ماما جورجيت الشهيدة المنسية
صحيفة السفير اللبنانية ـ
زينة برجاوي:
أصرّت تيريز على أن تمرّ إلى المصرف الذي تعمل فيه والدتها جورجيت (42 عاماً)، لتذهب معها إلى الطبيب. فالشابة لا تخطو خطوة إلا برفقة والدتها.
عند الثانية والنصف من بعد ظهر التاسع عشر من تشرين الأول العام 2012، فقدت تيريز روحها التي تعشقها…
جورجيت كميد سركيسيان. الشهيدة الثالثة في انفجار الأشرفية. جورجيت ابنه بقعتوتا في كسروان، تعمل في أحد مصارف الأشرفية منذ عشرة أعوام. هي أم تيريز (21 عاماً) وهوفيك (15 عاماً)، وزوجة جوزف الذي يعمل في إحدى شركات التأمين.
تقطن أسرة سركيسيان في منزل متواضع يقع في مبنى قديم في أحد أحياء محلة برج حمود. هناك، يخيّم الحزن على أهل المنطقة الذين لم يصدقوا حتى الساعة أن جورجيت رحلت. يبكيها كل من يعرفها ولم يتعرف إليها.
كانت تيريز على عجلةٍ وهي في طريقها إلى والدتها. تكاد استراحة الظهيرة التي تستفيد منها جورجيت تكفيهما للقيام بزيارتهما. وصلت تيريز إلى مكان عمل والدتها. كان المصرف يكتظ بالزبائن. لم تكن جورجيت تستطع المغادرة فوراً. طلبت من ابنتها ركن سيارتها والانتظار داخلاً. نزلت تيريز عند رغبة والدتها. لم تشأ أن تزعجها وهي المرأة الكادحة التي تستيقظ فجر كل يوم لتهتم بالأمور المنزلية قبل التوجه إلى العمل. دخلت تيريز المصرف وهي تحدق بوالدتها المحبوبة من الجميع. جلست تصغي إلى إشادة الزبائن بطعم القهوة التي تعدّها بنفسها. لم تعد تيريز تفكر بالوقت وهي تستمتع بالنظر إلى والدتها. إلا أن الأخيرة أبت أن تدعها تنتظر طويلاً. قدّمت فنجان القهوة الأخير، دخلت غرفتها لتحضر حقيبتها، استأذنت المدير بالمغادرة، وحين كانت تقترب من ابنتها تيريز التي تنتظرها على مدخل المصرف، وقع الانفجار.
كان هناك مواطنون عديدون داخل المصرف الذي يقع بالقرب من موقع الانفجار. إلا أن القدر شاء لجورجيت أن تكون الشهيدة الثالثة. وأدّت قوة الانفجار إلى رميها في مكان قريب من المصرف. أما تيريز المبللة بدمائها بسبب إصاباتها بشظايا الانفجار، فتبعت آهات والدتها لتجدها مرمية بالقرب من إحدى السيارات، بعدما تمزق جزء من رأسها. حينها، بادرت إلى إسعافها ونقلتها إلى مستشفى رزق، وهي الأقرب إلى موقع الانفجار. حملت تيريز والدتها إلى المستشفى وهي تتوسّلها بعدم الرحيل. تمنّت عليها عدم الاستسلام إلى الموت. فثوب الزفاف الذي سترتديه تيريز بعد أسابيع ينتظر اللمسات الأخيرة منها. فقد وعدتها بأن تزين لها طرحة الفستان بحبات اللؤلؤ. سمعت جورجيت كلمات ابنتها وعجزت عن الردّ عليها. لحظات ولفظت أنفاسها الأخيرة، تاركةً تيريز في صدمة أبدية. هي صدمة لن تتجاوزها بعد اليوم. قتلوا والدتها. حرموها من حنان المرأة المكافحة. رحلت جورجيت قبل أن تزف تيريز وتزغرد لها.
وفي المنزل في برج حمود، ما زال هوفيك ينتظر والدته في غرفة الطعام. لم يملّ من الانتظار، لأنها وعدته صباح هذا اليوم المشؤوم بتحضير الطبق المفضل له، لتناوله بعد عودته من المدرسة.
رحلت «ماما جورجيت». لم يذكرها أحد سوى إحدى القنوات التلفزيونية التي نقلت مراسم تشييعها أمس الأول في مسقط رأسها في بقعتوتا. جورجيت، لا تملك نفوذاً ليعزي بها المسؤولون والزعماء. لم يسأل أحد مَن هي المواطنة جورجيت، كيف هو شكلها، أين دُفنت، كيف هو حال ابنتها الجريحة تيريز. جورجيت شهيدة منسية، شُيّعت وحيدة.. لا جماهير تسير وراءها وتتوعّد بالانتقام لدمها. ولا ملايين تطالب بإسقاط الحكومة من أجلها.