي أن الحكومة السورية منفتحة بطبعها على أية مبادرة سياسية لحل الأزمة في سوريا. وفي حديث خاص بموقع “العهد” الإخباري عاب حداوي على هذه المبادرة وأصحابها عدم وضوح موقفهم من وجود قوات الإحتلال الأمريكي على الأراضي السورية وعدم تضمينها الرغبة في عدم تبني الأفكار الانفصالية رغم الحديث عن وحدة الأراضي السورية.
وأضاف حداوي أن هناك العديد من العوامل التي تجعل دمشق مرتابة ومشككة في نوايا أصحاب هذه المبادرة أهمها إطلاق هذه المبادرة في ظل وجود قوات الإحتلال الأمريكي بمعنى أن القائمين عليها لا يزالون يستقوون به ويضعونه خيارهم الأوحد في حال رفضت دمشق هذه المبادرة.
والعامل الثاني الذي يريب دمشق ويحرك ذاكرتها تجاه مبادرات ما تسمى “الإدارة الذاتية” هو عامل التوقيت الذي غالبًا ما كان يدفع الانفصاليين إلى تقديم مبادرات مشابهة في ظروف مشابهة لا تناسب الانفصاليين، مشددًا على أن كل المبادرات السابقة كانت تطرح في ظروف سياسية لا تخدم المشروع الانفصالي في الشمال الشرقي مثل غزو تركيا لمناطق سيطرة هذه “الإدارة الذاتية” واستنجاد هذه الأخيرة بدمشق وغسل يدها من الوعود التي أطلقتها بعد الغزو وبتنسيق ودعم من قوات الاحتلال الامريكي وكذلك الأمر حين كان الرئيس الأمريكي ترامب يلوح بالانسحاب من سوريا وترك الانفصاليين لمصيرهم كان هؤلاء يطرقون أبواب دمشق مجدداً.
ولفت حداوي إلى أن ما استجد اليوم وجعل الانفصاليين في “الإدارة الذاتية” يطلقون هذه المبادرة مجددًا وبنسخة معدلة قليلًا هو ما يحصل من انفتاح عربي غير مسبوق على دمشق بدليل تزامن طرح هذه المبادرة مع زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى دمشق وللمرة الأولى منذ العام ٢٠١١، مذكّرًا أن أصحاب المشروع الانفصالي في “الإدارة الذاتية” أضاعوا فرصة تاريخية لإثبات حسن نواياهم تجاه شعبهم في سوريا قبل الحكومة حين مارسوا الانتهازية السياسية إلى أبعد مدى واحتكروا ثروات البلاد من نفط وقمح حين كان السوريون يعيشون أزمات الجوع والبرد، مشيرًا إلى أن ذلك يمثل نقطة سوداء في تاريخهم لا يمكن التغافل عنها بسهولة.