ما هي الدروس من حرب المدن.. وحروب إسرائيل على غزة؟
موقع الخنادق-
زينب عقيل:
إنه أحد أكثر سيناريوهات القتال تعقيدًا. لسنوات، آمن المسؤولون الإسرائيليون أنّ الغزو البري الكامل لغزة هو مسألة مكلفة إلى حد خطير، كما أنه ليس مضمونًا أن الغزو سيتمكن من تفكيك حماس. نفس التحديات التي منعت الكيان المؤقت من غزو غزة لم تختفِ. بل إن المقاومة في غزة ازدادت تطورًا على مستوى القدرات واللوجستيات بالتوازي. وعلى الرغم من ذلك، يتوعّد نتنياهو “بسحق وتدمير حماس” من خلال الغزو.
غزة المكتظة بالسكان تزيد من صعوبة المهمة. خاصة أنّ المزاج العام للغزاويين هو احتضان المقاومة. وبالتالي سيتمكن المقاومون من الاختباء في الأزقة والمباني، وسيكون من الصعب تمييزهم. ولذلك، فإن الخطة الاسرائيلية هي تهجير السكان إلى الجنوب، لم يتمكن العدو من تحقيقه حتى الآن. حتى إنّ العديد من المحللين مثل الصحفي الشهير والذي يعتبر رجل صاحب تأثير توماس فريدمان، يعتبرون أنّ حماس تتعمّد جرّ إسرائيل إلى الغزو.
يقول فريدمان: “ما يريده أسوأ أعداء إسرائيل – حماس وإيران – هو أن تغزو إسرائيل غزة وتتورط في تجاوز استراتيجي هناك من شأنه أن يجعل تشابك أمريكا في الفلوجة يبدو وكأنه حفلة عيد ميلاد للأطفال. نحن نتحدث عن قتال من منزل إلى منزل من شأنه أن يقوض أي تعاطف اكتسبته إسرائيل على المسرح العالمي، ويصرف انتباه العالم عن النظام القاتل في طهران ويجبر إسرائيل على توسيع قواتها لاحتلال غزة والضفة الغربية بشكل دائم”.
هذا النوع من المعارك يطلق عليه حرب المدن. وإذا كان القتال في المدينة يدور بين جيش نظامي وبين ما يسمونه ميلشيا،غالبًا ما تحسم هذه المعارك لصالح الميليشيات. وبحسب التجارب التاريخية القريبة في الزمان والمكان، في عام 2004 تمكّن المسلحون العراقيون من الحفاظ على سيطرتهم على الفلوجة في المواجهة مع الجيشين الأمريكي والبريطاني. يقول المحللون إنه من المحتمل أن تستخدم حماس نهجًا مماثلًا في غزة، وسوف يختبؤون في المنازل، ومن المرجح أن يرتدوا ملابس مدنية. ومما يبدو، فإن قوات الاحتلال تعمل على سياسة الأرض المحروقة، وعلى إخلاء المنطقة من المدنيين، من خلال إنذارات الخروج ومخطط التهجير. إلا أنّ تجربة أخرى تاريخية أيضًا وهي قريبة جدًا ولا تزال ماثلة، في عام 2006،عندما أُسقِط الجيش الإسرائيلي في يده في معركة سميت بمجزرة الميركافا. حيث أسقط مقاتلو حزب الله رمز الجيش الإسرائيلي وهي دبابة الميركافا بطرازها المتطور من الجيل الرابع. حينها، كانت حكومة العدو قد أقحمت نحو 130 ألف جندي إسرائيلي في أكبر عملية إنزال عسكري بهدف “الوصول إلى الليطاني”، وتحقيق إنجاز عسكري على الأرض، واعلن جيش الاحتلال أن خمسين مروحية نقلت مئات الجنود إلى جنوب لبنان في أكبر عملية منذ حرب العام 1973، والأضخم في تارخ الكيان المؤقت. كانت الأرض هناك فهلًا محروقة، ولم يكن ثمة مدينيين.
تحت عنوان “دروس من حروب إسرائيل على غزة”، نشرمركز راند مادة تحليلية للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة منذ عام 2009 إلى عام 2014. قالت فيه، إن إسرائيل ظلّت مصدرًا للتعلم غير المباشر للجيش الأمريكي لمدة عقود، وخلُصت في الدروس الاستراتيجية، إلى أنّ القتال يتوقف على نسبة إدراك النجاح، وأن قراءة المشهد في الشرق الأوسط صعبة، خاصة أنّ إسرائيل فشلت في الاستيعاب الجيد، لفكرة كيف ستدفع المعاناة الاقتصادية والضغط السياسي الداخلي حماس إلى التصرف. درس آخر، أنّ إسرائيل عديمة الخبرة في “القتال القانوني”. وعلى الرغم من ذلك تدعم الولايات المتحدة قرارات الحرب الإسرائيلية بشكل مستمر.
أما عن الدروس التقنية والتكتيكية والعملياتية، يقول التقرير إن دقة القوة النارية لها حدود، والدرس الأول يتناول دقة القوة النارية خاصة في منطقة مدنية مأهولة بكثافة، حيث لم تفلح القوة الجوية وحدها في تحقيق النتائج التي يحتاج إليها جيش الاحتلال مثلًا أثناء عملية “الجرف الصامد”. فعلى الرغم من القصف المكثف، خلال الأسبوع الأول، لم تحقق إسرائيل هدفها الاستراتيجي الذي كان “ردع حماس”. وثمة درس آحر، نصح أن حرب الأنفاق تحتاج إلى التطوير المتواصل، في تقنية الكشف عن الأنفاق والقتال داخلها وتدميرها. وأوصى التقرير أخيرًا بـ “فهم العدو”، أي المقاومة الفلسطينية، وهو الأمر الذي لا تزال العنجهية والغطرسة الإسرائيلية تخطئ في تقديره حتى الآن، وكان سببًا رئيسًا في فشلها الاستخباري في التنبؤ أو الإنذار المبكر لطوفان الأقصى.