مؤشرات على قرب خروج «الدخان الأبيض»
صحيفة الوطن السورية-
عبد المنعم علي عيسى:
قبيل أن يعلن عن انطلاق الجولة التاسعة من المفاوضات التي يستضيفها فندق كوبورغ في فيينا، وتخوضها إيران مع مجموعة «4+1» بشكل مباشر، ومع الأميركيين بشكل غير مباشر، للوصول إلى توافق يقضي بالعودة للاتفاق النووي الموقع صيف العام 2015 الذي ألغاه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قبيل أن يتم عامه الثالث بنحو شهرين، أو آخر معدل عنه، نقول قبيل ولوج المتفاوضين إلى تلك الجولة كانت هناك رزمة من المؤشرات كلها توحي بأن التوافقات وصلت إلى حدود يمكن معها القول بقرب الإعلان عن اتفاق كبير لربما يصح توصيفه بأنه سيكون علامة بارزة في نظام دولي جديد بعدما أثخنت الجراح في هذا النظام الأحادي القائم منذ نحو ثلاثة عقود، ولربما كانت الولايات المتحدة أول من يدرك ذلك، لكنها بالتأكيد تعمل أيضاً على احتواء طهران اللازم لإفشال مسارين يهددان بتحويلها، أي تحويل الولايات المتحدة، إلى مجرد قوة إقليمية كبرى، أولهما مسار بكين المعنون تحت اسم «الحزام والطريق»، وثانيهما مسار موسكو المعروف بالمشروع «الأوراسي»، حيث للجغرافيا الإيرانية هنا ميزة القطع والوصل في ذينك المسارين على حد سواء، وفي ذاك ترى واشنطن أن نجاح عملية الاحتواء سابقة الذكر، سوف يكون عاملاً حاسماً في هزيمة المشروعين، وكنتيجة سوف يمدد إقامتها على رأس نظام عالمي يقر بسطوة القوة الأميركية ويراعي مصالحها التي تتقدم على مصالح الجميع كنتيجة للإقرار سابق الذكر.
رزمة المؤشرات تظهر عبر سيل الرسائل الميدانية الموجهة في الآونة الأخيرة إلى كل من الولايات المتحدة وإسرائيل وأوروبا بشكل متوال، الأولى كانت قد تميزت بالسخونة الحاصلة على امتداد الجبهات في سورية والعراق، تلك التي تحوي وجوداً عسكرياً للأميركيين، فيما الثانية جاءت على صورة رسم مشهد للجحيم الذي ستواجهه تل أبيب إذا ما اختارت طريق النار، والرسم جاء عبر المناورات العسكرية النوعية التي أجرتها إيران مؤخراً، والتي استخدمت فيها صواريخ بالستية متطورة، حيث المشهد يحاكي عملية قصف مفترض يصيب مفاعل ديمونا النووي الواقع في النقب المحتل، أما الرسائل الموجهة إلى أوروبا فكانت تتسم بنعومة أكثر، وهي لا تعدو التذكير بقدرات إيران التي استطاعت أقمارها الصناعية الثلاثة التي أطلقتها طهران مؤخراً على متن صاروخ يمكن له أن يصل إلى عمق أعماق القارة العجوز.
هذه السخونة المحيطة بمفاوضات فيينا لا تشير، أو هي ليست مؤشراً، إلى نظيرة لها حاصلة داخل أروقة قاعات الفندق الوثير التي تشهد مفاوضات هي الأعتى مما شهده العالم لربما منذ قرون لكنها، أي السخونة الحاصلة في المحيط، تبدو لازمة لتبيت حالة الطقس داخل القاعات بما يكفي لهدوء أعصاب المتفاوضين الذين ينبغي عليهم عدم الوصول إلى انفلاتها تحت أي ظرف كان.
تقول التسريبات التي رشحت عن المفاوضات مؤخراً أن أطراف هذي الأخيرة باتت على أعتاب توافق كبير، وتضيف، تلك التسريبات، أن مسودة لاتفاق شامل كانت قد وضعت، وهي تتضمن الخطوط العريضة التي من بينها، مثلاً، الاتفاق على تأمين اليورانيوم الإيراني المخصب بدرجات عالية لدى روسيا، على أن يكون لطهران حق سحبه، واستعادة برنامجها النووي من حيث توقف، إذا ما قررت واشنطن، أو أي بلد من الموقعين على الاتفاق، الانسحاب منه، في محاولة لمنع تكرار السيناريو الذي ذهبت إليه إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب العام 2018، وتضيف تلك التسريبات أن المدة المقترحة للاتفاق الذي قد يرى النور في غضون أسابيع هي عامان، على أن تكون تلك المدة أشبه باختبار حسن نيات فيما بين الأطراف كلها، قبيل أن تختم، تلك التسريبات، بالقول إن الولايات المتحدة تلتزم في مقابل ذلك برفع كامل للعقوبات المفروضة على إيران بما فيه الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة في مصارف الغرب.
إذا صحت تلك التسريبات، وهي على الأرجح كذلك طبقاً للعديد من المعطيات، فإن فندق كوبورغ سيشهد قريباً توقيعاً لاتفاق ستكون له تداعياته الكبرى على الضفتين الإقليمية والدولية، وبدرجة أكبر من نظائرها الحاصلة صيف العام 2015 الذي شهد توقيعا لاتفاق مع إدارة باراك أوباما لم يطل الوقت به لكي يتاح له أن تظهر تراجمه في موازين القوى على الضفتين سابقتي الذكر.
على ضفة التراجم السورية يمكن القول إن دمشق ستكون مستفيدة بدرجة كبيرة من الوصول إلى اتفاق كهذا، ونتائجه ستنعكس عليها إيجاباً عبر مسارات عدة، منها أنها ستكون أكثر قدرة في اتخاذ خيارات جديدة للانتقال بالصراع إلى مرحلة جديدة تكون خادمة بالضرورة لمشروعها الرامي إلى استعادة وحدة البلاد وسيادة الدولة على أراضيها، ثم استعادة الدور المحوري في المنطقة الذي سيكون كفيلاً أيضاً باستعادة الاقتصاد المثقل لجزء من حيويته الأمر الذي سيرتد إيجاباً بشكل مباشر على نسيج اقتصادي اجتماعي أصابه الترهل كنتيجة طبيعية للحمولات التي لعبت دوراً كبيراً في وصوله إلى تلك المرحلة.