ليس أمام الأوكرانيين إلا الإذعان لمطالب روسيا
جريدة البناء اللبنانية-
عمر عبد القادر غندور:
منذ اندلاع العمليات العسكرية في أوكرانيا في الرابع والعشرين من شباط الماضي، لا تبدو الولايات المتحدة على بيّنة من الأمر سوى التهديد والوعيد وفرض العقوبات الاقتصادية والمالية على روسيا التي تبدو واثقة من قراراتها وخطواتها، فيما بدا خصومها من الأوروبيين متردّدين لا بل خائفين من تطور العمليات العسكرية التي أسقطت أوكرانيا عملياً وباتت عاصمتها تحت رحمة القوات الروسية التي لا تبدو مستعجلة بعدما أنهت «مقومات الدولة» وعلا صراخ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بعد ان تخلى عنه الحلفاء، يطلب التفاوض وينادي بالحياد واستجداء الضمانات، وهو لا شك في قبضة القوات الروسية التي تعرف مكان اختبائه، ولكنها ليست على استعجال من أمرها وأمره، بعد الانكشاف الأميركي الذي خبره كلّ من تعاون وراهن على الأميركيين، وبدا حلف الناتو من دون حول ولا قوة وامتنع عن ايّ قول قد يجرّه الى تصادم مع الروس، بينما القارة العجوز تنأى بنفسها مكتفية بالتأييد للجارة الأوكرانية المعتقلة…
في المقابل تبدو الدولة الروسية أكثر تشدّداً في تحقيق أهداف غزوها لأوكرانيا وفي مقدّمه القضاء على النازيين الجدد، وهو تعبير لم يستعمل طيلة العقدين الماضيين، ونزع سلاح الدولة الأوكرانية وإقفال قواعد الأبحاث النووية والبيولوجية وكلّ ما يهدّد الجوار الروسي، ونزع أسلحة الدمار الشامل وعدم الانضمام الى حلف الناتو، والاعتراف بشبه جزيرة القرم وبجمهوريتي الدونباس (لوغانسك ودونيتسك).
نعتقد انّ مثل هذه المطالب، تؤرق ولا شكّ، الأنظمة التي كانت تحت عباءة الاتحاد السوفياتي، والتي أقامت علاقات مع الجوار الأوروبي المنتظم في حلف الناتو، وتشعر بكينونتها «الاستقلالية»، وقد انتظم بعضها فعلاً في حلف الناتو حتى تجاوز الكيانات المستقلة المحيطة بروسيا الاتحادية من جهة الغرب بستة عشر دولة تمثل خطراً وجودياً على روسيا ما يجعلها تتحسّس رؤوسها.
وكانت الولايات المتحدة قالت في كانون الثاني الماضي انها تتفهّم المخاوف الروسية من أوكرانيا واكتفت بالحملة الإعلامية الضخمة والعقوبات الاقتصادية وحتى إجبار اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم والاتحادات الوطنية الأوروبية على مقاطعة الرياضات الروسية، وهو ما لم يحصل من قبل، بينما الحملة العسكرية على أوكرانيا متواصلة ولا صوت يعلو على صوت المدفع الروسي الذي اقترب أكثر من أيّ وقت مضى من مدينة أوديسا ثالث المدن الأوكرانية الكبرى على ساحل البحر الأسود، وثمة أهمية عسكرية بالنسبة الى روسيا إذا بسطت سيطرتها على أوديسا التي تطلّ على منطقة ترانسيسترا الانفصالية على الحدود الأوكرانية المولودوفية. ويعتقد سكان أوديسا انّ الهجوم على مدينتهم سيكون حتمياً ويخشى عمدة المدينة من اجتياح مدينته من ثلاث جهات من البحر الأسود ومن الشرق حيث تطلّ القوات الروسية على الجمهورية الانفصالية في مولدوفيا.
وعلى الأرض تجاوز الجيش الروسي كلّ الخطوط الحمراء للسيطرة على أوديسا درة تاج الامبراطورية والميناء الاستراتيجي في الحقبة السوفياتية .
ولا شك انّ الولايات المتحدة تدرك ما تريده روسيا ولا تريد أيّ خطأ من جانبها فبادر البنتاغون الى الاتصال بالقيادة العسكرية الروسية وطلب تخصيص خط اتصال مباشر بين القيادتين لاستدراك ايّ خطأ، وهو ما تمّ فعلاً وفي الحال.
وهذه الأيام ترى الولايات المتحدة انّ الوقت بات مناسباً لتسويق الغاز الأميركي في أوروبا، في ضوء مصادقة البرلمان الأميركي على وقف استيراد الغاز من روسيا، ولا شكّ أنه بانتهاء الحرب الروسية الأميركية سيعود العالم إلى الحرب الباردة بالتأكيد.