ما بين السام 5 والأرو 3..”تفعيل” قواعد الاشتباك
الميادين نت ـ
محمد منصور:
محمد منصور:
الاشتباك الذي وقع بين الدفاع الجوّي السوري والطيران الإسرائيلي لم يكن الأول ولن يكون الأخير. لم تكن هذه المرة الأولى التي تعترف فيها إسرائيل بالاشتباك مع الدفاع الجوّي السوري، لكنها المرة الأولى التي تحلّق فيها صواريخ الدفاع الجوّي السورية في أجواء فلسطين المحتلة مشكّلة خطورة مزدوجة على الطيران المقاتل والأهداف الأرضية، ومشكّلة أيضاً صورة واضحة على العجز الإسرائيلي عن كبح جماح أي رد سوري على أي اختراق لأجوائه. ما حدث ببساطة هو “تفعيل” لقواعد الاشتباك السورية التي ملخّصها هو، “دع سمائي فسمائي مُحرِقة”.
تعدّدت التحليلات حول المواجهة بين الدفاع الجوّي السوري والمُقاتلات الإسرائيلية التي أغارت على موقع في ريف حمص الشرقي، أغلبها ركّز على أن هذا هو الاشتباك الأول بين منظومات الدفاع الجوّي السورية من نوع “أس200” المعروفة أيضاً باسم “سام5” والمقاتلات الإسرائيلية، وإنها المرة الأولى التي تعترف فيها إسرائيل بحدوث اشتباكات بينها وبين الدفاع الجوّي السوري، وإن هذا الاشتباك يُعدّ “تغييراً” لقواعد الاشتباك السورية مع سلاح الجوّ الإسرائيلي، وهي كلها تحليلات غير دقيقة وتتجاهل وقائع حوادث سابقة ليست ببعيدة. قبل تناول هذه التحليلات لابدّ من تناول وقائع الاشتباك السوري/ الإسرائيلي، البداية كان بتحليق أربع مقاتلات إسرائيلية مروراً بالأجواء اللبنانية باتّجاه موقع في ريف حمص الشرقي قرب مدينة تدمر، دخلت المقاتلات المجال الجوّي السوري وقامت بضرب الموقع ثم فوجئت أثناء مسار العودة بإغلاق رادارات بطاريات سام5 الموجودة في محيط العاصمة دمشق، أطلقت البطاريات عدداً يتراوح بين ثلاثة وسبعة صواريخ طاردت الطائرات الإسرائيلية في أجواء فلسطين المحتلة. وزارة الدفاع السورية أعلنت أن حصيلة الاشتباك كانت إسقاط مقاتلة إسرائيلية وإصابة أخرى بأضرار، في حين أن البيانات العسكرية الإسرائيلية تحدّثت عن الاشتباك من دون أن تذكر أية أضرار والتفصيل الوحيد الذي تم ذكره هو تفعيل بطاريات الدفاع الصاروخي “حيتس3” ضدّ الصواريخ السورية وإسقاط عدد يتراوح بين صاروخ واحد إلى ثلاثة صواريخ منها، وكان لافتاً هنا تحذير وزير الدفاع الإسرائيلي سوريا من محاولتها استهداف الطائرات الإسرائيلية مرة أخرى. النقطة الأهم في هذا الاشتباك كانت اليقظة والاحترافية العسكرية الكبيرة لأطقُم الدفاع الجوّي السوري التي على ما يبدو درست جيّداً التكتيكات الإسرائيلية خلال الغارات الماضية، وكانت النتيجة اشتباكاً ناجحاً بكل المعايير بغضّ النظر عن حدوث إسقاط للطائرات المُغيرة من عدمه، فالاشتباك تم في ظلّ إجراءات تشويش كبيرة تواكب أية غارات إسرائيلية على سوريا وتنفّذها على الأغلب النسخة الإسرائيلية من طائرات “جولف ستريم” الأميركية والمُسمّاة “نحشون”، وكان واضحاً أن الرادارات السورية قاومت عمليات التشويش وتمكّنت من إدامة توجيه الصواريخ نحو أهدافها بشكل عجزت عن الإجراءات المضادّة المحمّلة على المقاتلات الإسرائيلية في تضليل الصواريخ ودفعت قيادة الدفاع الجوّي الإسرائيلية لاستخدام بطاريات الدفاع ضدّ الصواريخ الباليستية “أرو3” المُكلفة والمتواضعة الأداء من موقعها الرئيسي في منطقة “طال شاحر” الواقعة بين مدينة القدس ومدينة أشدود في فلسطين المحتلة، ولم تتمكّن البطاريات سوى من إسقاط عدد يتراوح بين صاروخ إلى ثلاثة صواريخ سورية. النقطة المهمة الثانية تتعلّق بالأداء المتفوّق للبطاريتين السوريتين اللتين اشتركتا في هذا الاشتباك، المرجّح أن صواريخهما كانت من ضمن الصواريخ التي قام التصنيع العسكري السوري بتعديلات عليها لزيادة المدى، النسخة الأحدث التي يمتلكها الجيش السوري من صواريخ سام5 هي النسخة Vega-E والتي تمتلك مقاومة ضدّ التشويش ووسائط التضليل والتخفّي وتستطيع الاشتباك مع الطائرات على مسافات تصل بحد أدنى إلى 17كم وحد أقصى يصل إلى 240كم وارتفاعات تتراوح بين نصف كيلو متر و40 كيلومتراً باحتمالية إصابة للهدف تتراوح بين 66 بالمائة إلى 99 بالمائة، التعديل السوري على هذه الصواريخ سمح بتعديل مداها الأقصى ليصبح ما بين 280 و300 كم، كما توجد مؤشّرات عديدة أن الدفاع الجوّي السوري قام بربط عدد من بطاريات هذه الصواريخ برادار إدارة النيران والاشتباك 30N6E2 الخاص بمنظومات الدفاع الجوّي الروسية S300PMU التي تسلّم الجيش السوري أجزاء من بطارياتها في وقت سابق قبل تجميد عملة تزويده بهذه المنظومة. المفارقة في هذا الاشتباك أن إسرائيل الآن باتت أمام تهديد أضافي بجانب الصواريخ الباليستية السورية، فمجريات الاشتباك أوضحت أن صواريخ سام5 تمثّل تهديداً للمواقع الأرضية مثلما تمثّل تهديداً على الأهداف الجوية، حيث تمتلك رأساً حربياً تصل زنته إلى 200كجم ويتعدّى وزنه 6 أطنان ما يمثل خطورة كبيرة على أي هدف أرضي وهذا يعتبر هو السبب الرئيسي الذي جعل قيادة الدفاع الجوّي الإسرائيلي تُسارع باعتراض هذه الصواريخ قبل وصولها إلى محيط مدينة القدس التي تبعد عن مواقع الدفاع الجوي السوري حول دمشق حوالى 215كم.
لم يكن هذا هو الاشتباك الأول بين الدفاع الجوّي السوري والمقاتلات الإسرائيلية خلال السنوات الماضية، ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تعترف فيها إسرائيل بحدوث اشتباك مع الصواريخ السورية، الاشتباك الأول كان في أواخر عام 2014 حيث اخترق تشكيل مكوّن من أربع مقاتلات أف16الأجواء السورية وقصف مواقع في مطار دمشق ومهبطاً جوياً في منطقة الديماس قرب الحدود مع لبنان، في هذه الغارة تم تسجيل أول اشتباك مباشر بين كتائب الدفاع الجوّي السورية وبين الطائرات الإسرائيلية حين حاولت بطاريات منظومات الدفاع الجوّي “سام 3 بيتشورا” قرب درعا وبطاريات منظومات الدفاع الجوّي “بوك أم” المُتمركزة في مطار المزّة الإقفال على مقاتلات الأف 16 برغم عمليات التشويش المستمرة، وأطلقت بطاريات درعا خلال هذا الاشتباك صاروخين على الأٌقل من دون التمكّن من إسقاط أي من الطائرات المهاجمة. لكن كان النجاح الأبرز في هذه الغارة هو تمكّن بطارية سوريّة من نوع “بانتسير” من اعتراض صاروخ إسرائيلي من نوع “بوب آي”وإسقاطه في منطقة الحارة في ريف درعا قبل الوصول إلى هدفه. تلا هذا الاشتباك اشتباك آخر كانت بطلته للمرة الأولى صواريخ “سام5″، وجرت أحداثه في سبتمبر عام 2016، حين اشتبكت بطاريات الدفاع الجوّي السورية مع مقاتلات إسرائيلية قصفت من أجواء الجولان مواقع مدفعية تابعة للجيش السوري في جنوب القنيطرة، حينها أعلنت وزارة الدفاع السورية عن إسقاط مقاتلة إسرائيلية بجانب طائرة استطلاع في ريف دمشق. كان هذا الاشتباك هو الأول الذي تعترف إسرائيل بحدوثه على الإطلاق من دون أن تعترف بخسائرها فيه. الأداء السوري في هذين الاشتباكين أكّد المخاوف الإسرائيلية من عمليات التحديث والتطوير المحلية التي أطلقها الدفاع الجوّي السوري منذ عام 2007 وتسارعت وتيرتها منذ العام 2010. بشكل عام كانت الغارات الإسرائيلية على سوريا منذ أكتوبر 2003 وحتى الآن تتم من خارج الأجواء السورية عدا عدد محدود منها دخلت فيه المقاتلات الإسرائيلية فعلياً إلى الأجواء السورية بهدف تحليل ردود الفعل السورية ومدى قدرات الردّ الدفاعي المتوافرة لديها، خصوصاً بعد عام 2013 الذي شهد تدمير عدد من مواقع الدفاع الجوّي السورية بفعل هجمات المجموعات الإرهابية، الأداء السوري سواء في اشتباكي 2014 و2016 أو اشتباك 2017 كان مميّزاً وأشار بوضوح إلى أن إمكانيات الدفاع الجوّي السوري لم تتراجع ولم تتأثّر بشكل كبير بالظروف الحالية في سوريا، وهذا دفع بالمقاتلات الإسرائيلية لاستهداف مواقع الدفاع الجوّي السوري مثل موقع صواريخ “سام3 بيتشورا” في منطقة صنوبر جبلة في اللاذقية والذي تم ضربه في تشرين الأول/ أكتوبر 2013 وحينها أيضاً حاول الموقع المُستهدف ضرب الطائرات الإسرائيلية التي كانت فوق أجواء البحر المتوسّط. لم تقتصر الدلائل على تطوّر تكتيكات الدفاع الجوي السوري على مجريات الاشتباكات مع سلاح الجو الإسرائيلي، كان الكمين الذي أسفر عن إسقاط طائرة فانتوم4 تركية وإصابة أخرى بنيران منومّة الدفاع الجوي قصيرة المدى “بانتسير” في يونيو2012، وإسقاط طائرة أميركية من دون طيّار من نوع “بريديتور أم كيو1″في أجواء اللاذقية في مارس 2015 بصاروخ”V-601″الخاص بالنسخة المحدثة من نظام الدفاع الجوّى “سام 3” المُسمّاة “بيتشورا تو أم” من الأمثلة الواضحة على أن عمليات التحديث في الدفاع الجوي السوري تشمل كافة المنظومات المتوافرة لديه. إذن نستخلص مما سبق أن هذا ليس الاشتباك الأول بين الدفاع الجوّي السوري والطيران الإسرائيلي ولن يكون الأخير، ففي أثناء كتابة هذه السطور اشتبكت المدفعية المضادّة للطائرات قرب القنيطرة مع طائرة استطلاع إسرائيلية هاجمت سيارة كان بها أحد أفراد الدفاع الوطني السوري. لم تكن هذه المرة الأولى التي تعترف فيها إسرائيل بالاشتباك مع الدفاع الجوّي السوري، لكنها المرة الأولى التي تحلّق فيها صواريخ الدفاع الجوّي السورية في أجواء فلسطين المحتلة مشكّلة خطورة مزدوجة على الطيران المقاتل والأهداف الأرضية، ومشكّلة أيضاً صورة واضحة على العجز الإسرائيلي عن كبح جماح أي رد سوري على أي اختراق لأجوائه. لم يكن أبداً ما حدث هو “تعديل لقواعد الاشتباك”، فلم يكن يوماً ضمن قواعد الاشتباك السورية السماح بدخول الطائرات الإسرائيلية وخروجها من دون أي ردّ، بل الأصحّ هنا أن نقول أن ما حدث ببساطة هو “تفعيل” لقواعد الاشتباك السورية التي ملخّصها هو،”دع سمائي فسمائي مُحرِقة”.