ما هو تأثير التباعد الاجتماعي على الأشخاص في زمن كورونا؟
تغمرنا وسائل الإعلام يوميًّا بتوصيات من شأنها الحفاظ على صحتنا في ظل الانتشار السريع والمباغت لفيروس كورونا المستجد، و أصبح بقاء بلايين البشر حول العالم في منازلهم ضرورةً حتمية، للحد من الانتشار السريع لهذا الفيروس.
ومع استمرار تلك الحالة، دون معرفة موعد محدد لعودة الحياة إلى ما كانت عليه قبل “كورونا”، تزداد الضغوطات، ويعاني الكثيرون من عدم القدرة على التكيُّف مع الظروف الراهنة.
التباعد الاجتماعي هو ببساطة تجنُّب التجمعات والاتصال الوثيق بالآخرين. ويعتبره الخبراء في مجال الصحة النفسية، أمرًا مهما لإبطاء وتيرة انتشار الفيروس، وتفادي إرهاق نظم الرعاية الصحية، وربما حمايتها من الانهيار في حالة ارتفاع معدلات الإصابة إلى مستوى لا يمكن التعامل معه بكفاءة. ولكن يجب علينا أن نتكيف مع هذا الظرف الطارئ اضافة لتجنُّب أي آثار سلبية على النفس أو المجتمع.
إحدى الدراسات العلمية التي أجريت حول هذا الأمر، هي دراسة مرجعية أجرتها الباحثة “هولت لونستاد”باحثة علم النفس في جامعة بريجهام يونج الأمريكية، وزملاؤها، تقول : “إن الآثار السلبية التي قد يسببها التباعد الاجتماعي، تجاوبًا مع جائحة فيروس كورونا المستجد، سيظل _بمنزلة سؤال مفتوح_. مضيفةً أن لديها في هذا الصدد فرضيتين تتنافسان، فهي قلقة من أن يؤدي ذلك إلى تفاقم الأمور بالنسبة لأولئك الذين يعانون فعليًّا من مشاعر العزلة والوحدة، ولكنها تشدد -في الوقت ذاته- على أنه قد يكون نقطةَ تحفيز لآخرين على التواصل المجتمعي، مفسرةً ذلك بأن الاحتمال الأكثر تفاؤلًا هو أن الوعي المتزايد بطبيعة الوباء سيدفع الناس إلى البقاء على اتصال واتخاذ إجراءات أخرى إيجابية. ولكنها تعود وتستطرد بقولها: “نود أن نجمع بيانات عن ذلك”.
من جانبه، يوضح هاني هنري -أستاذ مشارك في قسم علم النفس بالجامعة الأمريكية بالقاهرة- طبيعة ما يمر به الناس من ظرف غير مألوف، قائلًا:” بالنسبة للبعض تكمن المشكلة في فكرة الحرمان من شيء، مثل عدم القدرة على الذهاب إلى المساجد أو الكنائس، أو عدم القدرة على الخروج أو زيارة الأهل، أو عدم التيقن مما سيحدث غدًا، مشددًا على ضرورة حماية الإنسان لنفسه ولجهازه العصبي عن طريق تحديد ما يؤثر به وما لا يؤثر به، حتى لا يصل الحال بالشخص إلى التأثر بأي شيء أو كل شيء”.
وكما جاء في حلقة النقاش الإلكترونية التي عقدتها الجامعة الأمريكية بالقاهرة في السادس من الشهر الفائت : “عندما يكون هناك أزمة بهذا الحجم، لا بد من تقييم علمي لها، و يجب أن نسأل أنفسنا: ما هو أكثر شيء يؤثر فينا؟ ونحدد نوع المشاعر التي نشعر بها، هل هي خوف؟ ممَّ نخاف؟ لا بد أن يفهم الإنسان طبيعة ردة فعله وطبيعة الإحساس الذي يشعر به، مشددًا على ضرورة معرفة أن هناك أشياء لا يمكن للإنسان أن يتحكم بها، مثل توقع ما سيحدث غدًا، “يمكنني فقط التحكم في أسلوبي أو انتقائي للأخبار التي أستمع إليها”، ويضيف: “لا بد من إدراك أن ما يؤثر سلبًا علينا هو محاولتنا فعل أشياء ليست في مقدرتنا”.
يوضح كريس سيجرين، عالِم سلوكي في جامعة أريزونا الأمريكية، أن هناك اختلافا في قدرة الناس على التعامل مع العزلة الاجتماعية والشعور بالتوتر، قائلًا:” يجب أن نتذكر أنه ليس كل مَن يخوض الأزمة الحالية يكون بمستوى الصحة العقلية ذاتها” مشددًا على أن الشخص الذي يعاني بالفعل من مشكلات مع القلق الاجتماعي، والاكتئاب، والشعور بالوحدة، وتعاطي المخدرات، أو غيرها من المشكلات الصحية، سيكون أكثر عرضةً للتأثر بإجراءات التباعد الاجتماعي على نحوٍ سلبي”.
ومن جانبها، تقول “هولت- لونستاد”: إن الناس من جميع الأعمار معرضون للآثار السيئة للعزلة الاجتماعية والوحدة. لكن تقريرًا حديثًا صادرًا عن الأكاديمية الوطنية للعلوم الأمريكية (شاركت هولت- لونستاد في تأليفه) سلط الضوء على بعض الأسباب التي تجعل “كبار السن هم الفئة الأكثر عرضةً للتأثر بالأزمة”، كفقدان الأجواء الأسرية والافتقار إلى الأصدقاء، والإصابة بالأمراض المزمنة والإعاقات الحسية التي قد تعوق التفاعل مع الآخرين، مثل فقدان السمع أو البصر.
يؤكد هاني هنري ضرورة تآزُر الأسر في مثل هذه الأوقات الصعبة، وخاصةً أن المرأة العاملة والزوجة حاليًّا تتحمل الكثير من الضغوطات، لذا شدد على ضرورة تقديم المساعدة للأمهات والزوجات في المنزل وإظهار التقدير لهن. وعن العاملين بالقطاع الطبي ومدى تأثرهم النفسي في أثناء جائحة الكورونا، قال “هنري”: “لا بد من الاعتراف بالدور البطولي للقطاع الطبي، فهم حاليًّا داخل الحدث كمَن هم في حالة حرب، لن يكون لديهم وقت بالضرورة لمراعاة حالتهم النفسية، لذا لا بد من الاهتمام بحالتهم النفسية بعد هذه الأزمة، فقد يعاني بعضهم من اضطراب ما بعد الأزمة. وشدد على أنه: “يمكننا حاليًّا الاستمرار في دعمهم وتشجيعهم معنويًّا من خلال المبادرات التي يقوم بها الأفراد حول العالم، مثل التصفيق لهم في توقيت محدد كل يوم، وتسليط الدور على جهودهم كمثال”.
وللخروج ناجين من ظروف التباعد الاجتماعي، أو لنقل تلك العزلة الإلزامية لعدة أسابيع كاملة، يشدد “هنري” على أننا نحتاج إلى: الهدوء والاستعداد النفسي. ولكن ماذا يعني أن تكون مستعدًّا نفسيًّا؟ يجيب بأنه يعتقد أن المهارة الأساسية التي نحتاج إلى شحذها في هذا التوقيت الصعب، هي الهدوء والمرونة النفسية.
من جانبه، يُعرِّف جيل نعوم -المختص بتدريس أساليب المرونة النفسية من جامعة هارفارد ومستشفى ماكلين- المرونة النفسية في أوقات الأزمات على أنها القدرة على تغيير المواقف والإجراءات الواجب اتخاذها عند ظهور أحداث جديدة أو غير متوقعة. وتتيح لنا هذه المهارة التعامل بسهولة أكبر مع الأزمات والمواقف الصعبة، دون الحاجة إلى فترات طويلة من الزمن.