ليس دفاعا عن حزب الله
موقع العهد الإخباري-
إيهاب شوقي:
ليس دفاعًا عن “حزب الله” لأنه ليس في موقع اتهام وليس بحاجة لتفنيد لشبهات، حيث يكفي معرفة منصات الدعايات التي تشن عليه وطبيعتها وولاءاتها ليكون دليلا في ذاته على براءته من هكذا دعايات.
وليس دفاعا عن “حزب الله” رغم استحقاقه أن يدافع عنه الجميع كما يدافع هو عن شرف بلد بكامله، بل أمة بكاملها سلمت أوراقها للاستعمار ولم يتبقى في ثوبها الأسود سوى بقع صغيرة بيضاء مشرقة، يشكل الحزب أبرزها، ويشكل النواة الحية التي يمكن استعادة حياة الأمة عبرها.
إنما ما نقوله هنا هو رصد موضوعي وتوضيح لبعض الأمور التي تبدو غائبة عن البعض، ممن وجهوا اللوم والعتاب للحزب، ومنهم من قدم عتاب المحبين، وهو ما نراه يستحق التوضيح وفك بعض الالتباسات بالأمور.
والقضية هنا باختصار، أن هناك مطالبات للحزب بإبداء بعض الشدة تجاه الوضع المأساوي في لبنان، ومطالبات بإبداء غضب يشفي صدور أنصار المقاومة، مما أصابهم من ضيق وقهر بفعل التطاول والظلم والفجر في الخصومة والذي ذهب بالبعض لاتهام الحزب بالضعف!
وهنا لا نوجه ردا على المغرضين والكارهين، باعتبار أن أنصار المقاومة لو سقوهم العسل المصفى لن يزادوا إلا بغضا، وإنما نوجه النظر لبعض المحبين. وهنا يمكن تقديم هذا الاجتهاد في الفهم والرصد:
حزب الله ظاهرة فريدة في بلد فريد، فالأوضاع الطبيعية بالبلدان هي وجود سلطة مركزية تعبر عن جميع أطياف الشعب وجيش وطني يناط به حماية سيادة الدولة وحدودها، ووجود قوى سياسية متباينة المشارب والتوجهات على أسس سياسية واقتصادية تتناوب السلطة أو تظل في المعارضة إذا ما كانت الأنظمة مستبدة.
بينما في لبنان، فإن النظام نشأ واستمر على أسس طائفية، ورغم كل التعديلات والوعود والتطورات، فإن الطائفية ظلت هي الثابت الأكبر في هذا البلد، وتم تطويع المؤسسات والحكومات والكانتونات على هذا الأساس والذي أصبح مرادفا للاستقرار، وبقي العبث بهذا النظام مرادفا للفوضى ونذر الاقتتال الأهلي!
وفيما يخص الجيش اللبناني، فهو جيش وطني معبر عن الدولة وعن جميع اللبنانيين، ولكن لظروف استعمارية، تم تقييد تسليحه بما لا يهدد العدو الصهيوني، بل والأسوأ، بما لا يسمح بالدفاع عن لبنان إذا ما قرر العدو اجتياح البلاد!
هنا نشأت المقاومة لتشكل رديفا وليس بديلا للجيش الوطني، وتحررت المقاومة من القيود المفروضة على لبنان وجيشها في ملف واحد بعينه، وهو الدفاع عن لبنان ومواجهة العدو الصهيوني، ولم تصطدم بالجيش الوطني ولم تستقو بسلاحها على الداخل.
كما انخرطت المقاومة بالسياسة وفقا للعرف السائد ولم تستخدم قوتها وشعبيتها وسلاحها في فرض نظام جديد رغم مطالبتها ومواقفها المعروفة والمعلنة والتي تتفق مع المطالبات بتغييره.
هنا نشأت معضلة متعددة الأوجه، شكلت استعصاء على أعداء المقاومة بقدر ما شكلت قيدا أيضا للمقاومة، وهذه المعضلة باختصار تتمثل في نقطتين هامتين:
1- المقاومة عسكريا، لا تشكل ميليشيا مسلحة مارقة عن الدولة ومتجاوزة لسيادتها ومنفصلة عن عرفها ونظامها السياسي، ولا تحمل تناقضا أو صراعا أو حتى خلافا مع الجيش الوطني، وهو ما غل من يد الأعداء وأبطل دعاياتهم حيث حاولوا حشر المقاومة في هذا الركن وإضفاء هذه الصفة عليها لشرعنة استهدافها واستعداء اللبنانيين عليها.
فلم تعطهم المقاومة هذه الفرصة لأنها وبطبيعة تكوينها وببرنامجها السياسي والعقائدي، هي حركة تحرر وطني تلتزم القضية الوطنية الجامعة وليست ميليشيا طائفية تحمل سلاحها لتحقيق مصالح ومكتسبات طائفية ولم تتغول على الدولة ومؤسساتها بسلاحها وشعبيتها وبلحاظ أن شعبيتها عابرة للطوائف.
2- كما أن المقاومة سياسيا ليست “دولة داخل الدولة” ولا تمارس نفوذا على المؤسسات السيادية ولا تفرض خطها السياسي وعقيدتها المقاومة على الدولة، بل تحترم الدولة وعلاقاتها وتعمل بروح المعارضة رغم تجاوز وزنها النسبي وشعبيتها لأوزان المعارضة، وأهليتها وأحقيتها لفرض كثير من وجهات نظرها لو أن هناك ديمقراطية حقيقية وعادلة في لبنان.
هذه المعضلة شكلت قيدا على المقاومة، وهو قيد ألزمت به نفسها حرصًا على المصلحة العامة، وهو عدم الاستقواء بسلاح نذرته المقاومة للتحرير والمقاومة وحماية البلاد، وكذلك عدم استهلاك غضبها وجمهورها في معارك فرعية تشتت الجهود وتفتت البلاد، بل تدخر جهدها وغضبها لمواجهة العدوان ولمعركة كبرى منتظرة عنوانها “زوال اسرائيل”.
هنا لا غرابة في أن كل من يهاجم المقاومة أو يعاديها يجد نفسه مصطفا مع العدو، وهنا لا يعد الامر اتهاما جزافيا أو شعارا أو دعايات تتهم المخالفين بالعمالة، بل هي حقائق موضوعية، حيث لا تشكل المقاومة خطرا الا على العدو.
وهنا تكمن النقطة الجوهرية ومحل الاستهداف الحقيقي، وهو “سلاح المقاومة”ـ وهو المستهدف من هذا الحصار وهذه الدعايات وهذا الفجر في الخصومة.
وقد أعلنت المقاومة مرارًا وتكرارًا وقولًا فعلًا أنه خط أحمر، لأنه ملف وجودي وليس مكتسب شخصي، ولأنه مصلحة جماعية لا طائفية، ولأنه يتعلق بوحدة وسلامة بلد لا يعبأ الكثيرون بها إذا ما وضعت في تناقض مع مصالحهم أو أحقادهم.
إن التكامل بين الميدان والانخراط في العمل السياسي لدى المقاومة هو عمل في خدمة البوصلة الرئيسية وهي الاستقلال الوطني والتحرير، ولم تخلط المقاومة بين العملين، فلم توظف تفوقها الميداني توظيفًا سياسيًا في الاستقواء، ولم توظف انخراطها السياسي في تقديم تنازلات سياسية تخص الميدان والقضية الوطنية.
وبالتالي فالشعار الشهير الذي رفعه السيد حسن نصر الله “سنكون حيث يجب أن نكون”، هو شعار جامع للميدان والسياسة، فالتواجد العسكري والجهاد بالسلاح والارواح سيكون في الجبهات التي يجب أن يكون بها الحزب، وبهذه الروح، يتواجد الحزب في العمل السياسي، لا بغرض السيطرة والحكم، ولكن لتأدية الواجب والإسهام بالدور وعدم ترك الساحة خالية أمام الفاسدين واللصوص وكل من تسول له نفسه التحالف مع العدو وشرعنة استهداف المقاومة.
هنا يوجه المحبون اللوم على الحزب من منطلق مثالية مفرطة أو صبر مبالغ به، وهو غير صحيح أيضا، فإذا تعارضت المثالية والصبر مع المصلحة العامة، فإن الحزب سيتخلى عنهما لأن بوصلته المصلحة العامة، ولا معنى لصبر يمكن العدو من البلاد، بل هو يصبر حتى لا يمكن لهذا العدو.