ماذا يمكن أن يكون قد حصل في العراق؟
موقع إنباء اخباري ـ
سمر عبود:
أصوات التلفاز تعلو: لقد سحقناهم والويل للأمريكان.
هكذا قال الصحاف وهو يردد العلوج، تذكرونه، إنه وزير الإعلام العراقي السابق، آنذاك. لم يمر وقت طويل حتى شاهدنا الدبابات الامريكية تدخل بغداد دون أي مقاومة تذكر.
وحسب ما روى شهود عيان، فإن الجنود كانوا يخلعون ثيابها ويرتدون ثياباً مدنية، ويلقون سلاحهم. هكذا سلمت العراق، للغزاة، ولم يقاوم، وسقطت بغداد.
هكذا انتصرت المؤامرة الأمريكية، التي ابتدأت في مجلس الأمن على يد باول حين أظهر للعالم الدلائل التي تثبت ادعاءات أمريكا أن في العراق أسلحة دمار شامل، وجاء مؤخراً ليقول لنا: لقد كذبت وفقط، هكذا وبكل بساطة كذبت، كذبة، كانت السبب في دمار العراق وقتل الملايين في بلد عربي قال لا للهيمنة الامريكية.
واليوم، وبعد أن فشل المخطط الأمريكي في سوريا، وبعد الانتخابات الرئيسية التعددية الأولى والتي فاز بها الرئيس بشار الاسد، بدأ العراق يتهاوى، قطعة بعد قطعة، فهل يكون الأمر صدفة، كالدومينو. والمثير في الأمر السرعة في السقوط وعدم وجود مقاومة، رغم الأعداد القليلة من المجاهدين كما يدعون أنفسهم. كيف لمحافظة أن تسقط خلال ساعات، ولماذا، وهل النظام العراقي عاجز عن الدفاع عن أراضيه، وما هي الحقيقة؟
قوات قليلة العدد دخلت في عدد قليل من المركبات، سيطرت على قاعدة وبدأت بإطلاق سراح أخطر المجرمين، حوالي 2000 شخص، في حين يتسلم الجيش أوامر صريحة مفادها: ممنوع المقاومة، حفاظاً على الممتلكات والأرواح، وذلك لأن الجيش غير قادر على رد الهجمات و”المجاهدين” كما كان في لسان الأوامر التي صدرت من أثيل النجيفي قبيل هروبه من الموصل، لا بل إن من يقاوم يعرض نفسه للمحاكمة!!!!
فهل يعيد التاريخ نفسه ومن هي تلك القوات؟
هل هي داعش؟
أم من؟
ومن أمّن دخولها؟ وكيف تم دخولها دون أي معارضة تذكر؟ ولمَ أُصدرت الأوامر بعدم المقاومة؟
بحسب شهود عيان فإن الجنود خلعوا ثيابهم العسكرية وارتدوا ثياباً مدنية وألقوا السلاح، كأننا عدنا
إلى مشهد بغداد 2003، فماذا حصل هنا؟
هل هو المالكي يفتعل الحرب لكسب شعبية أكثر، أم هنالك أوامر صدرت لتسهيل مهمة دخول القوات لتأتي بالأسلحة والعتاد، ولتشكل خطراً على سوريا من الجهة الشرقية وخطراً على أبواب إيران؟
كيف دخلت هذه القوات دون أن تعلم أمريكا؟
كيف دخلت دون أن تصدر أوامر بالتصدي لها، وعلى بعد أمتار من أكبر قاعدة أمريكية؟
فهل جاءت أمريكا بالديموقراطية والحريات التي وعدت الشعب العراقي بها عشية الغزو، أم أن النفط كان جل اهتمامهم، ولا يهم إن اقتتل الشعب وتقسم إلى زمر وطوائف، ليصبح للعراق جيوش وليس جيشاً واحداً، جيوشاً طائفية منقسمة، ثمتقتطع منه كردستان؟
القوات التي دخلت نينوى لم تكن قواتداعش فقط، بل هيجيش صدام السابق، الناقم على المالكي وزمرته، مدعومين من السعودية وبموافقة أمريكية، وربما تكون معهم قوات مقتدى الصدر وغيرهم من مدنيين انضموا إليهم ظناً منهم أنهم أتوا لتحرير العراق.
فكل جهة منهم تحارب لمصلحة ما، ولا يتفق المحاربون على وجهة نظر واحدة. لم يأتوا لتحرير العراق، بل طامعين مرتزقة، وكلهم يصبون لأجل هدف واحد وهو تقسيم العراق وتفتيته نهائياً، ولإيجاد حجة للتدخل العسكري. فمن يظن أن المالكي سيد كلمته، وأن العراق منفرد القرار هو ساذج. ربما فاجأ العراق أمريكا بموقفه من سوريا، فضيقوا الخناق على المالكي وأمروه إما أن يتعاون أو يذهب ويعينوا غيره وهكذا، ما يفسر انسحاب الجيش. فلا تخدعكنّم الأسماء، الجيش العراقي حلّ بعد غزو العراق هنا وهناك. فلا يغرنّكم الأمر، لم يعد للجيش العراقي أي ذكر، فلقد قام الغزاة بحلّه بعد سقوط بغداد وأنشئ جيشا جديد غير مهيأ، كما قال الضباط بالأمس، حين أكدوا أن القوات التي داهمت متدربة على حرب الشوارع، والمقاتلون يتصرفون كالأشباح التي تظهر فجأة وتختفي فجأة.
أعتقد أن ما يحصل الآن في العراق مسرحية متقنة، يُسمح من خلالها لتلك القوات مجتمعة الدخول والسيطرة على العتاد العسكري التابع للجيش العراقي والعودة به إلى سوريا، وهكذا يتكوّن سبب مقنع لأمريكا لأن تشن حرباً ثانية على العراق بحجة التصدي للقوات الإرهابية، وهذا ما صرحت به واشنطن بالأمس، فكيف يُعقل أن يتم هكذا انتصار في يوم واحد ودون أدنى مقاومة، بل ومن خلال منع المقاومة، بحسب قرار المحافظ، ويتم كل ذلك بعدد قليل لا يفي بالغرض، ودون علم أمريكا؟!
الأمور لا تزال غير واضحة، بيد أنه من الواضح أن مخططاً آخر لضرب سوريا مجدداً من الشرق عن طريق العراق بدأت تنسجه أمريكا بعد فشل كل خططها، وما يساعدها أن المالكي طلب من المجتمع الدولي أن يساعده في التصدي للارهابيين، وهكذا يتكوّن أيضاً خطر على إيران، ما يدفعها لأن تستنزف قواها ربما في حرب مع “المجاهدين” الذين باتوا على أبوابها لدرء خطر الاجتياح، وربما يكون هذا ورقة للضغط على إيران وعلى سوريا، بالتعاون مع أمريكا.
كلها تكهنات، لكنني مقتنعة بها، فمن أتى على دبابة أمريكية ومن سلّم بلاده للغزاة لن يكون المخلّص ولن يكون بطلاً مهما اتخذ من مواقف فردية هنا وهناك ربما تكون من باب رد الجميل لسوريا بعد احتضانها مليوني عراقي.
فالمالكي ليس وطنياً، وداعش والقوات المدعومة من السعودية التي تتحارب لن تكون المخلّص للشعب العراقي، ومن سيدفع ثمن كل هذا هو الشعب العراقي مجدداً.