ماذا إن لم تكن داعشياً؟
تبريرات عديدة ومدروسة في خدمة الزحف الداعشي في المنطقة بهدف تغطيته والتعاطف معه ووضعه في إطار ردة الفعل. ومن الواضح أن تعويم «مسببات» الحراك الداعشي على حساب وقائعه الخطيرة وتداعياته المصيرية يعني، على الأقل، ان هناك من يراهن على الداعشية لتصفية حساباته مع خصومه حتى لو كان الامر على حساب مصالحه وحضوره. تسويغ ظاهرة «داعش» التكفيرية بالشكل المشهود ليس سوى شراكة ضمنية معها على قاعدة التسويق لمنتجاتها وتمهيد الطريق أمامها لـ«ضرب الرقاب وشد الوثاق». يدل على ذلك، من قبيل المثال لا الحصر، وصف فضائيات عربية «عريقة» للداعشيين بالثوار مقابل وصفها للجيش العراقي بقوات المالكي او تصنيفها لـ«حزب الله» في خانة الميليشيات .
«داعش» هي آخر ما أنتجه «العقل» التكفيري في المنطقة. الداعشية شكل من اشكال «التطهير» البشري بنحو يتجاوز العرق والاثنية والقومية. الفعل التكفيري لن يتأخر قبل أن ينفلت من ايقاع الاجندات الاقليمية وسيكون له مساره الخاص المنفصل عن اجندات المحركين والمشغلين. المعركة المفتوحة التي يخوضها الداعشيون لا تقف عند حدود استهداف الشيعة. فالقتل بما هو وسيلة لدى الآخرين هو عندهم «طقس مقدس»، والتعليمات عندهم تتحرك على ايقاع: اينما وليتم فثم فعل القتل.. وخلقناكم شعوبا وقبائل لتتقاتلوا.. ان اكرمكم عند الله اكثركم قتلا.. وقل ربي زدني قتلا.
يتساوى في حسابات «داعش» الجهاد، من جهة، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، من جهة ثانية. الحالة الاولى هي قتل الكفار وقتالهم. الحالة الثانية هي اخضاع الناس للاحكام و الحدود والقصاص على قاعدة «اصدع بما أمرت». وبالعموم، الاقتراب من «داعش» والارتباط بها أكثر خطورة من الخصومة معها ومعاداتها. واذا كان البعض يصر على وضع الدولة الداعشية في خانة المنجز السني لمواجهة «الهلال الشيعي»، فإن واقع الحال وفق الحسابات المذهبية ينبئ بأن أتباع التشيع في المنطقة هم الأقل عرضة للخطر الداعشي. وإن لم يستطع الشيعة القضاء على الحركة الداعشية فهم قادرون، بالحد الأدنى، على تحصين مناطقهم وحماية انفسهم منها. يشهد على ذلك اخفاق داعش واخواتها في مواصلة اختراق المناطق الشيعية في لبنان، وعجزهم، بطبيعة الحال، عن استهداف ايران، وصعوبة اقترابهم من بغداد والنجف وكربلاء وعموم المناطق الشيعية في العراق. هذا فضلا عن القول ان النظام السوري، اذا صح ادراجه ضمن الخانة الشيعية، قد بات في مأمن من السقوط على أيدي الداعشيين وغيرهم.
خلاصة القول، لا احد بمأمن من «داعش» متى ما استطاعت النيل منه . عند الداعشي، كل غير مسلم ليس من اهل الكتاب فهو كافر وحكمه القتل. وكل غير مسلم من اهل الكتاب فهو مشرك ويراوح حكمه بين دفع الجزية او القتل او النفي من الارض. وكل مسلم ليس من اهل السنة والجماعة فهو رافضي او مرتد ومحكوم بهدر دمه. وكل من كان سنيا لكن ليس على مذهب السلف الصالح فهو من اهل البدع والضلالة وينحصرأمره بين اعتناق السلفية او التكفير، اي القتل. وكل سلفي ليس جهاديا فهو من القاعدين الذين تخلفوا عن ركب المجاهدين ومصيره القصاص. وكل سلفي جهادي لا ينتمي الى دولة الخلافة فهو مارق يجب أن يقتل لأنه امتنع عن بيعة الخليفة البغدادي.
ان لم تكن مع «داعش» فانت ضدها. وان اختلفت معها بالسياسة فانت خائن. وان خالفتها بالعقيدة فانت كافر. والنتيجة، إن لم تكن داعشيا فأنت مشروع قتيل.. قتل الداعشيين لك متوقف على القدرة وليس النية، وعلى الاولوية وليس الارادة. والقتل عند الداعشي اول الدواء.
صحيفة السفير اللبنانية – حبيب فياض