لِماذا اختار غراهام تركيا لشَنِّ هُجومِه الشَّرِس على الأمير بن سلمان وتحميله مَسؤوليّة اغتيال خاشقجي؟
صحيفة رأي اليوم الإلكترونية ـ
افتتاحية الصحيفة:
أعادَ السيناتور الأمريكيّ النَّافِذ لندسي غراهام قضيّة اغتِيال الصحافي السعوديّ جمال خاشقجي إلى دائرة الاهتِمام مُجَدَّدًا في مؤتمر صحافي عقده في أنقرة حَمَّل فيه الأمير محمد بن سلمان وليّ العَهد السعوديّ المَسؤوليّة، مُشَدِّدًا “على ضرورة إيجاد حَل لطريقة تَعامُل واشنطن مع الأمير بن سلمان ومُلَوِّحًا بالعُقوبات”.
السيناتور غراهام يستمد مكانته وأهميّته من كونه من أبرز المُقرَّبين إلى الرئيس دونالد ترامب، ويُعتَبر من أكبر داعميه، ووقف بقُوَّةٍ خلف القَرار الذي أصدَره مجلس الشيوخ الأمريكيّ بالإجماع قبل شَهر، بإدانَة وليّ العهد السعوديّ واعتبارِه المَسؤول الأوّل عن اغتيال خاشقجي، مِثلَما كان المُحرِّك لقَرارٍ آخَر في المجلس نفسه حَظِي بمُوافَقة 60 سيناتورًا من مجموع مئة، يُعارِض أي تعاون أمريكيّ مع السعوديّة في حرب اليمن، هذا في الوَقتِ الذي أعلَنَت فيه مجموعة مِن المُشَرِّعين الأمريكيّين طرح مشروع قانون الخميس يُطالِب بوقف جميع أشكال المُساعدات الأمنيّة الأمريكيّة للسعوديّة وبيع الأسلحة للرياض فَوْرًا ردًّا على مقتل الصحافي السعودي.
كان لافِتًا أنّ السناتور غراهام أصدَر هذه التَّصريحات القويّة مِن العاصمة التركيّة أنقرة أثناء زيارته لها، ومن غير المُستَبعد أن يكون مُضيفوه الأتراك الذين لا يَكِنُّون أيّ وِد للسعوديّة، قد اطلَعوه على المَزيد مِن الأدلّة، والمَعلومات، ورُبّما الأشْرِطَة المُصَوَّرة، عَن الطَّريقة البَشِعَة التي استُخْدِمَت لاغتيال خاشقجي.
أخطر ما قاله السناتور غراهام أيضًا أنّه يَشعُر بالنَّدم على تأييده “الحَماسيّ” لوليّ العهد السعوديّ في البِداية، وتأكيده بأنّه، وشُيوخًا آخَرين، سيُصدِرون بيانًا قاطِعًا في الأيّام القليلة المُقبِلة يُشَدِّدون فيه على أنّه، أيّ الأمير بن سلمان، عَلِمَ عِلْمَ اليَقين بعمليّة القَتل وهو مَسؤولٌ عَنها وسيتم فرض سلسلة مِن العُقوبات حتْمًا.
لم يُفصِح السناتور الأمريكي المَذكور عن طبيعة هذه العُقوبات، ولكنّه لمّح إلى أنها ستَبدأ بالمُتورِّطين بشكل مباشر في هذه الجريمة، مُوحِيًا بأنّ الأمير بن سلمان بينهم، ومُطالبًا بتنحّيه مِن منصبه بطَريقةٍ غير مُباشرة، عندما قال “توصّلت إلى استنتاجٍ مفاده أنّه لا يمكن للعلاقة بين السعوديّة والولايات المتحدة للمُضِي قُدُمًا حتّى تتم مُعالَجة مسألة بن سلمان”.
السؤال الذي يطرح نفسه هو عمّا إذا كان السناتور غراهام ورفاقه قادرين على فرض هذه العُقوبات وإقناع الرئيس ترامب بالمُوافقة عليها، أمّا السؤال الآخر المُتفرّع عن الأوّل والمهم أيضًا، هو عن ردود فِعل وليّ العهد السعوديّ على هذه التَّهديدات وكيفيّة تعاطيه معها، ومِن ثُمّ هل سيَقبَل أبرز مطالبها، وهي تَخلّيه عن منصبه؟
لا نستبعد أن ينجح غراهام ومجلس الشيوخ الأمريكي في الضغط على الرئيس ترامب من أجل فرض عُقوبات على المملكة إذا لم تتم تسوية مسألة الأمير بن سلمان، أي تنحّيه عن منصبه؟ لأنّ الرئيس ترامب يعيش حالةً مِن الضُّعف غير مسبوقة مع اقتِراب إعلان المُحَقِّق روبرت مولر عن تقريره النِّهائيّ حول علاقته بالروس، وتَدخُّلات الأخيرين في الحملة الرئاسيّة لصالحه، ولا نعتقد أن الرئيس ترامب سيُقامِر بخسارة مجلس الشيوخ الذي يُسيطِر عليه الجُمهوريّون في وَقتٍ يستعد فيه لشَنِّ حملة إطاحته.
الأمير محمد بن سلمان هو الحاكِم الفِعليّ في السعوديّة، باتَ يسيطر على مُعظَم مفاصل الدولة السعوديّة، الأمنيّة والعسكريّة منها خاصَّةً، ولذلك ربّما يكون مِن الصَّعب الإطاحة بِه من منصبه كوليٍّ للعَهد، ويقول المُقرَّبون مِنه أنّه سيُقاتِل حتّى اللَّحظةِ الأخيرة لمَنعِ أيّ مُحاولة للإطاحةِ بِه.
الأيّام المُقبِلة ستكون صعبةً بالنسبة إلى المملكة العربيّة السعوديّة، والأمير بن سلمان على وَجهِ الخُصوص، فالسناتور غراهام وعندما يتَحدَّث بمِثل هذه اللَّهجة، ومِن المِنبَر التركيّ، لا بُد أنّه يَعرِف ما لا يعرفه الكَثيرون داخِل الرياض وخارِجها.. وما عَلينا إلا الانتِظار لمعرفة تَطوُّرات هذه المعركة.. ونتائَجها أيضًا إذا بدأت فِعلًا.