ما احتمالات المواجهة العسكرية الأميركية ـ الإيرانية؟
صحيفة البناء اللبنانية ـ
العميد د. أمين محمد حطيط:
منذ تفجير البواخر الأربع في الفجيرة الإماراتية الشهر الماضي والحديث يتصاعد عن حرب قد تشنّها أميركا ومن معها من أتباع وأدوات ضدّ إيران. ورغم محاولات التبريد ومواقف النفي التي وردت على لسان أكثر من مسؤول أميركي ورغم محاولات خفض التصعيد وتلمّس الوساطات التي توّجت بزيارة رئيس الوزراء الياباني آبي الى إيران، رغم كلّ ذلك جاءت عملية تفجير ناقلتي النفط في بحر عمان في 13 حزيران/ يونيو الجاري ومسارعة أميركا الى اتهام إيران بالعملية وتحميلها المسؤولية عن ذلك، حيث تبعتها في موقفها كل من بريطانيا والسعودية، جاء ذلك ليزخم الحديث عن مدى احتمال المواجهة العسكرية واندلاع حرب تبادر اليها أميركا وتضع إيران في موقع دفاعي تجبر عليه. فهل باتت الحرب هذه الخيار المتقدم على الخيارات الأخرى التي تمتلكها أميركا في مواجهة إيران؟
في العلم العسكري الاستراتيجي لا يمكن أن تقارب الحرب ويتخذ القرار بها الا انطلاقاً من جملة أمور تبدأ بتحديد الأهداف التي ترمي الحرب إليها، ثم مناقشة الإمكانات العسكرية وغير العسكرية التي يملكها المهاجم لتمكنه من تحقيق الإنجازات الميدانية وتأمين الأهداف التي حددها، ثم يكون ملزماً بالتوقف عند مخاطر العملية وانعكاساتها على مصالحه ومقدار قدرته على حماية هذه المصالح وتحمل درجات الخطر تلك، وأخيراً وهو الأهم لدى بعض الاستراتيجيين ويتمثل بتوقيت الحرب ومدتها والقدرة على إنهائها وفقاً لإرادة المهاجم وهو عامل مؤثر جداً في قرار الحرب من أصله.
وبالتالي لا يمكن القول بإمكان اندلاع حرب أميركية على إيران أو عدمه الا انطلاقاً من مناقشة العناصر الأربعة المتقدمة الذكر، فما هي نتائج إسقاط هذه العناصر على الواقع الراهن والظروف التي يعيشها الأطراف على جانبي خطوط المواجهة والعداء القائم؟
نبدأ من الأهداف، حيث نجد أن أميركا قد تحدّد لحربها في حال بادرت اليها، أهدافاً تقع تحت سقف من ثلاثة: الأعلى ويتمثل بالاحتلال البري لإيران وتدمير الدولة كما فعلت في العراق في العام 2003، والسقف الأوسط يتمثل بتدمير إيران والإطاحة بالنظام السياسي فيها دون انتشار عسكري بري كما عملت في لبيبا، أما الأخير والأدنى من السقوف فيتمثل بتوجيه ضربة عسكرية مؤلمة لأهداف استراتيجية منتقاة تكون على صلة بقطاع الصناعات العسكرية والملف النووي الإيراني والمرافق الاقتصادية والعلمية ذات البعد الاستراتيجي. وهذه عملية تكون في الفهم الأميركي محدودة في الزمان لا تتجاوز الشهر الى الشهرين، تمكّن أميركا وفق ظنها من اقتياد إيران الى طاولة التفاوض الاستسلامي لتوقيع صك استسلام عملت عليه أميركا منذ 40 عاماً أي منذ نجاح الثورة الإسلامية في طرد أميركا من إيران. وطبعاً نرى أن الأرجح الذي قد تتخذه أميركا هدفاً لحربها هو النوع الثالث والأخير. هذا لأننا في ظل الظروف وإمكانات الأطراف نستبعد تكرار التجربة العراقية او اللبيبة في إيران.
بعد هذا نأتي الى العنصر الثاني في التقييم وتقدير الموقف، ونسأل هل بإمكان أميركا تنفيذ أهدافها تلك أي التدمير الانتقائي المدروس وفرض الإذعان على المسؤول الإيراني؟
هنا نرى أن النجاح بحاجة إلى أمرين: قوة عسكرية تنفذه، واستجابة إيرانية الى الإملاءات الأميركية.
وفي الواقع الراهن نرى أن أميركا تملك قدرات عسكرية نارية وإلكترونية هائلة تمكنها من تنفيذ معظم ما تريد فعله في الميدان، لكن على المقلب الآخر نجد أن إيران في بنائها قدراتها الذاتية راعت الجانب الدفاعي بشكل واضح واعتمدت نظرية الدفاع السلبي أساساً وعززتها بالدفاع الإيجابي الذي بتكامله مع الأول يعقد المهمة الهجومية الأميركية ويحول دون النجاح التام في التنفيذ. فإيران اعتمدت نظرية التبدّد والانتشار الواسع والتخفي والتمويه والإنشاءات الأرضية في باطن الأرض كما إنها اعتمدت نظرية البدائل الوهمية، ومن جهة أخرى فإن إيران التي يعتقد قادتها بأنهم يدافعون عن أنفسهم ووطنهم وعن دينهم في مواجهة عدو يستهدف كل ذلك، فإنهم يرون أن الاستسلام جريمة وخيانة للوطن والدين. وبالتالي فإنهم يمتنعون عنه. فإذا نجحت أميركا في تدمير كل ما تريد في بنك الأهداف المنتقى، فإنها لن تستطيع اقتياد المسؤول الإيراني الى الاستسلام، وهو يؤمن بنظرية «النصر او الشهادة» واعتقد أنّ ردّ السيد علي خامنئي على وساطة آبي كافٍ ليقنع أميركا باستحالة فرض التفاوض الاستسلامي عليها. ما يعني ان قدرات أميركا رغم حجمها وضخامتها غير قادرة على تحقيق أهداف العملية بشكل كامل او بمستوى يؤكد النجاح.
ونصل الى العنصر الرابع. وهنا تكمن برأينا مشكلة المخططين للحرب أو العاملين لشنها، فهل أميركا وأتباعها وأدواتها قادرون على اتقاء مخاطر الرد الإيراني ومعها حلفاؤها في الإقليم أيضاً؟
هنا نذكر بأن بنك الأهداف الإيراني يشمل 3 فئات من الأهداف. الأول الأهداف العسكرية وتتمثل بالقواعد والمنشآت والمراكز العسكرية الأميركية والحليفة في المنطقة. وكلها مواقع تعتمد في الدفاع عنها نظرية «الحماية بالهيبة». وإذا عرفنا أن هذه النظرية لا يكون لها أعمال في مواجهة إيران نصل الى استنتاج مفاده بأن هذه المراكز واهنة ضعيفة، وأن الإمكانات العسكرية الإيرانية قادرة على إنزال الخسائر الجسيمة فيها. اما الفئة الثانية فتتمثل بالأهداف الاستراتيجية الاقتصادية وفي طليعتها آبار النفط وموانئ تحميله. وهنا نجد أن إيران قادرة وبكلّ سهولة على تعطيل تدفق النفط الى العالم في الأيام الأولى للحرب، ونصل الى الفئة الثالثة من الأهداف والتي تتمثل بالبنية التحتية في الخليج ومواطن الاستثمار فيه وقطاع واهن للغاية تكفي الصواريخ الأولى لإحداث انهيار فيه. وبهذا نصل الى استنتاج بسيط في العنصر الثالث هذا أن المهاجم المعتدي على إيران سيكون أضعف من أن يحتمل ردة فعل المدافع.
اما في العنصر الرابع أي مدة الحرب والقدرة على إنهائها بتوقيت المهاجم المعتدي، ففي هذا الأمر وفر المسؤولون الإيرانيون على المحللين والخبراء عناء التفكير والإجابة، حيث كان الموقف الإيراني قاطعاً بالقول: «يمكن لأميركا أن تبدأ الحرب، ولكن لا يمكنها أن تنهيها «وهذا أخطر ما سيواجه المخطط العسكري والاستراتيجي الأميركي ومعه صاحب القرار، لأن المحافظة على الإنجاز الذي تحقق تتطلب القدرة على إنهاء الحرب بقرار من المهاجم. الأمر غير المتوفر في الحالة القائمة بين أميركا وإيران.
وبخلاصة إجمالية نجد أن 3 عناصر من اصل أربعة غير متحققة في الواقع القائم، ما يدفعنا للقول بأنه من الوجهة المنطقية العسكرية والاستراتيجية انّ احتمال شنّ أميركا حرب على إيران هو احتمال ضعيف لا يُقدم عليه إلا مقامر أو مجنون أو جاهل بقواعد الحروب وشروطها. وفي الحالة الأميركية القائمة ورغم أن شيئاً من المقامرة والجنون متوفر في الجانب الأميركي وشيء من الجهل متحقق في جانب الأتباع من عرب الخليج، لكن رغم كل ذلك نبقى نميل إلى استبعاد الحرب ليس بالاستناد الى ما تقدم من تحليل فحسب، بل نضيف إليها عامل الخوف الشديد عند المعنيين بها خوفهم على مصالحهم الذاتية والشخصية المباشرة. وهنا نذكر بضيق وقت ترامب ونتنياهو ربطاً بالانتخابات التي يحضران لها، وخوف محمد بن سلمان ومحمد بن زايد من تداعياتها في ظل حقيقة باتت راسخة بأنّ الحرب المقبلة ستكون شاملة كامل الشرق الأوسط وتكون النار مهدّدة كلّ المصالح الأميركية والتابعة ولن تتوقف إلا مع التغيير الاستراتيجي الكبير لوجه المنطقة تغيير يصحح ما ارتكب من فظاعات بدءاً باتفاقية سايكس بيكو وصولاً الى إنشاء «إسرائيل» وتقسيم المنطقة واستعمارها.
وأخيراً يبقى السؤال: إذا كانت الحرب مستبعدة لا يقدم عليها عاقل، فلماذا التحشيد والتهويل اذن من قبل أميركا وأتباعها؟ جوابنا على السؤال مختصر بالقول: إنها حاجة القوي العاجز حتى يحفظ قوته ويخفي عجزه أمام المتواضع القوة القادر على إفشال خطط المعتدي وتخطي طموحاته، والمعسكر الانكلوساكسوصهيوني يجد نفسه في بلادنا بسبب المقاومة ومحورها وكتلة الممانعة وحلفائها في وضع العجز عن تحقيق الأهداف فلجأ الى الحرب الاقتصادية التي يدعمها الآن بالحرب النفسية التي تقوم على التهويل بالحرب.
أستاذ جامعي وباحث استراتيجي.
[ad_2]