ما بعد سقوط الهيمنة الأحادية
وكالة أخبار الشرق الجديد ـ
غالب قنديل:
بعد اختبار القوة الذي شهده العالم على حافة الهاوية بسبب قرار العدوان الأميركي على سوريا ، شرع في التشكل توازن دولي جديد رسخته سنوات من المواجهة العنيدة خاضتها دول وشعوب كثيرة ضد الهيمنة الأحادية الأميركية التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفيتي وظهرت خلالها الإمبراطورية الأميركية بوصفها القوة العظمى الوحيدة المسيطرة على الكرة الأرضية.
أولا من الواضح ان مجموعة من القوى العظمى الجديدة تصعد إلى سطح المعادلات الدولية وستفرض حضورها يتقدمها العملاق الروسي الذي استثمر بإتقان صمود الدولة الوطنية السورية وشريكيها في حلف المقاومة ، إيران وحزب الله ، ليفرض على الولايات المتحدة التراجع عن قرار العدوان والرضوخ لقاعدة حاسمة هي العودة إلى مجلس الأمن الدولي المحكوم بقاعدة توازن الفيتوات في النظر بملفات النزاع العالمية وهذا البناء الروسي المتراكم انطلق منذ انتصار حلف المقاومة في حرب تموز 2006 وحيث وظف فلاديمير بوتين في سياقه الوزن المتعاظم لشركائه من أعضاء مجموعة البريكس ومنظمة شانغهاي وخصوصا الصين والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا وإيران.
جرى اختبار القوة حول سوريا بعد الفيتوات الثلاث وتتويجا للمعادلات القاهرة في توقيت أميركي يحكمه رفض شعبي أميركي وغربي واسع لأي حرب جديدة والاضطرار إلى عقد تفاهمات مع روسيا وإيران تسهل خروج القوات الأميركية من أفغانستان وبعدما وصلت حرب التحالف الغربي التركي الخليجي ضد سوريا إلى مأزق الفشل المتمادي والعجز عن تعديل التوازنات وانكشفت امام العالم بأسره حقيقة احتضان الولايات المتحدة وشركائها في حلف الحرب لفلول القاعدة وجماعات الإرهاب والتكفير على الأرض السورية .
ثانيا المعسكر الخاسر في حصيلة المجابهة الممتدة منذ ثلاثين عاما مضطر إلى الانكفاء في أكثر من ساحة وقضية ولقبول القواعد الجديدة للصراع في العالم حيث ستكون الولايات المتحدة ملزمة بالامتناع عن مغامرات عسكرية جديدة وبالخضوع للتفاهمات الممكنة داخل مجلس الأمن حول أي قضية دولية متفجرة وهي ما تزال في الظروف الجديدة قادرة على تأمين الدعم غير المباشر لحلفائها في أي نزاع إقليمي أو داخلي تقرر التدخل فيه لمصلحة عملائها لكن سياسة إشعال الحروب والتهديد بالأساطيل انطوت وولى زمانها حتى إشعار آخربسب توافر قوى رادعة بالمقابل تقف لها بالمرصاد.
الإمبراطورية الروسية تسعى لتعزيز مكانتها والإمبراطورية الصينية تتحرك لتوسيع سطوتها التجارية في العالم والقوى الصاعدة الأخرى ترعى مصالحها الحيوية والمتنامية في الاقتصاد العالمي بينما إيران الساعية لتحصين حقوقها ومصالحها في ظل التوازن الجديد فهي تعزز دورها كقوة عظمى في محيطها الإقليمي الممتد في قلب آسيا وحوض قزوين والشرق الأوسط مرورا بالخليج وخطوط نقل الطاقة العالمية.
ثالثا الصراع بين هذه القوى العالمية الكبرى من جهة والولايات المتحدة وشركائها في الغرب سيحكم الواقع السياسي الدولي وما جرى حتى الساعة وبعد تكريس انتهاء الهيمنة الأحادية هو مجرد رسم السقف المانع لانزلاق الصراعات نحو مواجهة عالمية عسكرية كبرى وفتح قنوات الاتصال والحوار الأميركية مع روسيا وإيران وليس اتفاقا على تسويات ناجزة أو على خريطة لمواقع النفوذ .
التوازنات في كل منطقة وفي كل دولة هي التي ستقرر مصير النزاعات الإقليمية والداخلية ومن هنا فإن مسار التطورات في سوريا سيقود لفرض سيطرة الدولة الوطنية السورية على كامل الأرض السورية سواء التزمت دول حلف العدوان بالشرط المتعلق بوقف إمداد العصابات الإرهابية المتضمن في آليات جنيف والمشار إليه في تسوية الكيماوي الروسية أم لم تلتزم والفارق هو انها إذا التزمت ستحتفظ بفرصة تمثيل بعض عملائها في واجهات المعارضة الخارجية ضمن قوام الحوار السياسي السوري وهم يائسون أصلا من الظفر بتأييد شعبي حقيقي في أي انتخابات مقبلة.
رابعا لم ترسم خرائط تقسيم النفوذ لأن القوى العالمية الصاعدة لم تسلم بهيمنة الولايات المتحدة على بلدان كثيرة وهي لم تقبل بأن تطوب القارة الأفريقية وشرقي أوروبا للغرب ومعلوم أن موارد الطاقة والأسواق التجارية في أفريقيا هي في عين الصين التي يشهد العالم سعيها الحثيث للسيطرة على القارة السوداء حيث تخوض صراعا وجوديا في وجه التغلغل الأميركي الذي يطيح بآخر معاقل النفوذ الفرنسي والبريطاني والإيطالي على السواء .
اما في اوروبا الشرقية وبعض أقاليم الاتحاد السوفيتي السابق فالأكيد ان روسيا لن تخلي للنفوذ الأميركي والأطلسي مواقع تاريخية لنفوذها ولشبكة مصالحها وهي تتخذ من الدرع الصاروخي الأوروبي قوة محركة لمشاريع استرجاع البلدان السلافية الأرثوذكسية الواقعة تقليديا ومنذ قرون في الحضن الروسي.
ما يجري حاليا هو في حدود تبريد خطوط النزاع وفتح قنوات التفاوض وفي المسارين السوري والإيراني سوف يجد السيد الأميركي نفسه مضطرا للتراجع انطلاقا من ميزان القوى الذي أنتجه المخاض الطويل والممتد لسنوات من الصراع وهذا ما يولد مأزقا كبيرا للحكومات المتورطة خلف الولايات المتحدة في الحرب على سوريا وفي التحرك العدائي ضد إيران وهو ما يفسر التخبط والهستيريا السياسية التي ظهرت عبر وسائل الإعلام في الخليج وتركيا.