ما هو مأزق بايدن في الاتفاق مع إيران؟
صحيفة الوفاق الإيرانية-
قاسم عز الدين:
أبعد من مختبر مباحثات فيينا، يعترض صعود إيران، نموذجاً لدول الجنوب، أحلام بايدن المتخيلة بعودة أميركا إلى قيادة العالم، لكنَّ الضغط الأقصى الإيراني يكشف مأزق أميركا في المراهنة على شراء الوقت.
الجولة السادسة من مباحثات “خطة العمل الشاملة” تقطع الشك باليقين بأنَّ ما تسمّيه الإدارة الأميركية “استراتيجية الدبلوماسية القصوى”، هي مراهنة على إدارة الأزمات مع الوقت، لا ترقى إلى مصاف استراتيجية لتحقيق أهداف جيوسياسية حالمة بقرن أميركي آخر.
مبعوث الاتحاد الأوروبي إلى المباحثات أنريك مورا ينقل لـ “واشنطن بوست” “أنَّ الاتفاق النهائي لا يزال بعيد المنال”، وأنَّ لقاءات فيينا وصلت إلى نصف حلّ. أما النصف الآخر، فهو سياسي بحت.
من جهتها، تواصل إيران البحث “بدقّة وحذر”، بحسب المتحدث باسم الخارجية سعيد خطيب زاده، ولا يزال أمام فيينا “الكثير من العمل”، وفق روبرت مالي.
أميركا جاهزة لرفع العقوبات النووية، وهي بمتناول “الصلاحيات الرئاسية” من دون المرور بالكونغرس، كأموال النفط وإجراءات الخزينة الأميركية والعقوبات على الشركات و”الكيانات”، لكن أنتوني بلينكن يطمئن الكونغرس في شهادته أمام مجلس الشيوخ إلى “أن مئات العقوبات ستظلّ سارية، بما فيها عقوبات ترامب”.
وفي هذا الصّدد، تحاول أميركا وأوروبا حلّ الخلافات بشأن وضع أجهزة الطرد المركزي واليورانيوم المخصّب وطريقة تسليم الأموال إلى إيران وطريقة صرفها، فضلاً عن عمل المفتّشين. وبموازاة ذلك، تدفعان إلى أن تتضمّن المسوّدة محادثات لاحقة، بحسب موقع “بوليتيكو”، تتعلّق ببرنامج إيران الصّاروخي وسلوكها في المنطقة، بينما تدفع إيران بتأييد من روسيا والصّين إلى رفع جميع العقوبات، مقابل عودتها الكاملة وفصل الاتفاق النووي عن المسائل الأخرى التي يمكن بحثها في حينها، بما فيها الوجود الأميركي في المنطقة وسلوك الدول الغربية.
هروب بايدن، ومعه أوروبا، من الاتفاق النووي إلى التعويل على ما فشل به “الضغط الأقصى”، ناشئ عن مأزق بايدن في انقسام أميركا وتحلّلها في عقر دارها، وعن مأزق أحلام أميركا وأوروبا في عالم متغير يطوي قيادة أميركا والأطلسي في القرن الواحد والعشرين.
السّلام البارد على شفا حرب باردة مع روسيا والصّين، تعجز أميركا المتحلّلة عن التحكم بمعادلاته، كما تعجز عن التحكم بقواعد الاشتباك، فسلاحها الضّارب الذي يسمّيه بايدن “حقوق الإنسان”، بات كمن يرشق الحجارة في بيت من زجاج داخل أميركا (فشل استراتيجية مكافحة الإرهاب المحلّي)، إضافةً إلى تناثر زجاج “الحلفاء والشركاء” (من فرنسا ماكرون إلى السعودية محمد بن سلمان).
وما يسمّيه بايدن في مقال “واشنطن بوست” (5 حزيران/يونيو) “ديمقراطيات السوق” وتعزيز المؤسسات الديمقراطية مع أوروبا “في التصدي لتحديات الأعداء في العصر الحديث”، تتفوّق فيه آليات سوق الصين في أميركا وأوروبا.
وراء التصويب على روسيا والصين، يستهدف بايدن، في دغدغة أحلام أوروبا، إصابةَ دول الجنوب، للحدّ ما أمكنه ذلك من الزحف الصيني وتغلغل النفوذ الروسي “في الدول النامية”، عبر استراتيجية جيوسياسية مزدوجة:
أ – ما بات يسمى “قضية المناخ”، وهي تستهدف في المقام الأول تعطيل تقنيات دول الجنوب الإنتاجية “المتقادمة”، وإخلاء المكان لسيطرة تقنيات أقل تلويثاً للبيئة، تعجز دول الجنوب عن منافستها، في عملية غزو متكرّر للغزو الصناعي في القرن التاسع عشر.
ب – المراهنة على إنقاذ الشركات الأميركية والأوروبية الكبرى من آثار جائحة كورونا، بالعودة إلى “خطة مارشال” التي سيطرت فيها أميركا على أوروبا إثر “الكساد العظيم”، وهي خطة بايدن في استثمار 40 ألف مليار دولار، “في مبادرة البنية التحتية حول العالم” للسيطرة على ثروات الجنوب والأسواق.
إنَّ معضلة أميركا وأوروبا في الاتفاق مع إيران تتعدّى “خطّة العمل الشاملة” إلى أبعاد استراتيجية جيوسياسية بشأن موقع دول الجنوب في القرن الواحد والعشرين، إذ تتصارع كلّ من أميركا وأوروبا والصين وروسيا على المعادلات والمواقع في خطط 2030 – 2050.
إيران التي تخطّط بدورها لتحقيق أهداف العقدين المقبلين، تأخذ السَّيرَ قدماً نحو نموذج آخر تحتذي به دول الجنوب على الصعيد السياسي والاقتصادي، عبّر عنه المرشح القوي إبراهيم رئيسي، وأساسه الاعتماد على الإنتاج المحلّي والمنشآت الصغيرة والعلاقات العادلة مع الدول المواجهة للسيطرة الأميركية.
التعاون الإيراني مع روسيا والصين تحكمُه العلاقات المتبادلة المتكافئة، سواء في معاهدة التعاون الاقتصادي والاستراتيجي مع الصّين أو في الاتفاقيات مع روسيا، والَّتي أثمرت تسليمها نظام الأقمار الصناعية المتقدّمة، لكنَّها تبني علاقة تضامنية في خندق واحد، كالعلاقة مع فنزويلا، إذ تخترق السفن الإيرانية “سهند” و”مكران” الأطلسي لفك الحصار عن الحديقة الخلفية للولايات المتحدة.
على طاولة فيينا، ترمي إيران ما وصفَه بلينكن وبيانُ فرنسا وبريطانيا وألمانيا بكونه “خطوات حاسمة نحو إنتاج أسلحة نووية”، وهي لا تفرّط في خطوة مقابل نصف حلّ. ولعلّها تقدّم مقابل “نصف الحلّ” الأميركي – الأوروبي أقلّ من ربع ما تستغني عنه إذا وجَدت “الخيرَ في ما حصل”.