ما بعد “ثأر الأحرار”.. أخطر سيناريو مواجهة يؤرق “إسرائيل”؟
موقع قناة الميادين-
شرحبيل الغريب:
السيناريو الأكثر خطورة الذي بدا حاضراً بقوة لدى المؤسسة الأمنية العسكرية الإسرائيلية بعد انتهاء المواجهة العسكرية الأخيرة مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة هو دخول جولة قتال جديدة مباشرة مع حركة حماس تمتدّ فيها المواجهة إلى جبهات أخرى.
ما كشفته صحيفة “معاريف” الإسرائيلية من قلق كبير يسيطر على المنظومة الأمنية الإسرائيلية بعد انتهاء معركة “ثأر الأحرار” الأخيرة مع المقاومة الفلسطينية، يعكس أزمة أمنية حادة وفشلاً ذريعاً في محاولات “إسرائيل” تحقيق أي من أهدافها التي أعلنت عنها لحظة إقدامها على اغتيال 3 من قادة سرايا القدس، وعلى رأسها ترميم قوة الردع الإسرائيلية التي تأكّلت بشكل كبير.
السيناريو الأكثر خطورة الذي بدا حاضراً بقوة لدى المؤسسة الأمنية العسكرية الإسرائيلية بعد انتهاء المواجهة العسكرية الأخيرة مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة هو دخول جولة قتال جديدة مباشرة مع حركة حماس تمتدّ فيها المواجهة إلى جبهات أخرى وصفتها الأوساط الأمنية الإسرائيلية بأنها ستكون أخطر مواجهة، وسيتم فيها استخدام سيناريوهات مختلفة عما شهدته معركة “ثأر الأحرار”، وهو ما يؤرّق “إسرائيل” حالياً.
بحسب الصحيفة، فإن التقديرات، في حال الدخول في جولة القتال هذه، هي حصول سيناريوهات مختلفة، منها إطلاق صواريخ من لبنان ومن جبهات أخرى، وتسيير طائرات مسيرة مفخخة من دون طيار، كما جرى سابقاً. وتجزم الصحيفة أن حركة حماس لا تزال تراكم قوتها العسكرية وتعدّ العدّة من أجل مثل هذا السيناريو.
أكثر ما كان يؤلم “إسرائيل” خلال الفترة التي سبقت معركة “ثأر الأحرار” هو القدرة الكبيرة لفصائل المقاومة الفلسطينية على ضرب “إسرائيل” بالصواريخ عندما تشاء، وبالطريقة التي تريدها، أمام عجز إسرائيلي واضح في القدرة على الرد.
وبعد انتهاء معركة “ثأر الأحرار”، بدت صورة “إسرائيل” أسوأ مما كانت عليه قبل المعركة، فقد تهشّمت صورتها وقدرتها الردعية، إذ فشلت الرهانات الإسرائيلية في هذه المعركة في تحقيق أهدافها المعلنة، وظلت صواريخ حركة الجهاد الإسلامي تنطلق حتى الدقائق الأخيرة من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، ما يعني فشل “إسرائيل” في تحقيق أي هدف تكتيكي أو إستراتيجي من وراء المواجهة الأخيرة.
فاجأت سرايا القدس وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى عبر غرفة العمليات المشتركة الاحتلال الإسرائيلي بإدارة المعركة بحكمة عالية وحسابات دقيقة خالفت كل التوقعات الإسرائيلية.
أما عسكرياً، فقد استخدمت قوة من الصواريخ التدميرية باتباع إستراتيجية الإغراق الصاروخي للأراضي الفلسطينية المحتلة، وصلت إلى مشارف القدس و”تل أبيب”، وكشفت مزيداً من الفشل الإستراتيجي والتكتيكي والإخفاق في تحقيق “إسرائيل” أي من أهدافها من جهة، وكشفت أيضاً فشل القبة الحديدية في التصدي لها من جهة أخرى.
هذا الأمر جعل “إسرائيل” تلجأ إلى استخدام نوع جديد من الدفاعات الجوية أطلقت عليه اسم منظومة “مقلاع داوود”، رغم أنَّ الهدف الأساسي من إنتاج هذه المنظومة (صنعت بالشراكة مع شركة أميركية)، وفق الإعلان الإسرائيلي، هو مواجهة الصواريخ الإيرانية الإستراتيجية الدقيقة في حال حدثت مواجهة عسكرية مع إيران.
حين تستخدم “إسرائيل” مثل هذه المنظومة في مواجهة عسكرية مع ثاني أكبر فصيل فلسطيني مقاوم، كحركة الجهاد الإسلامي، فهذا يعطي مؤشراً واضحاً على حال التطوّر في تقنيات إنتاج صواريخ المقاومة الفلسطينية وتصنيعها من حيث نجاحها في تحديد أهدافها ووصولها إلى مسافات داخل العمق الإسرائيلي، ناهيك بقوتها التدميرية، ويدل على فشل منظومة القبة الحديدية التي تحاول “إسرائيل” تسويقها لدولٍ مجاورةٍ في المنطقة.
لعلّ أبرز تجليات معركة “ثأر الأحرار” هو الجرأة الواضحة لفصائل المقاومة الفلسطينية في اتخاذ قرار قصف العمق الإسرائيلي بمئات الصواريخ، في وقت تعجز قوى عظمى في المنطقة عن فعل ما فعلته المقاومة في ردها على اغتيال القادة، ما يعني نجاح سرايا القدس وفصائل المقاومة الأخرى في إحداث حالة من قوة الردع أمام “دولة” تتباهى بامتلاكها أسلحة نووية فتاكة.
أما سياسياً، وبعدما بردت راجمات الصواريخ وهدأت نيران المواجهة، فعلى الصعيد الإسرائيلي، حاول نتنياهو تسويق إنجاز سياسي له أمام خصومه وقاعدته الشعبية، إلا أنَّ هذا الإنجاز سرعان ما تبخر، ونظرت إليه أوساط إسرائيلية كثيرة بكونه محاولات لتسويق الوهم للشارع الإسرائيلي، في مقابل نجاح حركة الجهاد في إدخال أكثر من مليونَي مستوطن إسرائيلي إلى الملاجئ على مدار 5 أيام من المواجهة، وفشل نتنياهو في ترميم قوة الردع وتغيير الواقع والتهديد الذي تعيشه “إسرائيل” بفعل صواريخ المقاومة.
من المهم جداً أن نتوقف أمام استطلاع جديد للرأي نشره موقع “واللا” الإسرائيلي، أشار إلى أن بنيامين نتنياهو فشل في تحقيق الردع عقب المواجهة العسكرية الأخيرة في قطاع غزة بناء على المعطيات التي دلت على أن 44% من الإسرائيليين وصفوا الجولة الأخيرة من القتال كغيرها من الجولات، ورأوا أنها لم تساهم في ترميم قوة الردع لدى “إسرائيل”، بل إن 5% من الإسرائيليين اعتقدوا أنها أضعفت قوة الردع أكثر وأكثر، ناهيك بتسجيل الاستطلاع نفسه تراجعاً كبيراً في شعبية نتنياهو وفقدان ثقة الإسرائيليين بقدراته بعد اغتيال قادة الجهاد الإسلامي.
إنّها تجربة رائدة على مدار أيام 5 من المواجهة، استطاعت فيها حركة الجهاد الإسلامي، إلى جانب قوى وفصائل المقاومة الفلسطينية، إدارة معركة “ثأر الأحرار” بحنكة ومسؤولية عالية. ووفق العقيدة العسكرية، فإن نتيجة الحرب لا تقاس بالخسائر، بل بالنتائج، ولنا في انتصار الثورة الجزائرية والثورة الفيتنامية خير دليل على ذلك، فإن الغلبة في النهاية لمن يملك الإرادة الصلبة والقوية، ولمن يتحمل حتى النهاية.
وبناء عليه، فقد انتصرت المقاومة الفلسطينية في “ثأر الأحرار” من خلال الرد على العدوان الإسرائيلي واتّباعها نهج الندية في الرد، أي ترسيخ معادلة القصف بالقصف حتى النفس الأخير من المواجهة.
راهنت “إسرائيل” على الاستفراد بحركة الجهاد الإسلامي من الضربة المباغتة الأولى واغتيالها قيادات سرايا القدس الثلاث، في مخطط إسرائيلي خبيث لسحق الحركة والقضاء على قياداتها ومقدراتها، فجاء رد المقاومة الفلسطينية بغرفة عملياتها المشتركة التي شكلت على مدار تاريخ الصراع مع “إسرائيل” مكسباً وطنياً فلسطينياً وإنجازاً مهماً في مشروع المقاومة والتحرير. ولعل أبرز العوامل التي ساعدت على تطور حال المقاومة هو البيئة والحاضنة التي وفرتها حركة حماس في حكمها لقطاع غزة.
أضحت غرفة عمليات المقاومة الفلسطينية تشكّل نقطة ارتكاز أساسية في الصراع مع “إسرائيل”، وكذلك صمود المقاومة وقوتها وقدرتها على المواجهة على مدار جولات المواجهة السابقة والأخيرة، ما هيأ الأرضية الصلبة لتطوير المقاومة أكثر في مختلف النواحي التسليحية والتنظيمية والتكتيكية، وهو ما سيؤدي بالطبع إلى اكتساب المزيد من القوة، وهو السيناريو الذي بدأ يؤرق “إسرائيل” بعد معركة “ثأر الأحرار”.
انتهت معركة “ثأر الأحرار” التي بدّدت أحلام نتنياهو وأفشلت أهداف عدوانه على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ولم يسجل أي نجاحات تكتيكية أو إستراتيجية أو تغيير للتهديد القائم مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، لكن لم ينتهِ الصراع مع احتلال لا يؤمن جانبه، ففلسطين ما زالت محتلة، والمخاطر المحدقة ما زالت تهدد المسجد الأقصى.
أما في السياق العام، فالشعب الفلسطيني ومقاومته، ومعهم محور المقاومة، أكبر سند وداعم لهم، أصبحوا أقرب إلى يوم الخلاص من “إسرائيل”، في وقت بات سيناريو المواجهة متعددة الجبهات يؤرقها أكثر من أي وقت مضى.