ليلة مقتل الحسن وتوقيف أبو الحسن
في ليلة واحدة، نفذت الأجهزة الأمنية عمليتين «جريئتين» في عاصمة الشمال. أوقف الجيش أحد أبرز الشخصيات الإسلامية في المدينة حسام الصباغ، فيما قتل فرع «المعلومات» منذر الحسن، المشتبه فيه بتزويد انتحاريي «دو روي» بالأحزمة الناسفة. مجريات الأحداث في طرابلس غير منطقية، لكنها تشي بأن شيئاً تغيّر.
حسام الصباغ ليس شادي المولوي. وأيضاً ليس «زياد علوكي» ولا «عامر أريش» ولا سعد المصري. حسام الصباغ، الرقم الصعب في طرابلس، بات الحلقة الأضعف. الرجل ذو الحيثية الشعبية والهالة الغامضة التي تراكمت بُبعده عن وسائل الإعلام، والتي كانت تُنبئ بأن أي محاولة لتوقيفه قد تُحرق طرابلس، تلاشت كأن شيئاً لم يكن. ردود فعل محدودة، لا ترقى إلى حدود الاستنكار لتوقيف رجل قيل فيه الكثير وغالت الأجهزة الأمنية في وصفه بدءاً بـ«أمير القاعدة في الشمال»، مروراً بـ«أمير قادة محاور التبانة»، وصولاً إلى تسريبات اتهمته بالمشاركة في تفجيرات انتحارية، قبل أن يثبت زيفها. لم يعد كل ذلك يعني سوى النتيجة: «حسام الصباغ اليوم قيد التوقيف». كيف حصل ذلك؟ تساؤل تُجيب عنه الأجهزة الأمنية بأن «واقع طرابلس قد تغيّر».
إذاً، ضربتان في ليلة واحدة وجهتهما الأجهزة الأمنية.
الجيش وفرع المعلومات ضربا معاً. وبينما كان جنود الأول يُلقون القبض على حسام الصباغ المعروف بـ«الحاج أبو الحسن»، كان عناصر القوة الضاربة في فرع المعلومات يحاصرون شقة يتحصّن فيها منذر خلدون الحسن (٢٤ عاماً)، المشتبه فيه بتزويد انتحاريي «دو روي» السعوديين بالأحزمة الناسفة، قبل أن يُقتل بعد مفاوضات فاشلة لإقناعه بتسليم نفسه واشتباك مسلّح دام ساعتين.
ليل أمس، دهم عناصر فرع المعلومات إحدى الشقق في مجمع الـ city complex، المشروع السكني والتجاري الشهير في المدينة، بناءً على معلومات تُفيد بأن الحسن موجود في داخلها، علماً بأن ملكية الشقة التي تقع في الطبقة العاشرة تعود للمدعو هاني الحسن المرعبي، ابن عمة المنذر. ويقيم في المجمّع السكني نفسه مفتي الشمال الشيخ مالك الشعّار. أما عن كيفية تمكن الأجهزة الأمنية من تحديد مكانه، فتكشف المعلومات الأمنية أن «منذر كان يحمل هاتفاً خلوياً تمكّن الفرع الفني في فرع المعلومات من تعقّبه». وتشير المعلومات إلى أن «ضباط الفرع رصدوا اتصالاً أجراه الحسن بأحد أقاربه من داخل شقة تبيّن أنه يقيم فيها تعود لابن عمّته». حوصرت الشقة، فبدأ من في داخلها يُطلق النار بعد تنبهه إلى وصول عناصر الأمن. تنقل المعلومات أن «القوة الداهمة اعتقدت في البداية أن هناك مجموعة مسلّحة تتحصّن في الشقة، قبل أن يتبيّن أن الحسن وحده في داخلها». وتشير المعلومات إلى أن ذلك يعود إلى كون «الحسن كان يقوم برمي قنابل يدوية وإطلاق نار من جهات متعددة». وتذكر المعلومات أن القوة الداهمة استعانت بعمة الحسن لإقناعه بتسليم نفسه، لكنّه رفض. وتحدثت المعلومات عن أن الأخير كان يرد عليها بجمل غير مفهومة مفادها أنّه كان يخاطبها قائلاً: «إذا سلّمت نفسي فمن سيدفع دُيوني؟». وتحدثت معلومات عن أن الأخير أُنذر بأنّه سيُقتل في حال استمراره بإطلاق النار، فرد قائلاً: «يلي بدو يقرّب من باب الشقة بدو يموت معي وأنا مصرّ على كلامي ولن أتراجع ومش حسلّم نفسي حي أُرزق». أما حول كيفية مقتله، فتذكر المعلومات أنّه بعد فشل كل المحاولات لإقناعه بتسليم نفسه طوال نحو ساعتين، تمكن أحد عناصر المعلومات من الدخول إلى الشقّة وأطلق النار على الحسن الذي كان يهمّ برمي قنبلة يدوية، فسقط أرضاً، ما أدى إلى انفجار القنبلة في يده ومقتله على الفور.
وقبل مقتل الحسن، عند تمام العاشرة والنصف مساء، وأثناء مرور الحاج حسام الصباغ مع مرافقه محمد اسماعيل الملقب بـ«أبو بكر الحلاق» على حاجز للجيش اللبناني في محلة طلعة المنار في طرابلس، تم توقيفه مع مرافقه واقتيدا مباشرة إلى بيروت. وفي هذا السياق، تؤكد المعلومات أن توقيف الصباغ لم يأت عن طريق الصدفة، إنما بعد عملية رصد دامت لأيام تمكنت استخبارات الجيش بموجبها من تحديد أن الصباغ يقصد أحد المساجد في باب التبانة يومياً بعد الإفطار لأداء صلاة التراويح. وبناءً على هذه المعلومة، أقام الجيش حاجزاً طيّاراً خصّيصاً لتوقيفه أثناء عودته قرب منزله في محلة أبي سمراء. وحول قرار توقيفه، تقول المصادر الأمنية إن «الواقع الطرابلسي تغيّر»، لافتة إلى أن الغطاء السياسي سُحب عن جميع المطلوبين. وحول ردود الفعل المتوقّعة، ترى المصادر الأمنية أنها «لن تتجاوز الحد المسموح به»، مشيرة إلى أن المعترضين «يبحثون الآن عن غطاء ديني بديل من الغطاء السياسي». وترى المصادر أنه «في الوقت الذي كانوا يطالبون فيه بالإفراج عن قادة المحاور، جاء الرد بتوقيف أحد أبرز قادة المحاور». وتختم المصادر «موقف تيار المستقبل كان واضحاً في كلمة الرئيس سعد الحريري الذي شدد على رفع الغطاء عن كل مخلّ بالأمن».
لم يكن أبو الحسن ومرافقه وحدهما اللذين جرى توقيفهما. تتحدث المعلومات عن توقيف الشيخ المتشدّد حسام صيادي أيضاً الذي لعب دوراً بارزاً في عمليات أمنية، لكن السؤال الأبرز الذي يحضر في ظل هذه التطورات الأمنية التي طالت أبرز المطلوبين الإسلاميين هو: هل تُسحب الخيمة الزرقاء عن مطلوبي تيار المستقبل في عاصمة الشمال؟
صحيفة الأخبار اللبنانية – رضوان مرتضى