ليلة في الفندق مع الانتحاريين
مادت الأرض تحت قدمي أثناء تناولي فطور الصباح في الفندق في فردان. قرأت مأخوذة «الخبر العاجل» الوارد على شاشة هاتفي من خدمة محطة «أل بي سي»: مخابرات الجيش فتّشت الفندق حيث نزل الانتحاريان اللذان فجّرا نفسيهما قرب السفارة الايرانية قبل يومين مسمّية الفندق الموجودة فيه. وجدت صعوبة في استيعاب الخبر، عدت وقرأته مرّة ثانية ووجدت نفسي أهرع إلى موظفة الاستقبال، راحت تصطنع الهدوء مؤكدة لي الخبر بابتسامة: «نعم ولكن الأمر عادي فقد كان يمكنهما أن يقصدا فندقا آخر». كانت الفتاة مشغولة بسمعة الفندق، وهو بالفعل من أفضل الفنادق البيروتية بخدماته وحرصه على راحة النزلاء.
أمّا أنا فقد انتابتني قشعريرة لا توصف واستولى عليّ الذّهول. كان وقع الصدمة قويّا عليّ كما على الزملاء الصحافيين المشاركين في دورة تدريبية تنظمها مؤسسة دوليّة. وفجأة عبرت فيّ أحاسيس لم أعهدها سابقاً، راحت تخطر لي أفكار غريبة وتحجّرت الدّموع في عينيّ: يا إلهي! هل يعقل أنني أقمت ليلة الاثنين في الفندق نفسه وتحت سقف واحد مع انتحاريين استفاقا صباحا ليفجرا نفسيهما بالأبرياء؟! في اليوم السابق للخبر كنت أقرأ «مانشيت» «السفير» التي ذكرت بأنّ الإنتحاريين ارتادا فندقاً قبل الذهاب لتنفيذ جريمتهما. رحت أتساءل بيني وبين نفسي: أي فندق يمكن لشخصين مماثلين أن يختاراه؟ وكان جوابي متسرّعا: إنه بالتأكيد نزل بسيط لا يثير الشكوك، وفجأة اكتشف بأنهما ناما في الفندق نفسه الذي أنزل فيه!!! يا الهي! كيف أطرد الأفكار التي راحت تسيطر علي؟ والأسئلة الممضّة والغريبة التي تضغط على أعصابي؟
هل يمكن أن يكونا قد تناولا الفطور قبلي من «البوفيه» الصباحي؟ أو لربّما سكبا من جاط اللبنة نفسه الذي سكبت منه؟ أو ربّما تذوّقا حبيبات الزيتون الأسود التي أحبّها؟! اذا صحّ الأمر فهذا يعني أنه قد صار بيني وبين هذين الانتحاريين «خبز وملح» من حيث لا أدري!
راحت الهلاوس تتزايد: ماذا إذا صعدا معي في المصعد ذاته؟ أو ربما التقيت بهما في «اللوبي»؟ أو.. أو.. أو …
فرض الخبر ذاته على الزملاء الموجودين في الفندق ذاته، صار كابوسا متنقلا… وأحسست بجدّية الموقف حين رأيت رجال الامن يتجولون في الفندق. وهنا طار عقلي: ماذا إذا ألقي القبض على جميع النزلاء وأنا منهم؟ عندها ماذا سأقول للمحقق؟ صحيح أنني خضت بعض المشاكل البسيطة في حياتي مع بعض الجيران هنا وهنالك.. لكن لم يتم التحقيق معي ولا مرّة بجريمة إرهابية! وها أنا في مكان حضنني مع انتحاريين! رحت أستجمع أفكاري واهيّئ إفادتي وأعدّ الإجابات لأسئلة مفترضة من محققين إفتراضيين: أنا أشارك في تنظيم دورة عن «التقرير الإخباري» وهذا برنامجها … الخ من التفاصيل اللوجستية التي تثبت .. براءتي.
ثم جاء من يخبرني من الزملاء المشاركين أن أسماءنا كنزلاء تكون قد أصبحت بحوزة الأمن العام اللبناني والمخابرات! يا فرحتي!!! علّق زميل آخر: لو كنا في البلد الفلاني (سمّى إحدى الدول المجاورة) لكنّا تحولنا جميعنا الى القضاء العسكري وأمضينا أعواماً في السّجن إذ نعتبر جميعنا مشتبها بهم!
تنفّست الصعداء وشكرت الله بأنني لا أعيش في دولة بوليسية وان للأمن في لبنان عقلا يفكر.
لكن هواجسي ظلّت تلاحقني: صرت أرى هذين الرجلين كظلال بلا ملامح يتنقلان بين الغرف ويلاحقانني. الإنفجار الذي هزّ بئر حسن وأصاب مئات الأبرياء هزّني من الداخل ولا بدّ أنني أصبت بالجنون.
لم أعد أجرؤ على إخبار من يتّصل بي من الأصدقاء في أي فندق أنزل… صرت أكتفي بالقول: أنا في دورة تدريبية إعلامية في فردان.
في اليوم الاخير، كنت أتناول فطوري فسألت أحد المسؤولين عما اذا تناول الانتحاريان الفطور في المطعم؟ فأجابني بالنفي مشيرا الى أنهما كانا يطلبان الطعام الى غرفتهما. تنفّست الصعداء: الحمد لله . أضفت سؤالا آخر بعدما دبّت الحرارة في عروقي: في أي غرفة كانا ينزلان؟
سقط جوابه كالثلج على قلبي: في الطابق التاسع.
الحمد لله! لم يكونا جيراني في الطابق الثاني ويبدو أنني لم التق بهما البتّة. الحمد لله…
بقيت القشعريرة تتملّكني لأيام، لا أدري كيف أشرح ما أصابني، قررت أخيرا أن أكتب ما حدث لي ذات يوم في فندق فخم قرر أن يرتاده انتحاريان. خبر أخير وعاجل: لقد دفعا ما يستحق عليهما للفندق من مال وغادراه إلى مهمّة الموت، أما أنا فلم أقاوم رغبتي بالبكاء.
صحيفة السفير اللبنانية – مارلين خليفة