ماذا تريد السعودية من حملتها ضد الوزير قرداحي؟
موقع الخنادق:
لم يكن وزير الاعلام اللبناني جورج قرداحي أول من دعا لايقاف الحرب السعودية على اليمن، كما انه ليس أول من وصفها بالحرب العبثية، فقد سبقه لذلك جهات دولية وغربية عديدة، على رأسها الامين العام للامم المتحدة انطونيو عوتيريش، كما ان هناك العديد من المسؤولين الاميركيين سبق ان طالبوا بوقف هذه الحرب، حتى ان الرئيس جو بايدن سبق ان تحدث عن ضرورة وقف الدعم للسعودية الذي يساعدها بمواصلة حربها على اليمن.
لكن مع ذلك رأينا كيف ان ثائرة الفريق الاميركي والخليجي في لبنان والمنطقة قد ثارت بمجرد تسريب فيديو قديم للوزير قرداحي يصف الحرب السعودية على اليمن بأنها عبثية، ويجب ان تتوقف لما تخلفه من دمار ومجازر، وهنا تطرح تساؤلات عديدة عن الأسباب الكامنة خلف تعميم هذا الفيديو الذي صوّر قبل توزير قرداحي بأسابيع، ولما كل هذا الهجوم على قرداحي لمجرد انتقاده السعودية والامارات؟
الحقيقة ان محاولات استضعاف لبنان عبر الوزير قرداحي يهدف بشكل اساسي الى ابتزاز لبنان واللبنانيين لعدم إطلاق أي مواقف معادية او منتقدة للسعودية والامارات وفشلهما في مختلف ساحات المنطقة ومن ضمنها لبنان، وبشكل كبير وواضح الفشل في اليمن رغم الحرب المستمرة لاكثر من ست سنوات صرفت فيها الاموال الطائلة وضربت هيبة النظامين السعودي والاماراتي بعد الغرق في المستنقع اليمني، وفضحت الرياض وابو ظبي امام الراي العام الدولي جراء ما يرتكب من جرائم حرب وضد الانسانية.
وبالسياق، تندرج هذه الهجمة السعودية الاماراتية على قرداحي والحكومة اللبنانية، في السعي للتحكم بالقرار الوطني اللبناني والاستمرار بالتدخل بشؤونه الداخلية بما يخالف كل القوانين والانظمة الدولية الناظمة لحقوق الدول ذات السيادة.
كما ان هذه الهجمة السعودية الإماراتية تشكل قمعًا واضحًا لأي رأي آخر او مخالف للمحور الاميركي السعودي وتهويل على الآخرين، والإدعاء ان السعودية والامارات طالما استثمرتا لسنوات طويلة في لبنان، وان هناك مئات آلاف اللبنانيين المعرضين لفقدان عملهم بسبب بعض المواقف السياسية لفرد او جهة بعينها، وقد سبق ان نجحت هذه الطريقة عبر الضغط لتقديم استقالة وزير الخارجية في الحكومة اللبنانية السابقة شربل وهبة، فهناك من يريد ان يرسم خطوط حمراء حول السعودية لمنع انتقادها وتسليط الضوء على كل ممارساتها.
كما ان إثارة هذه المسألة اليوم هي محاولة لإلهاء الناس عن أحداث الطيونة وما تبعها من فشل في إحداث فتنة داخلية في لبنان واستدعاء رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع للتحقيق، لكن الواقع انها “زوبعة في فنجان” أظهرت مدى “الانبطاح” الذي يمارسه البعض امام الارادة السعودية والاماراتية، كما لا يُستبعد ان تكون هذه الهجمة العنيفة من الاعلام السعودي وبعض المحلي المرتبطة مصالحه مع الرياض كون الوزير قرداحي مارونيًا وقد يكون مرشحًا جديًا لرئاسة الجمهورية.
لكن هل فعلًا السعودية ومن معها من الانظمة الخليجية هي نموذج يحتذى ويمكن احترامها في مختلف المجالات الحقوقية؟
الواضح ان السعودية وغيرها من أنظمة الخليج عبر الممارسة ليست بالنماذج الرائدة في مجالات حقوق الانسان والديمقراطية واحترام الرأي والرأي الآخر، وما يجري اليوم في ملف العدوان على اليمن هو دليل ساطع على ذلك، وهذه الانظمة لا يمكن الاقتداء بها بأي شكل من الاشكال سواء على صعيد حقوق الانسان والحريات داخليا او على صعيد الممارسات الخارجية منذ أيام التدخل في أفغانستان ودورها في تنامي الجماعات التكفيرية عقائديا وماليا ودعمها بكل الاشكال، مرورا بدعم صدام حسين للاعتداء على ايران ومن ثم ما جرى في سوريا والعراق وصولا للعدوان على اليمن الذي يشكل بلا منازع مأساة إنسانية كبرى لا يمكن للدولارات ووسائل إعلام الخليج إخفاء ذلك مطلقا مهما حاولت تلميع صورة النظامين السعودي والاماراتي، وبالتحديد صورة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وصديقه ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
ورغم كل محاولات إخفاء الحقائق فإن العدوان على اليمن أدى ويؤدي يوميا الى إراقة الدماء وإزهاق أرواح أناس أبرياء وتدمير هائل شمل مختلف مجالات الحياة في اليمن لا سيما المؤسسات الصحية والتعليمية والصناعية والأراضي الزراعية، بالاضافة الى حصار مطبق أدى الى أزمات معيشية وحياتية خانقة.
فالسعودية والامارات تريدان تطبيق ما يُفعل معها من قبل الادارة الاميركية في المنطقة، فهما خاضعتان بشكل كامل للارادة الاميركية وخير دليل على ذلك أداء الرئيس السابق دونالد ترامب وكيف كان يتعاطى مع المسؤولين في هاتين الدولتين؟ وبالتالي فهما يعتقدان ان بإمكانهما فعل نفس الشيء مع مختلف دول المنطقة، عبر استخدام سلاح الاعلام والمال والتهويل.
كل ما يجري يؤكد ان للسعودية والامارات مجموعات من التابعين والمرتزقة ليس فقط في اليمن للقتال بالداخل، بل ايضا في مختلف الدول العربية والمجالات لا سيما في الاعلام والسياسة وهذا ما تفسره الهجمة الشرسة التي حصلت ضد الوزير قرداحي.
واللافت ان كثير من الذين يتزاحمون لقتال الشعب اليمني وقتله واستهدافه او تبني العدوان عليه ومن ثم تهجّموا على قرداحي، هم إما طبعوا العلاقات مع الكيان الاسرائيلي، وإما هناك إشارات واضحة أنهم لا يعارضون هذه العلاقات او انهم يقيمون علاقات ولم تظهر للعلن بعد او لم تصل لمستوى التطبيع الكامل.
يبقى الاشارة الى ان التماسك الوطني اللبناني سيفشل كل محاولات التدخل السعودي الاماراتي لمصادرة القرار السيادي، وخير دليل على ذلك هو إفشال محاولة اختطاف رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري في العام 2017 وإجباره على تقديم استقالته من الرياض، فقد أفشل وقتها لبنان بقيادة رئيس الجمهورية ميشال عون وبدعم واضح من حزب الله والرئيس نبيه بري المخطط السعودي باعتقال الحريري ودفعه للاستقالة وإحداث فتنة داخلية.