ماذا تفعل المدمّرة الأميركية نيتز في مضيق البوسفور؟
موقع قناة الميادين-
حسني محلي:
في الدقائق التي كان فيها وزير الداخلية التركي يتهم فيها السفير الأميركي في أنقرة، “بالتخطيط لانقلاب عسكري ضد إردوغان” ويقول له “ارفعوا أياديكم القذرة عن تركيا” كان السفير يلتقط الصور على متن المدمّرة نيتز بعد أن رست في مضيق البوسفور.
في الدقائق التي كان فيها وزير الداخلية سليمان صويلو يهدّد ويتوعّد أميركا متهماً إياها بانتهاج سياسات معادية واستفزازية ضد تركيا من خلال إغلاق قنصليتها ودعوة دول أوروبية أخرى لفعل ذلك، كانت المدمّرة الأميركية نيتز تمرّ من مضيق الدردنيل وهي في طريقها إلى مضيق البوسفور مروراً ببحر مرمرة.
وفي الدقائق التي كان فيها الوزير صويلو يتهم فيها السفير الأميركي في أنقرة جيفري فلاك “بالتخطيط لانقلاب عسكري ضد إردوغان” ويقول له “ارفعوا أياديكم القذرة عن تركيا” كان السفير يلتقط الصور على متن المدمّرة نيتز بعد أن رست في مضيق البوسفور.
وقبل أن نتحدّث عن أهمية التوقيت الزمني لهذه الزيارة لا بدّ لنا أن نذكّر بالتاريخ الأسود للمدمّرة نيتز التي سبق لها أن قامت بعمليات استفزازية في مضيق هرمز في 24 آب/أغسطس 2016 فتصدّت لها 4 زوارق حربية إيرانية وأجبرتها على مغادرة المنطقة.
وفي 12 تشرين الأول/أكتوبر2016 استهدفت المدمّرة نيتز مواقع رادارات يمنية بالقرب من الحديدة على البحر الأحمر. وفي 23 حزيران/يونيو 2020 أرسلت البحرية الأميركية سفنها إلى قبالة الساحل الفنزويلي وكانت نيتز المزوّدة بصواريخ موجّهة في مقدّمة هذه السفن التي قامت بأعمال استفزازية خلال عملية التمرّد ومحاولة الانقلاب الفاشلة المدعومة من واشنطن وقادها آنذاك زعيم المعارضة خوان غوايدو.
وعادت المدمّرة إلى مضيق البوسفور ورفعت علماً أميركياً كبيراً على ساريتها وهو ما اعتبره الإعلام ردّاً مباشراً على تصريحات الوزير صويلو، ووصف البعض ذلك أنه استفزاز مباشر في مرحلة تشهد فيه العلاقات التركية-الأميركية فتوراً وأحياناً توتراً جدياً بسبب علاقات الرئيس إردوغان مع الرئيس بوتين، وهو ما ينعكس سلبياً على حسابات واشنطن في الحرب الأوكرانية.
السفينة التي رست في مضيق البوسفور وعلى مسافة عدة مئات من الأمتار من مدخل البحر الأسود الاستراتيجي بالنسبة لروسيا يبدو أنها أرادت أن ترسل رسائل مباشرة لموسكو التي تمرّ سفنها الحربية والتجارية من هذا المضيق وهي في طريقها إلى البحر الأبيض المتوسط عبر بحر إيجة حيث القواعد الأميركية في اليونان.
زيارة نيتز تصادف أيضاً التوتر الأميركي والأوروبي مع إيران عبر الاستفزازات الإسرائيلية والخليجية كما هي جاءت بعد أسبوع من موافقة الرئيس إردوغان على مشاركة طهران في مساعي الوساطة الروسية بينه وبين الرئيس السوري بشار الأسد وهو ما أزعج واشنطن التي يعرف الجميع أنها استنفرت كل إمكانياتها لعرقلة مثل هذه المصالحة.
تهديدات الوزير صويلو التي عوّدنا عليها في كل مناسبة من هذا النوع تجاهلتها الخارجية التركية التي تستمر ومعه وزارة الدفاع في مباحثاتها مع واشنطن في موضوع شراء طائرات أف 16 الأميركية وهو ما يعترض عليه الكونغرس الأميركي بسبب الرفض التركي لانضمام السويد وفنلندا إلى حلف الأطلسي.
وجاء إعلان الرئيس إردوغان بموافقته على انضمام فنلندا فقط في محاولة منه لكسب ودّ واشنطن في الوقت الذي كان فيه العلم الأميركي يرفرف على متن نيتز التي بعثت بما يكفي من الرسائل إلى أنقرة وكل الأطراف التي لها حساباتها الخاصة بتركيا ودورها الإقليمي والدولي. وهو ما صادف قرار الرئيس إردوغان بتعيين نائب وزير الخارجية الحالي كمندوب دائم لتركيا في الأمم المتحدة خلفاً لفريدون سينيرلي أوغلو، وهو من صقور الدبلوماسية التركية حيث كان وكيلاً للخارجية وقبلها سفيراً لتركيا في تل أبيب عندما كان داوود أوغلو وزيراً للخارجية ثم رئيساً للحكومة التي تدخّلت بشكل سافر في سوريا اعتباراً من 2011.
ومع انتظار قرار إردوغان بتكليف سينبرلي أوغلو بمنصب جديد تتوقّع الأوساط الدبلوماسية للمرحلة المقبلة أن تشهد تغييرات مفاجئة في السياسة الخارجية التركية وخاصة باتجاه واشنطن وتل أبيب، وسينيرلي أوغلو كان من دعاة التنسيق والتعاون معها في جميع المجالات.
نيتز التي جاءت إلى إسطنبول من قبالة السواحل القبرصية وحيث التهديدات التركية للقبارصة اليونانيين وأثينا مع اقتراب موعد الانتخابات في تركيا (14 أيار/مايو) واليونان (بداية تموز/يوليو) ذكّرت الشعب التركي بأوّل زيارة قامت بها قطع الأسطول السادس الأميركي إلى إسطنبول قبل 65 عاماً عندما رمى الشباب اليساري البحارة الأميركيين في مياه البوسفور الباردة.
ومن دون أن يبالي الشعب هذه المرّة بزيارة نيتز طالما أنّ له ما يكفيه من المشاكل اليومية، وأهمها المعيشية الصعبة جداً مع استمرار التناقض في سياسات الرئيس إردوغان مع الحليف الاستراتيجي واشنطن، التي ترى في تركيا ساحتها المستقبلية للصراع الأكبر مع روسيا مع استمرار الحرب الأوكرانية باحتمالاتها الخطيرة اعتباراً من الربيع المقبل.
ويدفع كل ذلك الأوساط السياسية للحديث عن سيناريوهات متعددة، أهمها احتمالات عودة واشنطن إلى الحوار الساخن والمباشر مع إردوغان ودعمه في الانتخابات المقبلة، وذلك إذا اعتقدت أنّ اعتراضها عليه سيكون له رد فعل يستغلّه إردوغان في حملته الانتخابية. وهو ما يفعله وزير داخليته الذي يبدو واضحاً أنه يريد أن يقول لأنصار وأتباع العدالة والتنمية أنّ زعيمهم يتحدّى العالم برمّته. ومن دون أن يتذكّر أحد أن الوزير صويلو ومن قبله إردوغان سبق له أن اتهم أميركا والإمارات بالوقوف خلف محاولة الانقلاب الفاشل في تموز/يوليو 2016. ومن دون أن يمنع ذلك إردوغان من استنفار كل إمكانياته لإقناع الرئيس بايدن كي يلتقي به العام الماضي في قمة الأطلسي في بروكسل.
كما لم يمنع ذلك الوزير صويلو من زيارة الإمارات بعد المصالحة التركية-الإماراتية وشارك بعدها بحفل سفارة الإمارات في أنقرة بمناسبة عيد الاستقلال فتعرّض لهجوم عنيف من المعارضة التي استهدفت سلوكه السياسي والشخصي المخالف لشرف وكرامة الأمة والدولة التركية على حد قول المعارضة. ومن دون أن تؤثّر تناقضات إردوغان ووزير داخليته على شعبية العدالة والتنمية طالما أن المثل العثماني يقول: “ذاكرة البشر معلولة بالنسيان”.
ويبدو واضحاً أن إردوغان ووزراءه وإعلامه ينطلقون من هذه المقولة في جميع حملاتهم الانتخابية التي تهدف لدغدغة المشاعر القومية والدينية والتاريخية للإنسان التركي، ويبدو أن حوالى 30% من الأتراك يقتنع بل يؤمن “أن تركيا تتحدّى العالم وأن العالم برمته يهاب إردوغان وريث الإمبراطورية العثمانية العظيمة التي أركعت العالم أجمع”.
ومن دون أن يخطر على بال هؤلاء أن تركيا على وشك الإفلاس التام وهم لا يتذكّرون كيف أنّ إردوغان تراجع عن كل ما قاله عن حكّام أبو ظبي وتل أبيب والرياض والقاهرة والآن دمشق. وكأنهم جميعاً أي أتباع إردوغان صمّ بكم وعلى أبصارهم غشاوة تمنعهم مع رؤية العلم الأميركي الكبير وهو يرفرف أمام قصر السلطان عبد الحميد، وهو الآن مقرّ عمل الرئيس إردوغان في إسطنبول!.