ماذا وراء الإندفاعة السعودية حيال إيران واليمن وسوريا؟ وما هي التحديات المحتملة؟
موقع العهد الإخباري-
علي عبادي:
إذا سارت الأمور وفق ما هو مخطط له، يُفترض أن تسلك الخطوات التنفيذية لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية خطوة عملية بإعادة افتتاح الممثليات الدبلوماسية لكل منهما في البلد الآخر خلال فترة أقصاها التاسع من أيار المقبل، وفق توقعات مساعد وزير الخارجية الإيرانية علي رضا عنايتي. وقد وصل وفد سعودي الى ايران تحضيراً لإعادة فتح سفارة المملكة في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد. كما تعمل إيران على افتتاح سفارتها في الرياض والقنصلية العامة في جدة قبل موسم الحج المقبل. ويتم بالتوازي تهيئة الأجواء لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين ايران والبحرين. ومعلوم أن ايران تقيم علاقات ديبلوماسية على مستوى سفراء مع بقية دول الخليج: الكويت، الإمارات، سلطنة عمان، وقطر.
أحدثَ الاتفاق السعودي- الإيراني ولا يزال أصداء إيجابية على مستوى المنطقة، باستثناء الكيان المؤقت الذي يبحث تداعيات هذا التطور على خططه لتشكيل تحالف إقليمي في مواجهة الجمهورية الإسلامية تحت ستار التطبيع. كما تعبّر الولايات المتحدة الأميركية عن تحفظها على تطور هذه العلاقات، خاصة أن ذلك تم خارج العباءة الأميركية، وتحديداً بسبب دخول الصين كصانع سلام وفاعل سياسي في الشرق الأوسط.
دوافع السعودية
بملاحظة التطورات التي حصلت في الأيام الماضية بعد توقيع الاتفاق، تسارعت الخطى السعودية بشكل لافت: وفد سعودي حطّ في صنعاء للبحث عن مخارج سياسية للحرب في اليمن، وزير الخارجية السوري زار الرياض بدعوة منها للمرة الأولى منذ عام 2011 في إطار بحث عودة سوريا الى جامعة الدول العربية، ووفد من حركة “حماس” يزور السعودية بعد سنوات من القطيعة بين الجانبين على رغم أن الزيارة تكتسب بعداً دينياً في الدرجة الأولى لكن مضمونها السياسي واضح وجليّ. هذا فضلاً عن الأجواء التي أرخاها الاتفاق الايراني السعودي على مجمل المنطقة.
هذه التحركات تتم من دون الوقوف على خاطر واشنطن التي تعارض مثلاً أي انفتاح عربي على سوريا، وأي دخول صيني على ملفات المنطقة أو اكتساب موطئ قدم فيها. ويمكن تفسير خلفيات السياسة السعودية الجديدة كما يأتي:
– تميل السعودية إلى التركيز على تحقيق رؤية 2030 الاقتصادية التي يحلم بها ولي العهد. ويحتاج الاقتصاد واستقطاب الاستثمارات الخارجية إلى الاستقرار، في حين أن استمرار أجواء المواجهة في المنطقة لا يساعد في إنجاز الرؤية.
– جاءت حصيلة حرب السعودية في اليمن متواضعة، وربما مخيبة للأمل، بعد ثماني سنوات من اندلاعها. وزاد من وطأة ذلك تمزقُ صفوف حلفائها من اليمنيين وتباعد موقفها عن دولة الإمارات الداعمة لانفصال الجنوب.
– تشعر السعودية بالاستياء الشديد لعدم منحها ما تعتبره ضمانات أمنية أميركية تلزم الولايات المتحدة بالتحرك دفاعاً عن السعودية في حال واجهت أي تحدٍّ أمني. وشكّل الهجوم على منشآت بقيق النفطية السعودية في أيلول 2019 وعدم فعل الولايات المتحدة أي شيء إزاءها بدايةَ إحساس لدى السعودية بصعوبة الرهان المطلق على القوة الأميركية، لا سيما في ضوء تحول الثقل الأساسي في الاستراتيجية الأميركية نحو شرق آسيا.
– أسهم تعزيز الروابط الاقتصادية والنفطية وغيرها بين السعودية وكل من روسيا والصين في إحداث تباعد بين السعودية والولايات المتحدة، في ضوء محاولة واشنطن فرض حدود على هذه الروابط. وانعكس ذلك إيجاباً على العلاقات بين الرياض وطهران، خاصة في ظل التقارب بين الصين وكل من البلدين المسلمين والجارين.
– عجّلت التهديدات الإيرانية بردّ انتقامي على تدخل السعودية في الأحداث التي شهدتها إيران في الخريف الماضي، في دفع مسار المفاوضات السعودية – الإيرانية لاستئناف العلاقات بين البلدين، فقامت الرياض بتسريع التسوية مع إيران بعد أن شهدت بعض التباطؤ.
دوافع ايران
يمكن تلخيص دوافع إيران في التقارب مع السعودية كما يأتي:
– سعت إيران طويلاً لإقامة علاقات جيدة مع السعودية، على اعتبار أن ذلك سينزع من يد الولايات المتحدة و”إسرائيل” ورقة التخويف من “التهديد الإيراني”. وكانت الممانعة تأتي من طرف الرياض التي فرضت شروطاً مسبقة لتطبيع العلاقات مع إيران. وبدلاً من الاستمرار في تحمل ارتفاع كلفة محاربة “نفوذ إيران” في الإقليم، أدركت السعودية الآن أن تبادل الضمانات الأمنية والمصالح الاقتصادية مع إيران هو ركيزة الأمن الإقليمي. وبدورها، تبدو إيران اليوم أكثر استعداداً للتعامل مع الهواجس السعودية في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية. وتعطي إيران الأولوية لنزع كل الذرائع التي يمكن أن ترسخ الوجود العسكري الأميركي في المنطقة والتدخل الأجنبي المباشر في شؤونها.
– أدى التطبيع بين دول خليجية و”إسرائيل” إلى زيادة التوتر بين ايران وهذه الدول، خاصة بعدما أخذت هذه العلاقات طابع التحالف الأمني والعسكري على نحو متزايد. ولا شك أن استئناف العلاقات بين إيران والسعودية من شأنه أن يقطع الطريق على هذا التحالف الذي بُني على رؤية العداء مع إيران. وهذا مكسب كبير لإيران ولجيرانها على السواء لأنه يبعد شبح المواجهة عن المنطقة.
– أدى تسويف الإدارة الاميركية بزعامة بايدن في العودة الى الاتفاق النووي وتشديد العقوبات على إيران إلى تفتيش إيران عن سبل لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع العالم غير الغربي، لا سيما أن الحصار الأميركي ألحق أضراراً كبيرة بالاقتصاد الإيراني. وتطمح إيران الآن الى النهوض باقتصادها عبر تعزيز علاقاتها مع دول الجوار ومنها دول الخليج، كما مع روسيا والصين ودول أخرى بعيدة.
مخاطر محتملة أمام الاتفاق
تبدو الانعطافة السعودية الإيجابية تجاه دول الإقليم حادة ومفاجئة وسريعة، إلا انها تحمل في بذورها تحديات، من أهمها:
– ثمة مخاوف من عودة الرهان على السياسة الأميركية في حال فوز الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية العام المقبل. وهناك مداورة بين “الزعل” والعودة إلى الانسجام فى العلاقات السعودية- الاميركية، ولو ان التغيرات في العلاقات الدولية قد تقلل من هذا الاحتمال. وقد مرت العلاقات بين الرياض وواشنطن بنوبات متعاقبة من الحرارة والفتور منذ غزو العراق للكويت عام 1990، الى هجمات 11 أيلول على نيويورك وواشنطن، الى اختلاف المقاربات حيال الأحداث الاقليمية بعد احتلال العراق وأزمة سوريا والاتفاق النووي مع ايران، ثم العودة المشتركة الى الانسجام والاتفاق على محاصرة إيران في عهد ترامب.
– هناك آمال معقودة على معالجة موضوع الحرب في اليمن بما يلبي السواد الأعظم من المطالب الملحة للطرفين اليمني والسعودي، وهذا الملف يشكل عنصراً مؤرّقاً للسياسة السعودية الخارجية ويترك بصماته على التعامل مع الملفات الأخرى. لكن السؤال يدور حول مدى ثبات فرص الحل السياسي، في ضوء حسابات السعودية الداخلية والإقليمية وانزعاج الجهات اليمنية المحسوبة على الرياض من انفتاح الأخيرة على “أنصار الله”، وما قد يشكله ذلك من تأخير محتمل للمساعي السياسية والجهود الهادفة لإنهاء التدخل العسكري السعودي في اليمن. وفي هذا الإطار، تشير تسريبات وثائق البنتاغون السرية الى أن السعوديين كانوا “يعتزمون إطالة أمد المفاوضات وتجنب التعهد بالتزامات حازمة”، وأنهم كانوا “يأملون في تقليص مطالب الحوثيين تدريجياً على أساس الاعتقاد بأن هؤلاء يتعرضون لضغوط ويحتاجون إلى انفراج في القضايا الإنسانية قبل بداية شهر رمضان”. على رغم ذلك، أدرك السعوديون أن الهدنة المؤقتة لن تجلب لهم السلام في غياب تلبية مطالب أساسية لـ”أنصار الله” مثل فتح منافذ اليمن البحرية والجوية ودفع الرواتب للموظفين وتبادل الاسرى، ومن ثم الشروع في بحث الحل السياسي. وقال السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر بعد يوم من زيارته صنعاء إنه يهدف لاستكشاف آفاق الحوار بين المكونات اليمنية للتوصل إلى حل سياسي مستدام وشامل في اليمن”. وتشير الاتصالات المباشرة بين السعودية و”أنصار الله” الى ما كانت ايران تردده باستمرار من أن قرار الأنصار موجود في صنعاء.
– تشي بعض الخطابات الخليجية عن “ضرورة عودة سوريا والعراق واليمن الى محيطها العربي”، باحتمال عودة سياسة الاستقطابات الحادة والاشتباك مع إيران حول ملفات إقليمية مستقبلاً، انطلاقاً من نظرة نمطية ترى أن هذه البلدان تتبع لإيران لمجرد أنها اختارت أن تقيم علاقات وثيقة معها. وتثير مثل هذه الخطابات مخاوف من أن يكون التقارب الحالي مجرد وسيلة لامتصاص الضغوط نظراً لعدم القدرة على تغيير المعادلة بالوسائل التي اتُّبعت سابقاً. ويُفترض أن الجميع وعى عِبر التجربة الماضية ونتائجها المكلفة وأن التعاون الإقليمي، وليس المواجهة، هو السبيل لحل الأزمات. وتجربة العلاقات بين إيران وتركيا يمكن أن تشكل نموذجاً قابلاً للتطوير برغم الاختلافات بينهما في قضايا عدة.
إضافة الى ما سبق، توجد مؤشرات تفيد بأنه في مقابل الاندفاعة السعودية لإعادة ترتيب العلاقات مع ايران واليمن وسوريا، قد تقوم السعودية بخطوة مقابلة لإعادة الاهتمام بمسار التسوية مع “إسرائيل” على قاعدة “تحديث المبادرة العربية للسلام” التي أطلقتها السعودية عام 2002. وهذه الخطوة قد ترضي الولايات المتحدة وتعدّل المزاج الأميركي المتحفظ على الخطوات السعودية في الاتجاه المقابل، غير أنها قد تقود الى تجاذبات متجددة في المنطقة حول شروط العودة الى التسوية في ضوء تطرف ومغالاة الجانب الصهيوني.