ما التدابير المطروحة لمواجهة الأزمة الاقتصادية – المالية في ظل سياسة “صندوق النقد والبنك الدوليين”؟
موقع العهد الإخباري-
د. عدنان يعقوب:
تقوم المؤسسات المالية الدولية وفي مقدمتها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بتقييم الدين الخارجي استناداً إلى عدة معايير مثل: معدل النمو الاقتصادي للبلاد، وظروف التجارة الخارجيّة، وتوافر الموارد المالية الخارجية لسداده.
بناءً على ذلك فإنَّ المؤسسات المالية الدولية تدعو إلى سياسات لإدارة هذه المتغيرات بغض النظر عن تأثيرها على رفاه الإنسان والاحتياجات الاجتماعية.
في حالة لبنان ارتبطت العوامل المحليّة بفشل السياسات العامة في تحقيق التوازن بين الموارد والاحتياجات، وتخفيف الصدمات على الاقتصاد، إلى جانب الاقتراض غير المسؤول في مطلع التسعينيات والاعتماد على الاقتصاد الريعي ونقاط الضعف في القطاعات الإنتاجية المحليّة وعوامل داخلية متعلقة بإدارة القطاع العام والفساد المالي والاداري الذي انعكس على التنمية، وازدادت نقاط الضعف الاقتصادية والمالية وتدهورت ديناميّات الدين العام وأدت في نهاية المطاف إلى إعادة تشكيل أولويات الحكومة على حساب الأهداف الإنمائية.
بعد أن انتهت الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990 بدأ الدين العام بالتزايد وأدى إلى تفاقم عدم المساواة الاجتماعية الاقتصادية، الأمر الذي هدد استقرار البلاد بسبب اقتراب التقديرات حول اللامساواة في الثروات والدخل في لبنان مع بعض أكثر الاقتصاديات المتساوية في العالم.
ورغم أنَّ الاقتصاد اللبناني سجل نمواً طفيفاً بعد انتهاء الحرب في عام 1990م، فإنَّ هذا النمو لم يؤد إلى تنمية عادلة وتحقيق التكافؤ في توزيع الموارد الاقتصادية، بل أسهم في اتساع الانقسامات والمظالم الاجتماعية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو: كيف أثَّرَ الاقتراض العام على توزيع الدخل في لبنان وتفاقم عدم المساواة الاجتماعية الاقتصادية؟
إنَّ شروط الإقراض فرضت عبئاً ثقيلاً لخدمة الدين على الدولة اللبنانية فلم يبق لديها سوى مبالغ ضئيلة نسبياً لصرفها على مساعي إعادة توزيع أكثر إنصافاً، واجتمعت ثلاثة عوامل بعد الحرب الأهلية أثرت سلباً على توزيع الدخل وتمثلت في:
1. ازدياد الدين العام بنسبة مرتفعة جداً في ظل نمو إجمالي الناتج الإجمالي لم يتخط أربعة أضعاف تقريباً.
2. تعويل الاقتراض العام بعد الحرب الأهلية على السوق المحلية من خلال السندات الحكومية الصادرة بالليرة اللبنانيّة.
3. ارتفاع معدل الفائدة على الدين بالليرة اللبنانية بشكل مقلق.
ومن الجدير بالذكر أنَّ أيّاً من هذه العوامل على حدة لم تحرف توزيع الدخل عن مساره إلّا إنَّ تأثيراتها مجتمعة أدت إلى أرباح قطاع اقتصادي محدد “المصارف التجارية”.
نجحت العديد من مؤتمرات المانحين في العقد الأول من القرن الحالي في تعبئة مساعدات مالية تشتد الحاجة إليها للبلاد، لكن معظمها ذهب إلى تمويل الديون المتفاقمة للبنان وتحقيق استقرار العملة المحلية. وهكذا فإنَّ التمويل المقدم من المانحين كان له دور محدود في التوجيه الرشيد لتقديم الخدمات الاجتماعية التي تشتد الحاجة إليها، وتعزيز نمو اقتصادي منصف يشمل الجميع بثماره وخلق فرص العمل والتوظيف ومن خلال ما تقدم دخل لبنان في عمق 3 أزمات حادة، وهي:
* الأزمة الأولى: الدين العام (1962-2019)
بدأت بعد العام 1962 الذي اعتبر عام التحول من حيث المالية العامة في لبنان في الموازنة والتي كانت تسجل فوائض أصبحت تعاني من عجز للمرة الأولى، ومنذ عام 1963 (حيث بلغ معدل العجز 13.2% في النفقات)، وحتى عام 1975م أصبحت جميع الموازنات تعاني من عجز باستثناء موازنات أعوام 1971، 1972، 1974، ومنذ الحرب الأهلية (عام 1975) وحتى يومنا هذا استمر العجز المالي في الموازنات بسبب الحرب وبسبب فقدان السيطرة على الإنفاق والإيرادات وغياب الإصلاحات الاقتصاديّة.
ومع تفاقم الحرب الأهلية في عام 1978 أصبح من الصعوبة جداً الحصول على أرقام دقيقة وموثوقة تتعلق بالوضع المالي للدولة اللبنانية، حيث توقفت وزارة المالية عن نشر إحصاءات الحسابات القومية، وتميز الإنفاق العام بالفوضى وانعدام السيطرة المركزية، بالتالي لم تستطع الدولة معرفة مقدار نفقاتها وناتج إيراداتها وتوقفت عن إغلاق حسابات الموازنة بين عامي 1979 إلى 1993 حيث سجل بين:
– عامي 1982- 1985 زيادة النفقات بنسبة 178% فيما زادت الإيرادات بنسبة 65% فقط.
– عامي 1986 – 1988 زيادة النفقات بنسبة 702% فيما زادت الإيرادات بنسبة 250%.
– عامي 1988 – 1990 (أي خلال العامين الأخيرين من الحرب) كانت الزيادة في الإنفاق تعادل تقريباً ثلث الزيادة في الإيرادات من دون تقليص عجز الموازنة.
الجدير بالذكر أن سعر صرف الدولار الأمريكي مع انتهاء الحرب الأهلية في منتصف تشرين الأول 1990م كان يساوي 886.67 ليرة لبنانية وتعاقب حينها على السلطة في لبنان 4 حكومات وهي:
1. حكومة سليم الحص والتي استقالت بتاريخ 24 كانون الأول 1990، وكان سعر الصرف حينها 790.45 ليرة لبنانية لكل دولار أمريكي.
2. حكومة عمر كرامي من 24 كانون الأول 1990 ولغاية 19 آيار 1992م، وقد شهد نصفها الأول تذبذبًا في حدود 10 إلى 15 بالمئة من السعر الأصلي قبل أن يرتفع سعر الصرف في آذار 1992م إلى 929.26/ ليرة لبنانية للدولار، ويرتفع بعدها ليصل في شهر أيار 1992م إلى 1621 ليرة لبنانية.
3. حكومة رشيد الصلح من 16 أيار 1992 إلى 31 تشرين الأول 1992 التي وصل سعر الصرف فيها إلى أعلى مستوياته في أيلول 1992 إلى 2527.75/ ليرة لبنانية لكل دولار قبيل الانتخابات النيابية الأولى بعد الحرب الأهلية.
4. حكومة رفيق الحريري بتاريخ 31 تشرين الأول 1992 والتي جاءت بتسوية إقليمية وأعطت بعض الثقة للاقتصاد اللبناني والمودعين فأخذ سعر صرف العملة الوطنية في الانخفاض التدريجي حيث بلغ وقتها مجموع الدين العام اللبناني في نهاية عام 1992 المتوجب الأداء على الحكومة اللبنانية حوالي 3 مليار دولار منه 327.5 مليون دولار أمريكي والمتبقي بالليرة اللبنانية.
واعتبرت الفترة الممتدة بين عامي 1992- 2004 فترة “إعادة إعمار لبنان ما بعد الحرب” حيث سعت الحكومات اللبنانية إلى استقطاب أكبر قدر ممكن من التمويل، خصوصاً عبر الاستدانة في ظل غياب وسائل التمويل الأخرى وباحتساب كلفة خدمة الدين العام هذا على أساس معدلات الفائدة السنوية المعتمدة لدى مصرف لبنان المركزي على مدى السنوات 1992- 2011 والمدفوعة من الخزينة اللبنانية فإنَّ تلك المبالغ المتوجبة في نهاية عام 1992 بلغت 30 ألف مليار ليرة لبنانية بعد إضافة الفائدة المتجمعة على مدى كل سنة بين عامي 1992- 2011.
بالرغم من معارضة العديد من السياسيين والنواب على أسلوب وطريقة الاستدانة (بفوائد تخطت الـ42%)، ارتفع الدين بالدولار الأمريكي بفعل تراكم الفوائد على رصيد الدين العام ليصبح نحو ملياري دولار للفترة نفسها (1992 – 2011) حيث سجل قطاع الكهرباء تراكم الدين بالدولار الأمريكي وفوائد عليه تخطت 18 مليار دولار حتى عام 2011 مما رفع الدين بالدولار الأمريكي ليتخطى حدود 22 مليار دولار، واستمرت الكهرباء بتسجيل عجز مالي سنوي بحوالي ملياري دولار وتتراكم عليها الفوائد.
وبالتالي جعلت السياسة المالية للبنان وعبء الفوائد المرتفعة على ديونه غير مستدامة وأصبحت نسبة إجمالي الدين العام المستحق إلى الناتج المحلي الإجمالي من بين أعلى المعدلات في العالم وذلك في عام 2006م حين بلغت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي ذروتها عند 183%. ثم تراجعت النسبة تدريجياً لتصل إلى 131%، وفي عام 2012م عاودت ارتفاعها (تدهور مجمل المؤشرات الاقتصادية ابتداءً من عام 2013- 2014)، وفي عام 2018 وصلت النسبة إلى 159% وتخطت معدل 171 % عام 2019 لتصل الى 186.7% في العام 2020 (البنك الدولي عن آفاق الاقتصاد الكلي والفقر 2021).
في تشرين الأول 2019 دخل لبنان في أزمة اقتصادية حادة حيث تفاقمت معها الاضطرابات السياسية، وبحسب تقرير جمعية المصارف اللبنانية فإنَّ الدين العام الخارجي للبلاد بلغ 91 مليار دولار نهاية عام 2019م حيث شكلت السندات الحكومية عصب هذا الدين بنسبة وصلت إلى 94% وهو الأمر الذي يجعل التفاوض أمراً صعباً، فالدين عبر اليوروبوند يتم من خلال أسواق المال وبعيداً عن آليات الاتفاقيات الثنائية مع الحكومات أو المؤسسات المالية الدولية. واستحق على لبنان في التاسع من شهر آذار 2020 سندات يورو بوند مقومة بالدولار الأمريكي بقيمة 1.2 مليار دولار، وقرابة 2.7 مليار دولار استحقت في نيسان من العام نفسه.
حدث ذلك في ظل عدم شفافية الدولة اللبنانية العمل في الابلاغ عن حجم الدين ورصده، الى أن جاء التخلف عن سداد الديون (عدم سداد 2.1 مليار دولار من السندات الدولية)، في السابع من آذار 2020، الذي أدى الى تداعيات واعتبر أول تعثر عن سداد ديون سيادية في ظل استمرار انخفاض الليرة اللبنانية دون إمكانية الوصول الى الأسواق العالمية للحصول على التمويل الأجنبي.
* الأزمة الثانية: النظام المصرفي
عانى القطاع المصرفي اللبناني من اختلالات عميقة بسبب ما قدمه من ديون حكومية، عبر الاكتتابات بسندات الخزينة وتمويل دين الدولة حيث استثمر القطاع المصرفي اللبناني نصف موجوداته تقريباً في الديون السيادية اللبنانية، بما في ذلك مصرف لبنان المركزي، وربعاً آخر في قروض للقطاع الخاص كانت محفوفة بالمخاطر، وعانت المصارف فعلياً من عدم الملاءة والشح في السيولة.
وعلى الرغم من الإجراءات غير الفاعلة التي وضعت مؤخراً لتقييد حركة الأموال والتعاملات المصرفية (في ظل عدم الاتفاق على قانون للكابيتال كونترول أو اعادة هيكلة المصارف) والتي شهدت اقداماً كثيفاً على سحب الودائع، وفي ظل تجارب عالميّة مشابهة (حيث يُقدم المصرف المركزي عادةً على التدخل وتزويد المصارف بالسيولة الضروريّة)، بيد أنَّ مصرف لبنان وجد نفسه مقيّداً احتياطياته المحدودة من الدولار التي تراجعت من 45 مليار دولار الى حوالي 10 مليارات دولار، بسبب سياسة الدعم غير المجدي طيلة فترة الأزمة وبعض عمليات تهريب رؤوس أموال كبار السياسيين، وفي ظل زيادة فائض السيولة في الليرة اللبنانيّة والذي رفع معدلات التضخم بشكل كبير الأمر الذي أدى الى تدهور قيمة الليرة اللبنانية، كل ذلك حدث في ظل غياب أي ورشة حقيقية لإنقاذ لبنان من الهوة المالية العميقة التي يصعب الخروج منها من دون مساعدة فاعلة ومؤثرة بالرغم من إعلان الحكومة اللبنانية خطتها الخمسية للإصلاح والنهوض الاقتصادي والتي بقيت حبرًا على ورق (حيث إنَّ جمعية المصارف اللبنانية رفضت الخطة الاقتصادية معتبرة أنها تمثل تعدياً على الأسس القانونية والدستورية من خلال مساسها بالملكية الفردية التي ينص الدستور اللبناني على حمايتها).
ومن هنا نجد أنَّ ما لجأت إليه الحكومة اللبنانية قد لا يجدي نفعاً كون جهودها تركزت على طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي ومؤتمر سيدر أي لجأت إلى الاستدانة من جديد، وفي ظل شروط لن تكون سهلة، حيث إنَّ الجميع يركز على قضية إعادة هيكلة الدين والسعي لتلقي دعم فني من الصندوق والعمل على تفعيل وعود سابقة لمؤتمر المانحين وتعهد بتقديم 11 مليار دولار، كل هذا كان يعني العودة مجدداً إلى منطق استدامة الدين والتي ستكون نقطة التحول في المزيد من المسار الانحداري للواقع المالي والاقتصادي للبنان.
* الازمة الثالثة: وضع ميزان المدفوعات
عرقل نقص الائتمان المصرفي المصاحب لضغوط سوق الصرف حركة التجارة وتوفير مصادر التمويل للقطاعات الإنتاجية في الاقتصاد والذي طغت عليه درجة عالية من الدولرة، مما حد من واردات رأس المال والسلع النهائية وتدهور وضع ميزان المعاملات الجارية حيث سجل عجز نسبته 21 % من إجمالي الناتج المحلي عام 2019 ثم تراجع العجز الى 11 %عام 2020، ويعزى ذلك في معظمه إلى تراجع الواردات بصورة كبيرة. واستمر الاقتصاد اللبنانيّ في مواجهة الصعوبات نتيجة عدم ردم هذه الفجوة في سداد الدين الخارجي، حيث نمو إجمالي الناتج المحلي تدريجيا في السنوات التي سبقت التعثر في ظل توقعات انكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 9.1 % عام 2018 و7.6 % عام 2019 و20.3 % في عام 2020، و9.5 %عام 2021 حتى وصوله إلى (-5.4%) عام 2022.
* في النتيجة
إنَّ الأزمة المالية والاختلالات في الاقتصاد اللبناني طرحت عدة تحديات، وهي تتطلب استعادة الثقة الخارجية مع كل الدول الشقيقة التي يهمها مصلحة لبنان وشعبه في تقديم الدعم المالي والسياسي المطلوب للنهوض بالاقتصاد اللبناني وعودة الثقة بالنظام اللبناني والمؤسسات الدستورية والرسمية والأهم من ذلك كله استعادة الثقة بالنظام المصرفي والمالي اللبناني وتحقيق الاستقرار النقدي والمالي. من هنا يكون لزامًا على الدولة اللبنانية أن تتخذ التدابير الضرورية في ظل ناتج اقتصادي أقل من إمكاناته، عبر القيام بالأمور التالية:
1- تشجبع زيادة الإنتاج المحلي: تظل الوسيلة الأكثر استدامة لخفض الديون. ويتطلب تعزيز النمو الاقتصادي في لبنان تطبيق إصلاحات هيكلية عميقة خاصة فيما يتعلق بزيادة إنتاج القطاع الزراعي والصناعي وتوفير بدائل الاستيراد وخلق الوظائف للسكان في سن العمل، وتخفيض معدل البطالة في لبنان التي تتركز في الشباب والمتعلمين. ومن أكثر السبل فاعلية في توظيف المزيد من الناس وتعزيز إنتاجية القوى العاملة الحالية تشجيع المنافسة العادلة واعتماد التكنولوجيا الرقمية وخاصة في مجالي التمويل والاتصالات.
2- ضبط أوضاع المالية العامة بشكل مدروس: يمكن النظر في اتخاذ خطوات لخفض عجز المالية العامة في لبنان الذي عانى من ارتفاع حجم الدين ولا يعني ضبط أوضاع المالية العامة خفض الإنفاق بشكل عشوائي. لكن يمكن أن يتحقق ذلك من خلال ترتيب أولويات أكثر فعالية، إلى جانب تحسين قرارات الإنفاق في الموازنات المثقلة بالديون، وعلى الدولة أن تسعى إلى المزيد من خفض فاتورة الدعم الضخمة غير المجدية بغية توسيع وزيادة القاعدة الضريبية من القطاع الخاص في ظل تعطيل مؤسسات الدولة حيث يتألف سوق العمل في لبنان من قطاع خاص ضخم لا يمنح العمال أي حماية اجتماعية تقريبا ولا يدفع ضرائب تذكر.
3- توقف المصرف المركزي عن استخدام التضخم كإجراء نقدي في خفض الدين العام: على الرغم من أن فترات التضخم أدت الى خفض قيمة الدين المحلي، إلا أنه قد تبين أن ارتفاع التضخم كانت نتائجه باهظة التكلفة وأدى الى تراجع قوي في معدلات النمو وانهيار سعر صرف الليرة مما أضر بالفقراء وكذلك بمن يعيشون على دخل محدود وثابت (الموظفين والمتقاعدين لأنه في ظل هذا الواقع قد يفجر التضخم اضطرابات اجتماعية وتهديد السلم الأهلي. حيث استفاد الأغنياء وأصحاب المؤسسات من أدوات حقيقية ومالية وتمكنوا من حماية أنفسهم من التضخم). وخلاصة القول إنه ليس من المفروض أن يصبح التضخم أداة من أدوات السياسة العامة، بل هو في العادة مؤشر على ظروف اقتصادية صعبة.
4- تمديد آجال الديون المستحقة بشروط أفضل: من أجل خفض الديون، يمكن للدولة أن تسعى الى إعادة تمويل الديون المستحقة بشروط أفضل، في ظل توقعات تشير إلى أن أسعار الفائدة العالمية ستظل منخفضة! وتعزيز آفاق النمو كي يتمكن من الحصول على شروط أفضل.
فمن شأن النمو الاقتصادي أن يخفض حجم الدين بصورة مباشرة كنسبة من إجمالي الناتج المحلي، ويساعد على تمديد آجال الديون القائمة بشروط جيدة. وكي يتسنى تمديد آجال ديونه والحصول تدريجيًا على دينامية مستدامة للديون، من الأهمية بمكان أن تعكف على تحقيق الاستقرار في أوضاع الاقتصاد الكلي اللازمة للنمو.
وأخيرًا لا بدّ بالتالي من نقل السياسة المالية من سياسة الاستدانة الى سياسة الاتّكال على الذات، من خلال:
• تخفيض النفقات غير المجدية عبر الاستفادة من أصول الدولة وعقاراتها والتركيز على النفقات الاستثمارية التي تساعد على خلق فرص العمل وتكبير حجم الاقتصاد وتطويره.
• مكافحة الهدر والفساد وتحسين جباية الضرائب، وتحديداً الرسوم الجمركية، لرفع الواردات.
• التركيز على القطاعات المنتجة من خلال إيجاد أسواق جديدة لتصدير الانتاج اللبناني، والعمل على دعم القطاعات الصناعية والزراعية، وذلك من خلال سلسلة إجراءات تحفيزية المساهمة في تخفيض الأكلاف والرسوم الضرائبية المشروطة ومراقبة الجودة والنوعية واحترام المعايير الدولية، منها مثلاً مؤشر سهولة القيام بالأعمال تأميناً لبيئة سليمة لجذب الاستثمارات الخارجية وتطوير الشركات والمصانع العاملة.
في النهاية إن سقوط الدولة اللبنانية في دوامة الديون، هو الفخ الذي على ما يبدو وقعت فيه الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ الطائف وحتى اليوم حيث وجدت نفسها أمام تحدياتٍ كبيرة من خلال تحركات ومواجهات نقابية اجتماعية قد تنشأ مع الشارع اللبناني في رفض الإجراءات التقشفية والتبعات السلبية التي ستنتج عن أي اتفاق مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
كل ذلك حدث في ظل الضغط الدولي عبر الأوضاع الاقتصادية والسياسية المفتعلة والتي تحرم اللبنانيين من الاتفاق على رئيس جمهورية وحكومة فاعلة، تحمي النسيج والعيش المشترك (معادلة الجيش والشعب والمقاومة) وتعمل بكامل طاقتها لتخرج اللبنانيين من دوامة فساد السياسيين ولإطلاق عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحماية ثروات النفط والغاز المستقبلية.